09 November 2019 - 12:14
رمز الخبر: 454141
پ
السيد فضل الله :
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين.

ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الحسن العسكري شيعته، هذا الإمام الذي مرت علينا ذكرى وفاته في الثاني من شهر ربيع الأول، فقال: "أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد".
وبوجود التنوع في المجتمع الذي كان الإمام يعيش فيه، قال لهم: "صلوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا شيعي، فيسرني ذلك. اتقوا الله، وكونوا زينا، ولا تكونوا شينا، جروا إلينا كل مودة، وادفعوا عنا كل قبيح، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حق في كتاب الله، وقرابة من رسول الله، وتطهير من الله. أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي، فإن الصلاة على رسول الله عشر حسنات. احفظوا ما وصيتكم به، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام".
هذه وصية الإمام الحسن العسكري لنا، فلنعاهده بأننا سنعيها ونحفظها ونعمل بها، حتى نعبر بصدق عن وفائنا وإخلاصنا له، وهو من أفنى حياته من أجل حفظ هذا الدين حتى يصل نقياً صافياً، ومن نسله الشريف مولانا الإمام المهدي، إمام عصرنا، الذي نسأل الله أن يعجل فرجه، ويسهل مخرجه، ونحظى برؤيته، وأن نكون من أنصاره وأعوانه.
ومتى استوصينا بهذه الوصية، فسنكون بالطبع أكثر حضورا ووعيا ومسؤولية، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات".

أضاف: "البداية من لبنان، الذي مر على الحراك الشعبي فيه حوالى عشرين يوما، من دون أن يتوقف، وإن اتخذ أشكالا جديدة، بعدما أعاد تصويب مساره وخرج من أسلوب لطالما رفضناه، وهو قطع الطرقات على الناس، وندعو ونؤكد أن لا يتكرر هذا الأسلوب، لما له من تداعيات سلبية على مصالح الناس وحقهم في التنقل، وحتى على الحراك نفسه وما يطالب به.
وهنا، لا بد من أن ننوه بدور الجيش اللبناني في هذا المجال وبسرعة التجاوب معه. وقد أصبح واضحا للجميع، ورغم وجود سلبيات وملاحظات قد يبديها البعض على الحراك، مدى التأثير الذي تركه في المشهد السياسي وفي أداء القوى السياسية، حيث اضطرت هذه القوى إلى تعديل برامجها وأساليبها في الشأن العام، لتتناسب وتتوافق مع الأصوات التي انطلقت ولا تزال تنطلق في الشارع لتواجه الفساد والهدر والمحاصصة والاستهتار بالمال العام.
وقد بدأنا نشهد خطابا مختلفا، وهناك من بادر إلى خطوات، من خلال رفع السرية المصرفية عن وزرائه ونوابه والعاملين بالشأن العام لديه، والتنصل من كل الذين تلطخت أيديهم بالفساد، والاستعداد لرفع الغطاء عنهم جميعا".

وتابع فضل الله: "نحن كنا دائما نؤكد أهمية الحضور الشعبي الدائم في الميدان، وألا تترك الساحة للعابثين بها، من دون أن يرتفع صوت في مواجهتهم. ومن هنا، نؤكد أهمية إبقاء هذا الحضور بكل وسائل التعبير الحضارية، حتى لا يحول من هم في مواقع المسؤولية هذا البلد الذي لأجله بذلت دماء وقدمت تضحيات ودفعت أثمان، إلى بقرة حلوب لهم، أو أن يخضعوه لمصالحهم أو لمشاريعهم، مع حرصنا على حمايته من التدخلات التي تسعى إلى تجييره لحساباتها الخاصة في إطار الصراع الداخلي، أو توظيفه لحسابات الخارج ليبقى على طهارته وصفائه ونقاوة أهدافه. ويبقى أن ندعو كل القوى السياسية التي حكمت البلد وأوصلته إلى ما وصل إليه، إلى عدم التنصل من مسؤوليتها، والقيام بدورها في إخراج البلد مما يعانيه، بعدما أصبح واضحا مدى التردي الذي وصل إليه، وشواهده على أرض الواقع كثيرة، وليس آخرها التصنيف الائتماني وما صدر عن البنك الدولي وما يحدث في تعاملات المصارف، وهم معنيون، وعليهم أن يتحملوا المسؤولية بالإسراع بتأليف حكومة إنقاذ وطنية، حكومة تشتمل على الشخصيات الكفوءة، وصاحبة الكف النظيف، القادرة على النهوض بالواقع الاقتصادي والنقدي وعلى تلبية مطالب الناس الذين من حقهم أن يحصلوا على العيش الكريم، حكومة تحظى بثقة الشعب، وتأخذ بعين الاعتبار التوازنات في هذا البلد".

