16 September 2009 - 10:26
رمز الخبر: 637
پ
فهل یکون یوم القدس العالمی لهذا العام، منطلقا لتحمل المسؤولیة أمام الله وأمام التاریخ؟ وهل یکون فرصة نعید فیها تحدید البدیهیات التی ضاعت وحرّفت؛ من کون (إسرائیل) هی العدو الحقیقی للأمة، وأنها هی من یحتل القدس، ویهدد الأمن والاستقرار فی المنطقة، وأنها هی الغدة السرطانیة التی ینبغی أن نواجهها فی إطار محور واحد، بدل أن ینضم إلیها بعض العرب فی محور لمواجهة الأخ والشقیق؟
القدس فی یومها العالمی..وقائع ومسؤولیات<BR>
<BR>
                                         بقلم: عبدالرحیم التهامی<BR>

 

 

یستعد المسلمون فی إیران وفی بعض البلدان الإسلامیة حیث توجد هوامش من الحریة، وفی بعض البلدان الغربیة وفی الأمریکتین.. لإحیاء یوم القدس العالمی فی الجمعة الأخیرة من شهر رمضان، کما دعا إلى ذلک الإمام الخمینی(قده)، تجدیدا منهم للعهد، وتأکیدا على خیار التحریر، ورفضا لسیاسات التفریط التی یمارسها النظام العربی الرسمی.

هو یوم التعبئة من أجل القدس، ویوم الأمة الواحدة أمام نداء الواجب والمسؤولیة الدینیة.. ولن نتکلف عناء التدلیل على أن یوم القدس العالمی لهذا العام یحمل طابعا خاصا، فالجرح قد تعمّق، ومشاریع التهوید تسابق الزمن العربی الردیء لتفرض وقائع على الأرض، ومسلسل تهجیر المقدسیین من أحیائهم ینذر بإفراغ القدس من سکانها العرب، بل إن معرکة طمس الهویة الإسلامیة  للمدینة المقدسة، وسلخ معالمها التاریخیة، وتهدید المسجد الأقصى بالحفریات التی تجری تحت أرضیته؛ ترفع مؤشرات الخطر المحدقة بالقدس والمسجد الأقصى إلى مستویات غیر مسبوقة.

وإزاء مشاریع التهوید هذه، یبدو الموقف الإسلامی غائبا، أما الموقف العربی الرسمی فهو فی منتهى الجبن والتخاذل، وقد قبل بأبخس المقایضات فی مشروع التسویة أو بالأحرى التصفیة للقضیة الفلسطینیة، وهکذا رسا الموقف المساومة على مقایضة جبانة: التطبیع فی مقابل تجمید مرحلی للاستیطان، على قاعدة تسلیم واستسلام لأطروحة رئیس حکومة العدو  نتنیاهو الذی ما فتئ یعلن بأن «القدس الموحدة هی عاصمة الشعب الیهودی ودولة (إسرائیل)، وأن السیادة علیها غیر خاضعة للنقاش».

لم تفد وعود أوباما للعرب فی شیء أمام سعی نتنیاهو إلى فرض وقائع على الأرض وتحدیدا شرقی القدس، حیث شرع عملیا فی ترجمة تعهداته الانتخابیة بربط شرق القدس بمستوطنة «معالیه أدومیم»، مما سیترتب عنه فصل شمال الضفة عن جنوبها؛ وبالنتیجة منع التواصل الجغرافی فی الدولة الفلسطینیة الموعودة، بل وعزلها تماما عن القدس.

 فمنذ وصول أوباما إلى البیت الأبیض وهو یتکلم عن ضرورة اعتماد «بعض الحزم» حیال (إسرائیل) بشأن قیام دولة فلسطینیة ووقف الاستیطان فی الأراضی المحتلة، وأنّ التسویة فی المنطقة تتطلب حلاّ یقوم على أساس الدولتین ووفاء کل طرف بالتزاماته. وفی الواقع فانّ الامتعاض الأمریکی من سیاسات الاستیطان الصهیونیة أمر شکلی لا یعبّرعن تحول استراتیجی فی التحالف الأمریکی الإسرائیلی، فالغضب الأمریکی لم یتجاوز تسجیل المواقف، ولم یتحول إلى ضغوطات حقیقیة کالتلویح - مثلا- بفرض عقوبات، ولم یمس فی شیء إطار العلاقة کما أکد علیه أوباما فی خطابه بجامعة القاهرة. وحتى هذه المواقف الأمریکیة التی بدت رافضة للاستیطان فی بادئ الأمر، سرعان ما سلمت بالأمر الواقع أمام التصمیم الإسرائیلی وبفعل التراخی العربی، وکل ما ترید انتزاعه من  نتنیاهو هو مجرد التزام شکلی بتجمید الاستیطان ولو مرحلیا، فی مقابل ثمن عربی مغری؛ لأن المطلوب عربیا وفلسطینیا هو تقدیم المزید من التنازلات، والمبادرة –عربیا- ومن باب إظهار حسن النیة إلى بعض الخطوات التطبیعیّة.

