07 March 2010 - 01:28
رمز الخبر: 1908
پ
الحــدث:
رسا/تحلیل سیاسی- یسعى هذا التحلیل إلى وضع واقعة الاعتداء الآثم على المسجد الأقصى فی إطار المخطط الخطیر للعدو، وفی ضوء التوجهات والمراهنات التی تحکم بعض الموقف العربی الرسمی، مع استشراف لبعض التفاعلات الممکنة./ بقلم عبدالرحیم التهامی.
اقتحام الأقصى..هل اقتربت ساعة الحقیقة؟

أقدم المئات من جنود الاحتلال الصهیونی فی الجمعة الأخیرة، على اقتحام باحات المسجد الأقصى مباشرة بعد الصلاة، واعتدوا على المصلین وحاصروا بعضهم، وفی رد على الاعتداء بادر عشرات الفلسطینیین بالتصدّی لهم بالعصی والحجارة، وقد أصیب فی هذا العدوان حوالی ستین شخصا بالرصاص المطاطی وقنابل الغاز، وُصفت حال خمسة منهم بالخطرة.
یأتی هذا العدوان على المسجد الأقصى بما یحمل من رمزیة، بعد أیام فقط على قرار حکومة بنیامین نتنیاهو ضمّ الحرم الإبراهیمی فی الخلیل ومسجد بلال بن رباح فی بیت لحم إلى ما یسمى ب "قائمة التراث الیهودی"، کما یأتی قبل أسبوع عن افتتاح ما یسمى بـ"کنیس الخراب" على بعد أمتار فقط من المسجد الأقصى، والذی یعتبر وفق الرؤیة الصهیونیة مقدّمة للبدء فی تشیید الهیکل المزعوم.
سیاسیا جاء العدوان بعد الضوء الأخضر العربی الممنوح من وزراء الخارجیة العرب فی اجتماعهم الأخیر- بالقاهرة الأربعاء الماضی- للسلطة الفلسطینیة بالعودة إلى مسار التفاوض غیر المباشر.
وقبل مدة وجیزة على وصول المبعوث الأمیرکی الخاص إلى الشرق الأوسط جورج میتشل إلى الأراضی المحتلة، فی زیارة تستهدف تفعیل ما سمی بالتفاوض غیر المباشر الذی أملته الإدارة الأمریکیة للخروج من مأزق التعطیل للمسلسل التفاوضی.
وقبل أن نناقش فی الأسباب التی تجعل من عدوان همجی کهذا یمس بالمقدسات یمر من دون ردود فعل قویة على الصعید الجماهیری، سنضع الاعتداء فی سیاق توجهات حکومة الیمین التی یقودها نتیاهو، لنقف على خطورته.
إن مجیء نتیاهو وحکومة الیمین التی یرأسها، یمکن النظر إلیه کإفراز للعقل الباطنی الصهیونی، وتعبیر عن عقدة الخوف التی تتملکه، والتی فاقمتها هزیمة (إسرائیل) بتداعیاتها السیکولوجیة على قطعان المستوطنین؛ باعتبار أنها أول هزیمة فی تاریخها أمام مقاومة "حزب الله" فی حرب تموز2006، ثم ما تلاها من عجز الجیش الصهیونی من تغییر الوقائع على الأرض، کما أعلنت وزیرة خارجیة العدو السابقة تسیفی لیفنی من القاهرة وهی تعلن کلمة السر عن بدء الحرب على غزة.
جاء نتنیاهو إذا وهو یحاول أن یبدد هواجس الزوال لدى الإسرائیلیین، محاولا الاستدراک على مفاعیل الهزیمة بالتوسع فی الاستیطان، وفرض وقائع على الأرض، والتصلب فی شروط التسویة، وبإعلانه یهودیة الدولة، ثم وبإعادة تأهیل الجیش الخائب فی حربین، وبالإفراط فی تردید التهدیدات لمحور المقاومة بطریقة التناوب، وأخیرا من خلال التلویح بأن (إسرائیل) قادرة على وقف النووی الإیرانی؛ عقدة الوجود الإسرائیلی الأکثر ثقلا على العقل الصهیونی.
دوافع التأهیل السیکولوجی هذه للواقع الصهیونی، وجدت لها غطاءا عربیا سخیا، یتمثل فی اعتبار بعض النظام العربی الرسمی لإیران عدوا رئیسیا لا یوازیه الخطر الصهیونی الذی أضحت دولته حلیفا فی السر وبعض العلن.
