04 October 2009 - 19:24
رمز الخبر: 798
پ
التحلیـــــل السیاســـــی
رسا / مقالات - هل یهدأ الاشتباك النووی ویسلك تفاوضیا، فیما جبهة المسجد الأقصى تشتعل وهی مرشحة لتطورات خطیرة؟ و كیف لـ(إسرائیل) المؤرقة وجودیا، أن لا تعمل على معاكسة الخیار التفاوضی، باللجوء الى المغامرة العسكریة وهی التی لا تطیق أن یطول بها هذا الأرق الوجودی الذی یغذیه الرئیس أحمدی نجاد فی كل مناسبة؟
جولة جنیف ومآلات الاشتباك النووی

 

انتهت جولة حوار جنیف بین إیران والدول الستة، وافتتحت مسارا تفاوضیا یستأنف بعد أیام، وهی الجولة التی كانت مسبوقة بحملة من التهدیدات لإیران عزفت على نفس نوطة تصریحات القادة الثلاث على هامش الدورة المنتهیة للجمعیة العامة للأمم المتحدة، بل وحاولت أكثر من جهة أن تزاید علیها بإیقاع أكثر صخبا خاصة بعد إعلان إیران عن منشأتها الجدیدة بقم، وبعد تجاربها الصاروخیة الناجحة. من یواكب تلك الحملة یخرج بانطباع مؤداه أن هامش المناورة قد ضاق على إیران ولم یعد یسمح لها إلا بحركة واحدة فقط؛ وهی القبول بإملاءات الدول الستة أو مواجهة تبعات عدم التجاوب مع ما یسمى بالإرادة الدولیة.

لقد راهن البعض؛ وخاصة فی الجوارالاقلیمی العربی؛ فی أن  تنعكس الأزمة السیاسیة الداخلیة على الموقف التفاوضی الإیرانی، فإیران المأزومة داخلیا، والمنقسمة على نفسها بفعل أخطر شرخ عاشته منذ انبثاق تجربتها الاسلامیة المیمونة، ستكون فی موقف ضعف لأن الطرف الآخر الذی یحاورها؛ والذی لم یقف على مشهد أزمتها بعد الانتخابات الرئاسیة موقف من یقامر من بعید بالرهان على الفریق الإصلاحی، بل تدخل وتورط، وشكّـل غرفة طوارىء غیر معلنة، ووظّف كل خبرته وإمكاناته فی التآمر لیغیّر من صورة الأوضاع فی إیران؛ سیاوم هذه الأخیرة بأوراق ضغط مستمدة من الداخل الإیرانی نفسه، فضلا عن الأوراق الأخرى التی ما فتىء یلوّح بها، ومن أخطرها التهدید بالضربة العسكریة.

كانت هذه هی تقدیرات الموقف، أی الاتجاه نحو لحظة الحسم مع إیران، وهذا ما سعت إلیه وحرضت لأجله (إسرائیل) ما یسمى بالمجتمع الدولی مستثمرة كشف إیران عن منشأة - قم -، لتأخذ معها - فی سیاق هذا التهویل- نحو نفس الامانی فریقا عربیا لم یخف انزعاجه من المنشأة الجدیدة، ولم یتوان هو أیضا عن تحویر الحقائق، والقفز فوق معطیات التاریخ والجغرافیا، ونسخ المشتركات الدینیة والثقافیة فی سبیل تصویر إیران بأنها هی العدو الذی تستحیل معه كل التسویات!!

لكن الذی حصل كان بعیدا عن كل هذه التوقعات والمتمنیات، فقد أفضت جولة جنیف التفاوضیة عن نقاط تصب لصالح الملف النووی الإیرانی، لم تقدم إیران أی تنازل فی موضوع حقوقها الثابتة، كما تعهدت بذلك علانیة، بل كان المفاوض الایرانی مُقنعا فی أطروحته التی التزم بها وهی اعتبار الوكالة الدولیة للطاقة الذریة هی الإطار المرجعی القانونی لمناقشة تطورات ملفه النووی، مع تأكیده على سلمیة هذا البرنامج وشفافیته، وبدا الطرح الإیرانی منسجما مع المكانة الاقلیمیة التی استطاعت إیران أن تفتكها لنفسها، حیث الدعوة إلى معالجة الانشار النووی، وإعادة النظر فی المنطق المتجاوز والذی یحكم العلاقات الدولیة، فأی منطق دولی هذا الذی یعطی الحق لدول تمتلك السلاح النووی، سلطة الوصایة على دول ترید أن تمتلك التقنیة النوویة للاستخدمات السلمیة، ولتعزیز قدراتها التنمویة؟ فقط للشك فی نوایها! بل إن لقاء أمین عام مجلس الأمن القومی سعید جلیلیكیدهأ مع مساعد وزیر الخارجیة الأمریكی ولیام بیرنز على هامش جلسة الحوار مع مجموعة(5+1)، یمكن قراءتها على أنها إقرار أمریكی بأن لا خیار أمام أمریكا وحلفائها فی التعامل مع إیران إلا من خلال التفاوض، وقد كان لافتا تصریح أوباما  بعد هذه الجولة حیث خلى من ایة إشارة إلى العقوبات.

