04 July 2010 - 12:59
رمز الخبر: 2422
پ
رسا/عاجل- إنا لله وإنا الیه راجعون..انتقل الى عفو الله ورحمته صباح هذا الیوم؛ سماحة العلاّمة المرجع السید محمد حسین فضل الله، واذ تتقدم أسرة تحریر موقع رسا للانباء لصاحب العصر والزمان وللامة ولكافة مقلّدیه ولاسرة الفقید الصغیرة باحر أیات العزاء، فإنّها تتوجه الى العلی القدیر بان یتغمد الفقید بواسع رحمته وموفور مغفرته.
إنا لله وإنا إلیه راجعون
إذا مات العالِم ثُلِم فی الإسلام ثلمةٌ لا یسدّها شیء"

فی زمن أحوج َما نكونُ فیه إلیه..

رحلَ هذا الكبیرُ زارعاً فی قلوب المحبّین أحزاناً جمعت كلَّ أحزانِ التاریخ...

رحلَ الأبُ القائدُ الفقیهُ المرجعُ المجدِّدُ المرشد والإنسان...

رحلَ والصلاةُ بین شفتیْه وذِكْرُ الله على لسانه وهمومُ الأمة فی قلبه..

وأخیراً توقّف نَبْضُ هذا القلب على خمسةٍ وسبعین من الأعوام... قَضَاها جهاداً واجتهاداً وتجدیداً وانفتاحاً والتزاماً بقضایا الأمة ومواجهةً لكلّ قوى الاستكبار والطغیان..

رحل السیّدُ وهمُّه الكبیر، هو الإسلامُ فكراً وحركةً ومنهجاً والتزاماً فی جمیع مجالات الحیاة مردّداً على الدوام: هذه هی كلُّ أُمنیاتی، ولیس عندی أُمنیاتٌ شخصیّةٌ أو ذاتیّة، ولكنَّ أمنیتی الوحیدة التی عشتُ لها وعملتُ لأجلها هی أن أكونَ خادماً لله ولرسوله (ص) ولأهل بیته (ع) وللإسلام والمسلمین...

لقد كانت وصیّتُه الأساس حِفْظَ الإسلام وحِفْظَ الأمّة ووحدتَها، فآمن بأنّ الاستكبار لن تنكسر شوكتُه إلاّ  بوحدة المسلمین وتكاتفهم.

وبعقله النیّر وروحه المشرقة كان أباً ومَرجعاً ومرشداً وناصحاً لكلّ الحركات الإسلامیة الواعیة فی العالم العربی والإسلامی التی استهْدت فی حركتها خطَّه وفكرَه ومنهجَ عمله...

وانطلاقاً من أصالته الإسلامیة شكَّل مدرسةً فی الحوار مع الآخر على قاعدة أنّ الحقیقةَ بنتُ الحوار فانْفتَحَ على الإنسان كلّه، وجسّد الحوارَ بحركتِه وسیرته وفكره بعیداً عن الشعارات الخالیة من أیّ مضمونٍ واقعیّ.

ولأنّه عاشَ الإسلامَ وعیاً فی خطّ المسؤولیة وحركةً فی خطّ العدل، كان العقلَ الذی أطلق المقاومةَ، فاستمدّت من فكرهِ روحَ المواجهة والتصدّی والممانعة وسارت فی خطّ الإنجازات والانتصارات الكبرى فی لبنان وفلسطین وكلِّ بلدٍ فیه للجهاد موقع..

على الدوام، كانت قضایا العرب والمسلمین الكبرى من أولویات اهتماماته.. وشكّلتْ فلسطینُ الهمَّ الأكبرَ لحركتِهِ منذ رَیعان شبابِه وحتى الرمقِ الأخیرِ قائلاً: "لن أرتاح إلاّ عندما یَسقط الكِیانُ الصهیونی".

لقد شكّل السیّد علامةً فارقةً فی حركة المرجعیّة الدینیة التی التصقتْ بجمهور الأمة فی آلامها وآمالها.. ورسمتْ لهذا الجمهور خطَّ الوعی فی مواجهة التخلّف، وحملت معه مسؤولیة بناء المستقبل... وتصدّت للغلو والخرافةِ والتكفیر مستهدیةً سیرةَ رسولِ الله (ص) وأهل بیتِه الأطهار(ع).

لقد وقف السیّد بكلِّ ورعٍ وتقوى فی مواجهةِ الفتن بین المسلمین رافضاً أن یتآكل وجودُهم بِفِعل العصبیاتِ المذْهبیة الضیّقة، طالباً من علماء الأمّة الواعین من أفرادها أن یتّقوا الله فی دماء الناس، معتبراً أنّ كلَّ مَنْ یُثیرُ فتنةً بین المسلمین لیمزِّق وحدتَهم ویفرِّق كلمتَهم هو خائنٌ لله ولرسوله وإنْ صامَ وصلّى..

