22 August 2009 - 17:15
رمز الخبر: 362
پ
حجة الاسلام حمید عبد اللهیان الشاهرودی :
رسا / مقالات ــ «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَیْكُمُ الصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَیَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِیضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعَامُ مِسْكِینٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَیْرًا فَهُوَ خَیْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَیْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِی أُنْزِلَ فِیهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَیِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ... (185)» سورة البقرة .
الضیافة السماویة

 

 

                                                      

رسا / مقالات ــ «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَیْكُمُ الصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَیَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِیضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعَامُ مِسْكِینٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَیْرًا فَهُوَ خَیْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَیْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِی أُنْزِلَ فِیهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَیِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ... (185)» سورة البقرة .

 

إن وحدة السیاق فی الآیات المباركة تدل على نزولها معاً ، ویمكن الاستفادة من محتواها للوصول إلى  الملاحظات الآتیة :

1ــ بـیّـن فی الآیات السابقة حكم وجوب القصاص والوصیة بدون مقدمة ؛ لأن العمل بالوصیة یبتنى على الرحمة والشفقة والصلة بالمتوفى ، وهذا موافق لطبیعة الأبناء والأسرة ، والقصاص یبعث على شفاء غلیل المهمومین ، ولأن الصوم على خلاف طبیعة الانسان وحاجاته الغریزیة والعمل به ترافقه بعض المصاعب فهو یحتاج إلى أرضیة ممهدة وإعداد مسبق للمؤمنین .

 

2ــ الصوم لیس حكما مبتدعاً بل له رواج بین الأنبیاء والأمم الأخرى، وآثاره موجودة حتى فی التوراة والانجیل المحرّفین .

 

3 ــ إن الكمال هو الهدف من الخلق ، وأرقى نقطة فیه هی التقوى والزهد والعقلانیة التی تشكل  جوهرة الإیمان ، والصوم هو الكفیل بتأمین هذا الهدف السامی .

 

4 ــ جملة « أیاماً معدودات » تشیر إلى تقلیل العدد ، أی إن الصوم لایستغرق جمیع أیام السنة ، بل یشمل شهراً واحداً منها، وهذا مناسب لقدرة الإنسان وتحمله .

 

5 ــ وشرط تحقق هذا الواجب هو الاستطاعة الجسمیة والحضور فی الوطن ، وبناء علیه من كان مریضاً أو یحتمل مرضه أو مسافراً فالصوم لیس واجباً علیه ، وینبغی له أن یصوم أیاماً أخرى بدلاً من تلك الثلاثین یوماً عند تحسن حاله أو عودته إلى وطنه .

 

6 ــ إن جمیع الواجبات الإلهیة دائماً أقل من استطاعة الإنسان ، وهی لاتعنی أن قدرته ستبلغ الصفر بعد انتهاء التكلیف ، وفی الوقت نفسه إذا لم یتمكن أحد من الصیام ــ أی أصبحت قدرته صفراً مع إتمام التكلیف ــ فیجب علیه إطعام مسكین فی مقابل كل یوم ، ویقصد بالإطعام الطعام المتعارف لاالطعام الذی نادراً مایتناوله الانسان .

 

7 ــ إن آثار الصیام وفوائده جمّة بنحو إذا أدركها الإنسان فسیسرع إلى استقبالها ، وهو الأفضل له . ومن تلك الآثار مایلی :

 

أ ــ الآثار الاجتماعیة :  

 سأل هشام بن الحكم زعیم المذهب الشیعی الإمام جعفربن محمد الصادق  (علیهما السلام) عن علة وفلسفة الصیام ، فأجابه : «انما فرض الله الصیام لیستوی به الغنی والفقیر  وذلك ان الغنی لم یکن لیجد مس الجوع فیرحم الفقیر، لأن الغنی کلما اراد شیئا قدر علیه، فأراد الله تعالى ان یسوی بین خلقه، وأن یذیق الغنی مس الجوع والألم لیرق على الضعیف ویرحم الجائع‏» . فأوجب الله تعالى الصیام لإیجاد المساواة بین عباده الفقراء والأغنیاء ، ولیحس أغنیاء المسلمین بألم الجوع فیحنوا على الضعفاء ویرحموا الجائعین فی العالم ، وهذا هو شعار الدین الإسلامی ، نعم الدین الوحید الذی یترحم على الجائعین ، نعم هذا هو شعار الإسلام الدین الوحید الذی یفكربالجائعین والمعدمین.