وکل هذا العدوان على المقدسات ما هو إلا ترجمة لسیاسة الکسب فی الفرص الثمینة التی یتقنها الصهاینة، وهی الفرصة التی وفرّها الاعتدال العربی الفاجر لنتنیاهو، من خلال التطبیع مع حکومته؛ وهی تعلم أن نتنیاهو اُنتخب على أساس برنامج لیس فیه أی احترام لالتزامات الحکومات الإسرائیلیة السابقة-على شکلیتها- فی موضوع التسویة، بل هو کان واضحا فی خطابه الأول فی "بارایلان"،حیث الأولویة بالنسبة لحکومته هی الملف النووی الإیرانی، والذی یشکل أیضا قلقا استراتجیا للولایات المتحدة، ومبررا سخیفا لبعض العرب فی تحالفهم مع (إسرائیل). ولذلک حین یحدد وزراء الخارجیة العرب أثناء اجتماعهم الأخیر فی القاهرة سقفا زمنیا للمفاوضات غیر المباشرة مع حکومة نتنیاهو فی أربعة اشهر، فإن ذلک یصبح مدعاة للسخریة، والتی تبلغ مداها حین یکون الخیار -الممکن- بعدها هو اللجوء إلى مجلس الأمن، وکأنه خیار غیر مجرّب، وللاسف فرهان النظام العربی الرسمی کان ولا زال على التسویة حصرا، وفی خطها قدّم کل شیء ولم یحصل فی المقابل على شیء.
فی مهلة أربعة اشهر هذه، ستمضی سلطات الاحتلال فی تنفیذ القرار السیاسی الصادر عن حکومة العدو بتأمین کل الترتیبات لتقسیم المسجد الأقصى بین المسلمین والیهود خلال العام 2010، فی أفق السیطرة على کامل ساحاته لبناء الهیکل المزعوم.
أما الشارع العربی؛ فلا أحد یشک فی صدق مشاعره وحیویة هذه المشاعر، لکنه شارع مقموع ومستنزف ثقافیا بمشاریع المیوعة التی ترعاها الدولة الوطنیة القاهرة، والتی استطاعت للأسف؛ ومن خلال أدوات متداخلة؛ تحیید الکثیر من أرصدته وإمکاناته عن الحرکة والفعل القومی والإسلامی. ولعل ما یعمّق من أزمة الشارع العربی خصوصا؛ غیاب المشروع الاستنهاضی المؤطر لحرکته، فحتى الحرکات الإسلامیة وبفعل انخراط معظمها فی اللعبة السیاسیة، لم تستطع أن ترقى باستعدادات الجماهیر إلى أفق الانسجام والتفاعل مع حرکة المشروع المقاوم فی الأمة، وذلک من خلال رسم أدوار محددة لها، نعم یتحرک شارع هنا أو شارع هناک کلما بلغ الاستفزاز مداه، لکنه تحرک ینعدم فیه البعد الاستراتیجی بفعل غیاب الإطار التنظیمی. ومع ذلک تبقى حرکة الشارع ضروریة حتى تحت سقف الحرکة العفویة والموقف الاحتجاجی الصرف.
وفی جو التخاذل العربی الرسمی المتواطئ مع العدو ضمن استراتجیة العدو المشترک، التی جعلت من إیران الإسلام هدفا، فإن صرخات النصرة التی انطلقت من حناجر النساء والأطفال، وهتف بها الرجال وهم یتصدون بالصدور العاریة لاستباحة قوات العدو لأولى القبلیتین، لن تجد لها صدى إلاّ فی ضمن محور الممانعة والمقاومة، التی ننتظر کیف یکون رده على هذه الإستباحات المتمادیة.
سنشهد اقتحامات جدیدة فی الأیام المقبلة، والخطر هذه المرة أکثر من جدی، وقوى المقاومة لیست نائمة على ما یحصل، والى حین أن یتبلور الرد، وهو محکوم بتقدیرات إستراتجیة کبرى، فإن المقدسیین الذین یجسدون الآن خط الدفاع الأخیر لیسوا بحاجة لأکثر من أن یکون لدمائهم وصمودهم ثمن، ثمن داخل فلسطین؛ وذلک بإطلاق انتفاضة ثالثة تطیح بخیار التسویة إلى الأبد، وتشییع وهم السلطة النابعة من "أوسلو" إلى مثواها الأخیر.. وثمن فی العالم العربی والإسلامی فی شکل حراک جماهیری متضامن ومتصاعد وفاعل لجهة الإطاحة بکل مظاهر التطبیع التی تسللت إلى أکثر من قطر عربی وإسلامی.
هی معرکة الحسم یستعجلها العدو بممارساته واعتداءاته، وکما قال الإمام المغیّب موسى الصدر "إن شرف القدس یأبى أن یتحرر إلا على أیدی المؤمنین الشرفاء"، وهذا أوان ذلک.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.