30 July 2009 - 15:28
رمز الخبر: 122
پ
بقلم: محمد هاشم نعمت الهی
شهر شعبان فی فکر الإمام الخمینی (رض)

 

قال رسول الله (ص): «ألا إنّ رجباً شهر الله الأصم وهو شهر عظیم، وإنّما سمی الأصم؛ لأنّه لا یقاربه شیء من الشهور حرمة وفضلاً عند الله، وکان أهل الجاهلیة یعظمونه فی جاهلیتهم، فلمّا جاء الإسلام لم یزدد إلا تعظیماً وفضلاً، ألا إنّ رجب شهر الله، وشعبان شهری، ورمضان شهر أمتی».(1)

إنّ شهر شعبان من الشهور الشریفة، وهو منسوب إلى سید الأنبیاء والمرسلین؛ المصطفى محمد (ص)، وفیه مناسبات عدیدة ، منها ولادة الإمام الحسین (ع)، وولادة أبی الفضل العباس (ع)، وولادة زین العابدین؛ الإمام السجاد (ع)، وولادة علی الأکبر (ع)، وولادة صاحب الزمان؛ الإمام المهدی (عج).

وفی الحقیقة، إنّ شهر شعبان هو الشهر القمری الوحید، الذی لم یوافق فیه شهادة أی إمام من الأئمة الأطهار علیهم السلام.

أهمیة شهر شعبان

یقول الإمام الخمینی (قدس)، حول عظمة شهر شعبان:

«إنّ شهر شعبان هو مقدمة لشهر رمضان المبارک، حیث یستعد الناس فیه لاستقبال شهر رمضان المبارک، والدخول فی ضیافة الله.

فأنتم عندما تریدون أن تذهبوا لضیافة شخص ما، غالباً ما تقومون بإعداد أنفسکم؛ لتکونوا على أفضل هیئة.

فتغیرون زیکم وتدخلون إلى مکان الضیافة وأنتم بهیئة أخرى، غیر الهیئة التی کنتم علیها فی منازلکم.

إنّ شهر شعبان أعد من أجل ترتیب الهیئة التی تتناسب مع الضیافة التی تقصدونها، وتعدون أنفسکم لها بالشکل الذی ینبئ عن وجود مقدار من الفرق فی أوضاعکم وظواهرکم عما کنتم علیه فی منازلکم.

وإنّ شهر شعبان أعد من أجل أن یستعد المسلمون لضیافة الله، وآداب ذلک تظهر من خلال المناجات الشعبانیة(2)».(3)

برکات شهر شعبان

یتحدث الإمام روح الله الخمینی (قدس) فی موضوع یتعلق ببرکات شهر شعبان فیقول:

«توجد فی هذه الأشهر الثلاثة؛ رجب وشعبان ورمضان المبارک، العدید من البرکات التی أعدها الله للإنسان، وهو یتمکن من الاستفادة منها على أحسن وجه.

بالطبع، إنّ مبدأ کل تلک البرکات المبعث النبوی الشریف، وما بقی یکون تابع له، ففی شهر رجب المرجب، تمر ذکرى المبعث العظیم، وولادة مولانا علی بن أبی طالب ـ سلام الله علیه ـ وبعض الأئمة علیهم السلام، وفی شهر شعبان تمر ذکرى ولادة الإمام سید الشهداء ـ سلام الله علیه ـ وولادة الإمام صاحب الأمر ـ أرواحنا له الفداء ـ وفی شهر رمضان المبارک، نزول القرآن على قلب الرسول المبارک.

ومن المعلوم أن الألسن والعقول والأفکار لا تتمکن من سبر أغوار شرف ومکانة هذه الشهور الثلاثة.

إننا الیوم نعیش فی شهر شعبان الشریف، وفیه المناجات الشعبانیة التی تعتبر من أکبر المناجات وأعظم المعارف الإلهیة، وهی من أعظم الأدعیة التی یمکن للعارفین بها الاستفادة منها بمقدار ما یمتلکونه من معرفة».(4)

قداسة شهر رمضان وشعبان

لقد تعرض الإمام الخمینی (رض) من خلال حدیثه مع مجموعة من مسؤولی النظام إلى قداسة شهر شعبان ورمضان المبارکین ببیان قلبی رائع ولطیف فقال:

إنّ شهر رمضان المبارک یشتمل على لیلة القدر، ویشتمل شهر شعبان الشریف على لیلة النصف من شعبان التی تتلوها لیلة القدر؛ فإنّ شهر رمضان مبارکاً للیلة القدر، وشهر شعبان مبارکاً؛ لأنّ فیه لیلة النصف من شعبان.