 

ب ــ الآثار الصحیة :     

قال رسول الله (صلى الله علیه وآله) :« المعدة بیت کل داء، والحمیة رأس کل دواء» ، فالمعدة مركز جمیع الآلم ، وتجنب الغذاء غیر المناسب والإسراف فی الأكل أساس كل علاج شافٍ ، فالصوم سرالسلامة الصحیة كما قال (صلى الله علیه وآله) صوموا تصحوا » .

 

ج ــ الآثار الأخلاقیة :

الصوم من أفضل العبادات ؛ لأن الصیام یقوم على كسر الشهوات الحیوانیة ، ولم تأت الشرائع السماویة والأحكام الإلهیة الا لتشذیب الشهوات وصبها فی مسار معتدل ، ولتزكیة النفس وتطهیرها وتنقیتها من الأخلاق الرذیلة ؛ لأنه لایقصد من الصوم مجرد الإمساك عن الأكل والشرب والجماع ، بل الهدف النهائی منه هو ردع النفس وصیانتها من الشهوات الحیوانیة كما قال رسول الله (صلى الله علیه وآله) : « الصوم جنة فاذا صام احدکم فلا یرفث ولایجهل ، وإن امرئ جادله أو شاتمه فلیقل: إنی صائم » ، أی الصوم درع یتسلح به الإنسان ؛ لذلك لاینبغی للصائم أن یتفوه بقبیح القول ویرتكب الأعمال السقیمة ، وإذا جهل علیه أحد بأن جادله أو سبّه فلیتق بذلك الدرع ویقل : إنی صائم .

والمراد من هذا الحدیث النبوی الشریف هو: أن الصوم حصن یحمی الإنسان من الانحراف والزلل ، وبه یتخلص من أعداء أقویاء كشیطان النفس والعدو الداخلی ، فتجب السیطرة على النفس لإقصاء الشیطان والشهوات الجامحة .

وقال أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام) فی نهج البلاغة : «ومجاهدة الصیام فی الأیام المفروضات، تسکیناً لأطرافهم، وتخشیعاً لأبصارهم، وتذلیلاً لنفوسهم وتخفیضاً لقلوبهم، وإذهاباً للخیلاء عنهم ؛ لما فی ذلك من تعفیر عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً ، والتصاق کرائم الجوارح بالأرض تصاغراً، ولحقوق البطون بالمتون من الصیام تذللاً» .

تطرق  أمیر المؤمنین إلى موضوع مهم فقال : اتقوا الله وخافوا عقاب الفساد فی الدنیا وسوء الظلم فی الآخرة ... والله یحفظ عباده المؤمنین بواسطة الصلاة والزكاة . ثم بیّن بعضاً من فوائد وعلل فلسفة الصیام ، فصیام الأیام الواجبة یحفظ اطراف المؤمنین وجوارحهم من الوقوع فی المعصیة ویغض أبصارهم ویجعل نفوسهم متواضعة وقلوبهم خاشعة  ، و كما تعمل الصلاة على استلال الكبر والاعجاب منهم لما فیها من تعفیر الجباه حین السجود وإلصاق الأعضاء السبعة الشریفة بالارض تذللاً لعظمة الله ، مثلما تلتصق البطون بالظهور فی الصیام ذلة وخضوعاً وانكاراً للنفس ، لأن فلسفة الصوم والصلاة والزكاة هی بناء وتكامل النفس وتزكیتها وتذلیلها والتقلیل من شأنها أمام البارئ ، وهی مما ینجی الأنسان من براثن الشیطان ، ویحرره من أنواع الأمراض الظاهریة والباطنیة ، ویلقنه دروساً عملیة فی المقاومة والجهاد ، ولاسیما الصوم لما له من ممیزات خاصة لایكافئ علیها سوى الله تعالى .

وقال أمیر المؤمنین فی موضع آخر:«و الصیام ابتلاء لإخلاص الخلق‏» ، فالله تعالى أوجب الصیام لامتحان إخلاص الناس ؛ لأن الصوم یؤثر كثیراً فی الاخلاص بالعمل ، فمن یصم ویمسك الیوم بأكمله عن الطعام والشراب مع تمكنه من تناولهما فلا معنى لذلك الا الإخلاص لله فی أدائه لواجبه ، وقد جاء فی نهج البلاغة :«وصوم شهررمضان فانه جنة من العقاب‏» ، فأحد موجبات الصوم فی شهر رمضان أنه درع من العذاب الإلهی إذ یوجب الرحمة وغفران الذنوب والمعاصی ، ومن ثم النجاة من العقوبة والنار.