حرص على الدوام أن تكون العلاقات بین المسلمین والمسیحیین فی لبنان والعالم قائمةً على الكلمةِ السواء والتفاهم حول القضایا المشتركة، وتطویرِ العلاقاتِ بینهم انطلاقاً من المفاهیم الأخلاقیة والإنسانیة التی تساهم فی رَفْع مستوى الإنسان على الصُّعُد كافّة، وارتكازاً إلى قیمة العدل فی مواجهة الظلم كلّه.

وأمّا منهجیتُه الحركیّةُ والرسالیّةُ وحركتُه الفقهیّة والعقائدیّة، فإنّه انطلق فیها من القرآن الكریم كأساس... وقد فَهِمَ القرآنَ الكریم على أنّه كتابُ الحیاة الذی لا یَفهمُه إلاّ الحركیون..

امتاز بتواضعه وإنسانیّته وخُلُقه الرسالیّ الرفیع وقد اتّسع قلبُه للمحبّین وغیر المحبّین مخاطباً الجمیع: "أحبّوا بعضَكُم بعضاً، إنّ المحبّة هی التی تُبدع وتُؤصّل وتنتج...تَعَالوْا إلى المحبّة بعیداً عن الشخصانیة والمناطقیة والحزبیة والطائفیة... تعالوا كی نلتقی على الله بدلاً من أن نختلف باسم الله"... وهو بهذا أفرغ قلبَه من كلّ حقد وغِلٍّ على أیّ من الناس، مردّداً "أنّ الحیاةَ لا تتحمّلُ الحقدَ فالحقدُ موتٌ والمحبّةُ حیاة"...

ولقناعته بالعمل المؤسّسی آمن بأنّ وجود المؤسّسات هو المدماك الحضاریّ الأساسیّ لنهضة كلِّ أمّة ومجتمع.. أقام صروحاً ومنارات للعلم والرّعایة، فكانت مَلاذاً للیتیم وللمحتاج ووجد فیها المعوّقُ داراً للطموحات والآمال الكبار، ووجد المتعلّم فیها طریقاً نحو الآفاق المفتوحة على المدى الأوسع، وهكذا المریض والمسنّ وَجَدا فیها أیضاً واحةً للأمان والصحة..

لقد كانت دارُكَ أیّها السیّدُ السیّدُ وستبقى مقصداً لكلِّ روّاد الفكر وطالبی الحاجات، فلطالما لهج لسانُك بحبّ الناس.

كان الفقراء والمستضعفون الأقربَ إلى قلبك، ولقد وجدتَ فی الشباب أَمَلاً واعداً إذا ما تحصّنوا بسلاحِ الثقافة والفكر..

لقد سَكَنَ هذا القلبُ الذی ملأ الدنیا إسلاماً حركیاً ووعیاً رسالیاً وإنسانیة فاضت حبّاً وخیراً حتى النَّفَس الأخیر...

یا سیّدَنا، لقد ارتاحَ هذا الجسدُ وهو یتطلَّعُ إلى تحقیقِ الكثیرِ من الآمال والطموحاتِ على مستوى بناءِ حاضرِ الأمةِ ومستقبلِها..

رحلتَ عنّا، وقد تكسّرت عند قدمیْك كلُّ المؤامرات والتهدیدات وحملاتِ التشویهِ ومحاولاتِ الاغتیال المادّی والمعنوی، وبقیت صافیَ العقل والقلب والروح صفاء عین الشمس...

یا أبا علی، رحلت وسیبقى اسمُك محفوراً فی وجدان الأمة، وستبقى حاضراً فی فكرك ونهجِك فی حیاة أجیالنا حاضراً ومستقبلاً..

رحل السیّدُ الجسد، وسیبقى السیّدُ الروحَ والفِكْرَ والخطّ... وستُكمل الأمّة التی أحبّها وأتعبَ نفسه لأجلها، مسیرة الوعی التی خطّها مشروعاً بِعَرَقِ سنیّ حیاته...

إنّنا إذ نعزّی الأمّة كلَّها برحیل هذا العلم المرجعیّ الكبیر، وهذه القامةِ العلمیة والفكریة والرسالیة الرّائدة، نعاهدُ اللهَ، ونعاهدُك یا سماحة السیّد، أن نستكمل مَسیرةَ الوَعْی والتجدید التی أَرْسَیْتَ أصولَها وقواعدَها، وأن نحفظ وصیّتك الغالیة فی العمل على حِیاطةِ الإسلام، ووحدةِ الأمةِ، وإنسانیّةِ الرّسالة.

{یَا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِی إِلَى رَبِّكِ رَاضِیَةً مَّرْضِیَّةً * فَادْخُلِی فِی عِبَادِی * وَادْخُلِی جَنَّتِی}]الفجر: 27-30]

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.