فی الصراعات السیاسیة لاشیء أکثر تأثیرا وحسما من میزان القوة، والمواقف لا تکون فی العادة إلا ترجمة لواقع وحقیقة هذه الموازین، لذلک لیس من الوارد أن تتخلّق السیاسة الأمریکیة فی بضعة أشهر من مجیء أوباما وتربط توجهاتها بالأخلاق والمبادئ وحقوق الشعوب، وتفرض على نتنیاهو أن یتصرف على خلاف ما یقتضیه الاختلال الکبیر فی میزان القوة لصالحه، والدلیل على ذلک؛ العتاب الصریح الموجّه للعرب من أوباما نفسه ومن وزیرة خارجیته هیلاری کلینتون، مع أن رهان النظام العربی الرسمی کان ولا یزال على التسویة حصرا، وفی خطها قدّم تنازلات جوهریة لم یحصل فی مقابلها على شیء، بل العرب مطالبون الیوم بدفع المزید من الأثمان، فقط لأن الإدارة الأمریکیة الجدیدة أظهرت حزما لغویا حیال (إسرائیل).

ما یتناساه بعض العرب هو أن نتنیاهو اُنتخب على أساس برنامج لیس فیه أی احترام لالتزامات الحکومات الإسرائیلیة السابقة -على شکلیتها- فی موضوع التسویة، وقد کان واضحا فی خطابه فی بارایلان، لذلک فهو ماض فی مشروعه، والأولویة بالنسبة لحکومته لها عنوان رئیسی وهو: الملف النووی الإیرانی، والذی یشکل أیضا قلقا استراتجیا للولایات المتحدة، وهاجسا لبعض العرب. أما عن الغضب الأمریکی؛ فالفهم الصهیونی یضعه فی إطاره الطبیعی، ویفهمه ضمن إیحاءات التغییر فی السیاسة الأمریکیة التی یجب أن تعبّر عن نفسها، وهو مطمئن إلى التنسیق الوثیق بین (إسرائیل) والولایات المتحدة بشأن إیران.

 ولأن نتنیاهو یدرک أن الضوء الأخضر نحو انطلاقة استراتیجیه على الجبهة الإیرانیة یمر عبر تسویة للموضوع الفلسطینی، فهو منهمک وبمساعدة مستشاره للأمن القومی عوزی أراد؛ على إعداد مشروع سیاسی للمسار الفلسطینی وفق رؤیته التی عبّر عنها فی خطابه الشهیر، وعلى قاعدة الواقع الاستیطانی شرقی القدس وفی کل الضفة الغربیة.

ولیس بعیدا أن تواصل إدارة أوباما الضغط على العرب والفلسطینیین للقبول بمشروع نتنیاهو للحل، مستثمرة لعناصر الإغراء الاقتصادی فیه، لأن ما یهم الإدارة الأمریکیة هو الوصول إلى تسویة مهما کانت، لإعداد الشرط الإقلیمی المناسب للتعاطی مع إیران؛ خاصة وأنه بالحوار مع إیران أو من دونه، فلن تقدّم هذه الأخیرة؛ وفی ظل الولایة الثانیة للرئیس أحمدی نجاد؛ أدنى تنازل للأمریکیین أو لغیرهم فی ملفها النووی.

للأسف لم نشهد تحرکا عربیا أمام هذه الهجمة الاستیطانیة فی القدس، ولو بمستوى موقف الرئاسة السویدیة للاتحاد الأوروبی والتی دعت فی بیان لها (إسرائیل) إلى «عدم القیام بأی عمل استفزازی فی القدس الشرقیة»، بل على العکس من ذلک، فالقاهرة لا تجد حرجا فی استقبال نتنیاهو الذی یرعى أضخم مشروع استیطانی فی القدس، بما یقوّض أی أمل فی «التسویة»- نقول هذا من باب المسایرة الجدلیة لا أکثر- ضمن الخیار الذی راهن علیه الحکام العرب، وقدموا فی سبیله کل التنازلات، فالموقف العربی الرسمی یبدو عاریا مجردا من کل عناصر الضغط، خاصة بعد أن اندفع لتجریم المقاومة وتسفیه خیارها، ونعثها بالنهج المغامر، بل وخلافا للمعقول السیاسی لم یسع أحد لاستثمار هزیمة (إسرائیل) فی حرب تموز، لرفع السقف - سقف تسویتهم- ولو قلیلا؛ نقول هذا الکلام مع إدراکنا للأجواء السیاسیة التی أحاطت بهذه الحرب.

القدس تتهوّد وتخرج من إطار الحل المجحف الذی ارتضاه بعض الفلسطینیین والعرب، ویبدو أنّ القوم ینتظرون من أوباما أن یضغط على حکومة نتنیاهو لتُبقی فی القدس شیئا یصلح أن تقام علیه ساریة تحمل العلم الفلسطینی، وکأن أوباما مقدسیٌّ، وأنّ القدس تعنی له ما تعنیه لنا نحن العرب والمسلمین.

فهل یکون یوم القدس العالمی لهذا العام، منطلقا لتحمل المسؤولیة أمام الله وأمام التاریخ؟ وهل یکون فرصة نعید فیها تحدید البدیهیات التی ضاعت وحرّفت؛ من کون (إسرائیل) هی العدو الحقیقی للأمة، وأنها هی من یحتل القدس، ویهدد الأمن والاستقرار فی المنطقة، وأنها هی الغدة السرطانیة التی ینبغی أن نواجهها فی إطار محور واحد، بدل أن ینضم إلیها بعض العرب فی محور لمواجهة الأخ والشقیق؟

ذلک من الحد الأدنى مما نأمل حتى یحدث الله أمرا.  

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.