 

د ــ إغلاق منافذ الشیطان :

قال رسول الله (صلى الله عیه وآله)  : «ان الشیطان لیجری من ابن آدم مجرى الدم فضیقوا مجاریه بالجوع‏»، فالشیطان ینفذ ویجری فی بنی آدم كجریان الدم فی الجسم ، فلتضیّق مجاریه مع وجوده بها بالجوع والصیام . ونقرأ فی حدیث آخر عن الإمام علی (علیه السلام) حیث قال : سئل رسول الله (صلى الله علی وآله) : ماذا نفعل لنقصی الشیطان عنّا ؟ فقال : «الصوم یسود وجهه ، والصدقة تکسر ظهره ، والحب فی الله والمواظبة على العمل الصالح یقطع دابره ، والاستغفار یقطع وتینه ».

 

8 ــ شهر رمضان من أسماء الله تعالى . قال الإمام الباقر (علیه السلام)  :« لا تقولوا هذا رمضان ولا ذهب رمضان ولا جاء رمضان فان رمضان اسم من أسماء الله عز وجل لا یجیء ولا یذهب وانما یجیء ویذهب الزائل ، ولکن قولوا: شهر رمضان، فالشهر المضاف الی الاسم والاسم اسم الله وهو الشهر الذی انزل فیه القرآن وجعله الله تعالی مثلا و عیدا کقوله تعالی فی عیسی بن مریم ( وجعلناه مثلا لبنی اسرائیل)» ، فرمضان اسم من أسماء الله ،  واسم الله متحد مع مسماه ، وهو لایجیء ولا یذهب ؛ لأن المجیء والذهاب من خصائص الأمور المتغیرة القابلة للزوال ؛ ولذلك أمر (علیه السلام) بأن یضیفوا الشهرإلى رمضان ، فالشهر مضاف واسم الجلالة مضاف إلیه ، وهو الشهر الذی نزل فیه القرآن ، وقد جعله الله أسوة وعیداً لجمیع الشهور كما جعل الله عیسى ابن مریم (علیه السلام ) أسوة لبنی أسرائیل ، وكذلك شهر رمضان رمز للمسلمین ، ومن جهة أخرى فقد نزلت  فی هذا الشهر الكتب السماویة ، مثل صحف إبراهیم ، وتوراة موسى ، وإنجیل عیسى ، والقرآن الكریم .

 

9 ــ اقتران الصیام بالولایة . وهی حقیقة مجهولة من حقائق هذه العبادة العظیمة ؛ لأن القرآن الكریم نزل فی لیلة القدر ، وقد شبّهت هذه اللیلة فی روایة للإمام الصادق بفاطمة الزهراء (علیها السلام) ، فالوصول إلى حقیقة الصیام معقود باتباع المعصومین فی حیاتهم وبإطاعة نوابهم فی زمن الغیبة كما قال الإمام الصادق (علیه السلام) : « لا صیام لمن عصی الامام » .

 

10 ــ إن الفرق الرئیسی بین الإنسان والموجدات الأخرى یكمن فی ثلاثة أشیاء:

أ ــ الفكر السامی .

ب ــ الاختیار والإرادة.

ج ــ حب الله المقترن بمعرفته .

ودور الصیام هنا أنه یصقل تفكیر الإنسان ویقوی إرادته ویجلی روحه بارتباط وثیق مع محبوبه الذی دعا العالم وأهل الأرض لضیافة الملكوت والسماوات ، قال رسول الله (صلى الله علیه وآله) : « إن ابواب السماء تفتح فی اول لیلة من شهر رمضان ولاتغلق الی آخر لیلة منه، لو یعلم العبد ما فی رمضان لودّ ان یکون رمضان السنة » ، فابواب السماء مفتوحة من أول لیلة حتى آخر لیلة منه، وهذا لایعنی غلقها فی سائر الأیام بل بمعنى السعة العظیمة للرحمة الإلهیة فی هذا الشهر ، ولو علم الإنسان ببركاته لتمنى أن یمتد شهر رمضان على طول السنة كلها .

ویحسن بنا ان نختم هذه المقالة بنقل مضامین دعاء الإمام السجاد (علیه السلام) حیث یقول : إلهی أسالك الخیر والصلاح فی هذا الشهر ،والغلبة على الشیطان ، وان تهب لنا نوراً وعوناً على الصیام ، وبركة هذا الشهر وطهره ورزقه ، ونسألك خیره وخیر مابعده ، وأعوذ بك من الشر والسوء فیه وفیما بعده ، إلهی احلل علینا شهرك هذا بالأمن والأمان والإیمان بك والسلامة فی النفس ونعمة الاسلام وبركة التقوى والتوفیق لما تحب وترضى

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.