وقال:"اننا نتفهم طموحات الشعب اللبناني التواق إلى تغيير نظام الطائفية السياسية الذي يقوم على المحاصصة وتقاسم المغانم والتخلي عن العقلية التي حكمت هذا البلد، وهي سبب مشاكله، ولكن هذا لن يحصل دفعة واحدة، فهو يكون نتاج تضافر جهود وعمل دؤوب لتوفير الظروف وتهيئة أرضية مناسبة له، بعدما تجذَر هذا الواقع الطائفي في النفوس كما في النصوص".

وإذ نوه "بالخطوات التي أقدم عليها القضاء باستصدار استنابات لملاحقة من أثيرت حولهم شبهات الفساد"، تمنى "ألا تقف أمامها الحواجز الطائفية والمذهبية والحساسيات المناطقية، وأن تكون شاملة وبعيدة كل البعد عن الكيدية السياسية، وعن كل الحسابات التي جمدت محاولات سابقة لملاحقة هؤلاء، وأن لا يكون ذلك فقط لإبراء الذمم أو تنفيسا للاحتقان الشعبي".

وقال: "نقدر ما أعلن عنه من المبادرة إلى القيام بورشة تشريعية في المجلس النيابي، والتي نأمل أن تشكل خطوة للسير نحو تحقيق الإصلاحات المنشودة، والإجراءات التي تمنع الفاسدين في المواقع العليا من العمل بحرية بعيدا عن المحاسبة والمتابعة، ليأخذ المجلس النيابي دوره الفاعل في الرقابة والتشريع، وليكون دائما ممثلا حقيقيا لطموحات من يمثلهم ومعبرا عنها.
إن اللبنانيين بأمس الحاجة لأن يلمسوا من كل القوى السياسية أنها طوت صفحة الماضي وبدأت خطوات جدية في إصلاح كل ما يعانونه، وأنها ليست بوارد تمييع مطالبهم أو الالتفاف عليها أو القيام بخطوات موقتة لإسكاتهم، حتى إذا خفتت أصواتهم عاد هؤلاء إلى ما كانوا عليه من صفقات وسمسرات وفساد.
إن على القوى السياسية أن تعي أن هذا الشعب أكثر وعيا ومسؤولية وجدية في متابعة مطالبه حتى يحققها، ولن تنفع معه الضغوط والمناورات لإجهاض حركته العفوية".


وختم: "وأخيرا، يستمر سقوط الضحايا في العراق، بفعل الاحتجاجات الرافضة للفساد وتفشي البطالة وعدم تأمين العيش الكريم لفئات واسعة من الشعب العراقي.
إننا أمام كل ما يجري، نعيد دعوة الحكومة العراقية وكل القوى السياسية إلى تحمل مسؤولياتها، بالإصغاء إلى وضع الناس وآلامهم، ووضع حد للفساد المستشري، وإجراء إصلاحات، ليساهم ذلك في نهوض هذا البلد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ويخرج من معاناته.إننا نرى أن الإسراع في الإصلاحات هو الكفيل بمنع التدخلات الخارجية، ومواجهة من يريد تجيير آلام الشعب العراقي ومعاناته للإطباق على هذا البلد والسيطرة على موارده وثرواته أو جعله منصة في صراعاته في المنطقة".

المصدر: الوكالة الوطنية

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.