16 November 2010 - 16:23
رمز الخبر: 2852
پ
رسا/تحلیل سیاسی- منذ انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران؛ أولت الثورة اهتماما خاصا لموسم الحج، فمن حیث هی ثورة قامت بالإسلام وسارت على هدیه وجدت نفسها معنیة وملزمة بتصحیح الموقف والعلاقة بالدین فی سیاق استنهاض شامل للأمة، وکان الحج کموسم سنوی فرصة لإعادة تأهیل الأمة سیاسیا، وکان نداء الحجاج کتقلید أسسه الإمام الخمینی(قده) ، والتزمه من بعده الإمام الخامنئی. بقلم عبدالرحیم التهامی.
مطالعة فی نداء الإمام الخامنئی لحجاج بیت الله الحرام


حرصت الثورة منذ بدایتها أن تعرّف العالم بمشروعها، واهتمت أکثر بالعالم الإسلامی، وراهنت فیما راهنت علیه على یقظة الأمة ووعیها بإسلامها، ودعت العلماء لأن یقوموا بدورهم الطلیعی فی تنویر الأمة وقیادة نضالها من أجل التحرر من الاستبداد وأشکال التبعیة لقوى الاستکبار. وکان موسم الحج؛ والذی عملت السلطة السیاسیة منذ عهود الإسلام الأولى على تجریده من مقاصده الکبرى ومن بعده السیاسی لما أن اقتضت مصلحتها ذلک مجترحة تساکنا وتکییفا متعسّفا بین الدین والاستبداد؛ یمثل مجالا حیویا سعت الثورة لأن تعید له مقاصده وتربطه ببعده السیاسی من خلال مسیرات البراءة، المسیرات التی واجهتها سلطة الوصایة على الحج بالحدید والنار فی منتصف الثمانینات من القرن الماضی.
ومع ذلک استمر تقلید "توجیه النداء لحجاج بیت الله الحرام" فی کل موسم حج، وابتدعِت أشکال لتصریف موقف البراءة من المشرکین ومن رموز الاستکبار والعلوّ فی الأرض وإن بشکل أقل إثارة لسلطة الوصایة، حیث تعلن البراءة فی الیوم الوقوف بعرفة، وهو الیوم الذی یتلى فیه النداء على الحجاج بشکل رسمی قبل أن یجد طریقه إلى وسائل الإعلام المختلفة.
والمُراجع لهذه النداءات یجد أن هناک ثلاثة عناصر ثابتة یتم التأکید علیها فی کل نداء، وهی: الوحدة الإسلامیة، فلسطین، ومقارعة الاستکبار العالمی، وهی الثوابت التی لا تجری مجرى لغة الشعارات والحماسة الثوریة بل تعرض فی سیاق تحلیل ورؤیة استراتجیة مبنیة على الحقائق والمعطیات وربطا بعناصر القوة الکامنة فی الأمة.
وبمطالعة النداء الموجه للحجاج برسم العام1431هـ نلحظ وفضلا على حضور هذا العنصر الثابت فی النداء؛ مدخلا منهجیا غایة فی الأهمیة، مدخل یؤسس لوعی ذاتی متجدد، وعی یعتبر شرطا حیویا لکل فاعلیة ممکنة فی التاریخ، یقول النداء:"إن معرفتنا بذاتنا من جدید، تساعدنا نحن المسلمین على أن نعرف المکانة اللائقة بنا فی عالم الیوم والغد، وأن نسیر باتجاهها". وهی معرفة لیست متقوّمة بحجم إمکاناتنا وثرواتنا وموقعنا الاستراتجی على الخرائط فحسب، بل وأیضا بالأدوار الرسالیة والحضاریة وبمسؤولیاتنا تجاه الشعوب الأخرى. وهکذا جاء فی إحدى فقرات النداء "کما أن الواجب الکبیر الملقى على عاتق هذه الأمة هو الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والإیمان الراسخ بالله تعالى. ولا معروف أسمى من إنقاذ الشعوب من براثن هیمنة الاستکبار الشیطانیة، کما أنه لا منکر أبشع من التبعیة للمستکبرین وخدمتهم".