لقد أجمع المتتبعون بأن إیران استطاعت وفی زمن قیاسی أن تستعید لیاقتها السیاسیة بعد الأزمة التی أعقبت الانتخابات الرئاسیة، وعادت إلى حضورها السیاسی الفعال، وقد لعبت مواقف وأحداث متزامنة دورا فی دفع بها إلى واجهة الحدث الدولی، بدءا من خطاب الرئیس أحمدی نجاد فی الدورة 64 للجمعیة العامة للأمم المتحدة فی نیویورك، والمواقف التی تضمنها سواء تجاه (اسرائیل) وجرائمها، أو باعلانه الملف النووی مغلقا على الصعید السیاسی، وأن طهران ستتجاهل مطالب مجلس الأمن الدولی فی هذا الخصوص، ثم كان الإعلان عن منشأة قم واستعداد إیران فتحَها أمام لجان التفتیش التابعة للوكالة الدولیة للطاقة الذریة، ثم وبشكل مناسب فی التوقیت السیاسی وبمناسبة أسبوع الدفاع المقدس؛ یجری الحرس الثوری تجاربه الصاروخیة البعیدة المدى، فتصل الرسائل سریعا وتـُقرأ جیدا، لیتمخض لقاء جنیف عن انتصار سیاسی لإیران.

فهل یعنی هذا أن تحولا دراماتیكیا طرأ على الموقف الغربی حمله على تغلیب التفاوض وتفهم المطالب الإیرانیة؟ وهل لهذا التحول -إن صح- علاقة بالرئیس أوباما الذی طالما أكد على الحوار مع إیران (حتى وهو یزیغ عنه فی تصریحاته الاخیرة)؟ وبالنتیجة هل تراجع خیار التصعید فی المنطقة، وباتت الضربة العسكریة التی تتحدث عنها التقاریر والتسریبات مستبعدة؟

 لا نستطیع أن نقدم إجابات قاطعة على هذه التساؤلات، لیس عجزا؛ بل لأن الصورة لا تمنح قدرا من الشفافیة تسمح بالاستقراء وبالتالی ترجیح فرضیة على أخرى، إن قرار الغرب واضح؛ لا لإیران نوویة؛ وإیران هنا هی إیران الدعم المطلق لحركات المقاومة، إیران التی هی طرف فی الصراع ضد المشروع الصهیونی وأهدافه بالمنطقة، إیران الثوابت الدینیة والثوریة. ولا یشك كثیرون فی كون النووی الإیرانی ذو الطبیعة السلمیة، لیس إلا عنوانا للدور والموقع الذی تلتزمه إیران على الصعید الدولی والاقلیمی، وهذا الدورهو ما تسعى القوى المستكبرة لأن تساوم علیه إیران، أو أن تصل إلیه بالاختراق المخملی؛ وقد أغراها بذلك طرف داخلی أعلن رغبته السیاسیة فی الاستنكاف عن هذا الدور ذو الأكلاف الباهضة، وخاض حملته الانتخابیة للرئاسة على أساس انسحاب إیرانی من المدى الاقلیمی إلى الداخل لصیاغته على وفق المصالح القومیة لاغیر. 

ثم هناك سؤال یفرض نفسه، وهو یشی ببعض الإجابة، كیف للاشتباك النووی أن یهدأ ویسلك تفاوضیا ، فیما جبهة المسجد الأقصى تشتعل وهی مرشحة لتطورات خطیرة؟؟

وعطفا على هذا السؤال كیف لـ(إسرائیل) المؤرقة وجودیا، أن لا تعمل على معاكسة الخیار التفاوضی، باللجوء الى المغامرة العسكریة منفردة أوبالتنسیق، وهی التی لا تطیق أن یطول بها هذا الأرق الوجودی الذی یغدیه الرئیس  أحمدی نجاد فی كل مناسبة؟

كل الاحتمالات تبقى مفتوحة، وأكید أن إیران أعدت لكل احتمال عدّته، ویبقى المهم بالنسبة لأحرار العالم أن إیران لملمت جرحها..وعادت.

 بقلم عبدالرحیم التهامــی

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.