وهذا الکلام یضعه النداء فی سیاق سیرورة جدیدة انفتحت على الأمة منذ أن انتصرت الثورة الإسلامیة وغیّرت المعادلة الدولیة التی کانت قائمة والتی تعطی الحق للدول الاستکباریة بأن تقرر مصائر الشعوب وتتصرف فی مقدراتها بحسب ما تقتضیه مصالحها الحیویة، یقول النداء:" فمنذ أن بدأت هذه الانطلاقة القویة قبل ثلاثة عقود، بانتصار الثورة الإسلامیة وقیام النظام الجمهوری الإسلامی، راحت أمتنا العظیمة تتقدم بلا توقف، وأزالت عقبات من طریقها واستولت على خنادق". وفی هذه الفقرة تجییر واضح لمکتسب الثورة وانجازاتها لکلّ الأمة، وعدّه باعتباره رصیدا فی الحساب الاستراتجی لأمة الإسلام ، وهذا خلاف المزاعم الباطلة التی تتحدث عن دور إقلیمی لإیران مدفوع بإطماع امبراطوریة توسعیة.
إذا هو شوط تاریخی جدید یتطلب وعیا به فی أفق تعزیزه واستکمال کل حلقاته، کما یتطلب الحذر الشدید، فالعدو لازال یمتلک أوراقا فی المعرکة، کإشاعة الخوف من الإسلام بعد تشویهه، وکورقة الفتنة المذهبیة التی تجد فی القوى الظلامیة والتکفیریة الاستعداد والقابلیة للتجند والانخراط فی هذه الفتنة ولو تحولت إلى حروب المائة عام، یوضح النداء ذلک:" إن ما یقوم به العدو من عمل إعلامی واسع النطاق لإشاعة الخوف من الإسلام، والجهود المتهورة التی یقوم بها لزرع الخلاف بین مختلف الطوائف الإسلامیة وإثارة العصبیات الطائفیة، وما یدأب علیه من اختلاق عدو وهمی للسنّة من الشیعة وللشیعة من السنّة، وبث الفرقة والشقاق بین الدول الإسلامیة، والسعی لتصعید الخلافات وتحویلها إلى عداوات ونـزاعات غیر قابلة للحل،.. فإن کل ذلک لا یخرج عن کونه ردود فعل مرتبکة وعشوائیة أمام حرکة الأمة الإسلامیة المتینة وخُطاها السدیدة فی طریق الصحوة والعزة والحریة".
فهل تدرک الأمة ثمن العزّة والحریة؟ وهل تدرک حجم التضلیل الذی تتعرض له؟ وهل یکفی أن نقول أنّ انتصارا للمقاومة الإسلامیة فی حرب تموز2006 وهزیمة (إسرائیل) المنکرة تحوّل إلى مجرد خراب ودمار للبنان ولبنیته التحتیة! بل وصار مطلوبا أن یدفع "حزب الله" ثمن انتصاره إعداما معنویا بموجب قرار ظنی تتهیأ محکمة دولیة مسیسة لإصداره تتهمه باغتیال الرئیس رفیق الحریری! وهل تدرک الأمة أن ثمة عملیة تحویر تتم بخبث، یتم بموجبها استثارة العصبیات المذهبیة لتحویل اهتمامها عن فلسطین وقضایا النهضة، فقد کان یکفی أن یجدّف شخص نکرة بکلام منکر بحق أم المؤمنین عائشة حتى کادت المنطقة أن تشتعل، ووقفنا على حالة الهیاج التی انتابت التکفیریین، مع أن هذا الکلام یتحمل وزره صاحبه، فضلا على أنه أدین وتبرأ منه علماء الشیعة، وأفتى الإمام الخامنئی بحرمة التعرض لرموز أهل السنة.
إنهم لا یریدون للأمة أن تنفتح بوعی على حقائق الصراع المستجدة، والتی تحققت بفعل التضحیات الهائلة، کی تبنی علیها وتراکم على أساسها، یقول النداء:" الیوم، لم یعد العدو الصهیونی عملاقا لا یُقهر، خلافا لما کان علیه الحال قبل ثلاثین عاما؛ ولم یعد الأمریکیون والغربیون هم أصحاب القرار فی الشرق الأوسط دون منازع، خلافا لما کان علیه الحال قبل عقدین من الزمن؛ ولم تعد التقنیة النوویة وغیرها من التقنیات المعقدة بعیدة عن متناول الشعوب المسلمة فی المنطقة، ولم تعد بالنسبة لها أحلاما بعیدة المنال، خلافا لما کان علیه الحال قبل عقد من الزمن". إنها المکتسبات التی أغاضت الظلامیین فأرادوا التسلل إلى وعی الأمة؛ الأمة التی لم تنل منها ثقافتهم التکفیریة البئیسة یوم وقفت خلف "حزب الله" فی معرکة تموز الخالدة؛ فأطلوا علیها عبر فضائیاتهم لیشوهوا وعیها ویسمموا إسلامها بجرعات من الضلالات صاغها أئمة الضلالة منذ قرون فی إطار أرذل مدرسةٍ تعصبًّا وسطحیةً عرفتها خارطة المذاهب فی تاریخ الإسلام.
لکن الحقیقة التی لا یجب أن یذهل عنها العاقلون هی أن الزمن غیر الزمن، هی مرحلة تاریخیة واعدة من منطلق حقائق صلبة على الأرض ومعادلات صراع حقیقیة وفی مؤشرات میزان القوى، یصوغها النداء بقوله:" إن الجبهة المعادیة للإسلام التی ظلت لمدة قرنین من الزمن تتحکم فی مصیر الشعوب الإسلامیة ودولها بظلم وتعسف، وتنهب ثرواتها نهبا، تشهد الیوم زوال نفوذها وتصدی الشعوب المسلمة لها بشجاعة وبسالة". فهل نطمع أن تتعامل الحرکات الإسلامیة فی العالم الإسلامی مع استحقاقات اللحظة التاریخیة؟ فیما تملیه من مسؤولیات أقلها الحفاظ على التناقض التاریخی بین الإسلام وقوى الاستکبار، وهو التناقض الذی تعمل على تفکیکه القوى الظلامیة والتکفیریّة لتصوغ لنا تناقضا من داخل الأمة بین السنّة والشیعة!
یقول البیان:" إن هذه الأوضاع التی تبعث على الأمل وتحمل معها البشارة، لابد لها - من جهة - أن تدفع بنا؛ نحن الشعوب المسلمة؛ إلى مستقبل منشود بثقة أکبر من أی وقت مضى، کما ینبغی – لها من جهة أخرى – أن تُبقینا؛ بدروسها وعبرها؛ أکثر وعیا ویقظة من أی وقت مضى. ولا شک أن هذا الخطاب العام یجعل علماء الدین والقادة السیاسیین والمثقفین والشباب، ملتزمین أکثر من غیرهم، ویطالب هؤلاء بالمجاهدة والریادة".
وهذا هو منطق الصراع، فکلما تحرز تقدما فإن ذلک یتطلب منک جهدا مضاعفا؛ جهد یتطلبه نفس الصراع، وجهد تملیه ضرورات تأمین وحمایة ما یتحقق من مکتسبات، ففی العادة یکون العدو معنیا أکثر لتجریدک من کلّ إحساس بالنصر والتقدم، ولذلک لا یمکن فهم الجبهات التی تفتتحها من حین لآخر القوى الظلامیة والتکفیریون الجدد، إلا باعتبارها واجهات للاشتباک الزائف والمضلل عن العناوین الرئیسیة فی الصراع وعلى رأسها العنوان الفلسطینی، یقول النداء:" إن مساعدة الشعب الفلسطینی والمحاصَرین فی غزة، والتعاطف والتعاضد مع شعوب أفغانستان وباکستان والعراق وکشمیر، والمجاهدة والمقاومة أمام العدوان الأمریکی والصهیونی، والسهر على وحدة المسلمین، ومکافحة الأیدی الوسخة والألسن العمیلة التی تحاول المساس بهذه الوحدة، ونشر الصحوة والشعور بالمسؤولیة والالتزام بین الشباب المسلمین فی جمیع الأقطار الإسلامیة.. کل ذلک یعد مسؤولیات جسیمة تلقى على عواتق الخواص من أبناء الأمة".
إنه برنامج عمل متکامل وخارطة طریق نحو العزة والکرامة والاستقلال الکامل للأمة، بل هو برنامج لتأهیل الأمة على دورها الریادی فی التاریخ، جاء فی النداء: " یخاطبنا القرآن الکریم بنبرة بلیغة وحیّة فیقول: "کنتم خیر أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنکر وتؤمنون بالله". فإن الأمة الإسلامیة؛ حسب خطاب العزة القرآنی هذا؛ قد أخرجت للبشریة، وإن الهدف من وجود هذه الأمة هو إنقاذ البشریة وتحقیق الخیر لها".
تم النداء، وقامت الحجة.. ﴿..فأما الزبد فیذهب جفاء وأما ما ینفع الناس فیمکث فی الأرض کذلک یضرب الله الأمثال﴾.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.