کما أنّ شهر رمضان مبارک؛ لنزول الوحی فیه، أو بتعبیر آخر أنّ معنویة رسول الله (ص) کانت سبباً فی نزول الوحی، وإنّ شهر شعبان شهر عظیم؛ لکونه استمرار للمعنویات الموجودة فی شهر رمضان، وتتجلى فی شهر رمضان المبارک لیلة القدر، التی جمعت فیها جمیع الحقائق والمعانی، وإنّ شهر شعبان هو شهر الأئمة، وهو مواصلة لهذه الحقائق والمعانی.

ولقد أدى مقام الرسول الأکرم ـ صلى الله علیه وآله وسلم ـ بولایته العامة الإلهیة بالأصالة، إلى بسط جمیع البرکات فی الکون، کما أنّ شهر شعبان ـ الذی یعتبر شهر الأئمة علیهم السلام ـ أدى إلى استمرار هذه المعانی ببرکة الولایة المطلقة التابعة لرسول الله (ص).

کما أنّ أجواء شهر رمضان المبارک خرقت جمیع الحجب، فنزل فیه جبرائیل الأمین على رسول الله (ص)، وبتعبیر آخر، إنّ مقام الرسول (ص) جعل جبرائیل الأمین ینزل على دار الدنیا، وإنّ شهر شعبان هو شهر الولایة، وهو استمرار لجمیع هذه المعانی.

إنّ شهر رمضان شهر مبارک فیه نزل القرآن الکریم، وشهر شعبان مبارک فیه انتشرت أدعیة الأئمة علیهم السلام.

إنّ شهر رمضان المبارک هو الشهر الذی نزل فیه القرآن، القرآن المشتمل على جمیع المعارف، وجمیع ما یحتاجه البشر، وشهر شعبان هو شهر الأئمة، وهو استمرار لهذه الحقیقة وهذه المعانی فی جمیع الأزمنة..

إنّ ما موجود فی القرآن من أسرار، موجود فی أدعیة الأئمة أیضاً، فنحن نقرأ فی الأدعیة الشعبانیة، معانی عرض حاجاتنا على الله تعالى:

وَاجْعَلْنی مِمَّنْ نادَیْتَهُ فَاجابَک وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِک فَناجَیْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَک جَهْراً.(5)

فإنّ هذا الدعاء یتعرض إلى معنى (الصعق)، کما عرضه القرآن الکریم فی قصة النبی موسى (ع)، حیث قال تعالى: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ)(6) حیث صعق موسى، فإنّ هذا الشهر هو شهر الصعق، وهو شهر یتطلب منا هذا الصعق، وهو شهر التجلی الإلهی للرسول الأعظم (ص)، وهو شهر التجلی الإلهی للأئمة علیهم السلام تبعاً لرسول الله (ص).

إن الإمام المهدی ـ سلام الله علیه ـ له أبعاد مختلفة، وإنّ ما یقع للبشر أحیاناً من بعض أبعاده، وکما أنّ هناک بعض الأبعاد الخاصة بالقرآن والرسول الأعظم (ص) التی تکون معلومة لدى البشر، توجد هناک معنویات فی القرآن الکریم لم یکتشفها إلا الرسول الأعظم (ص) وأهل بیته وممن أخذ منه.

وتوجد فی أدعیتنا مسائل من هذا القبیل أیضاً؛ لأنّه کما أنّ رسول الله (ص) حاکم على جمیع الموجودات بحسب الواقع، فإنّ الإمام المهدی أیضاً حاکم على جمیع الموجودات.

فإنّ الرسول الأعظم (ص) هو خاتم الرسل، والإمام المهدی (عج) هو خاتم الولایة، والرسول (ص) خاتم الولایة العامة بالأصالة، والمهدی (عج) خاتم الولایة العامة بالتبع.

وبالتالی، فإنّ هذان الشهران، من الشهور التی یجب علینا احترامها.(7)

نرجوا من الله تعالى أن یجعلنا فی ساحة شهر شعبان؛ شهر الرسول (ص)، عوناً للرسول (ص) من خلال إتباعه فی هذا السفر، ویمکننا ـ من خلال المعرفة والتحرر من الأهواء ـ إزالة ما أصاب قلوبنا من غبار الدنیا وغرورها، وإعداد أنفسنا للدخول فی ضیافة الله الکبرى، واستثمار برکات هذا الشهر العظیم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ـ وسائل الشیعة: ج10، ص475.

(2) ـ لقد نقل هذا الدعاء العالم الجلیل القدر على بن طاووس فی أعمال شهر شعبان عن الحسین بن محمد «ابن خالویه»، وقال إنّ أمیر المؤمنین وأبنائه علیهم السلام، کانوا یقرؤون هذا الدعاء دائماً فی شهر شعبان. (إقبال الأعمال، ص685)، (مفاتیح الجنان، أعمال شهر شعبان).

(3) ـ صحیفة الإمام: ج‏13، ص31.

(4) ـ صحیفة الإمام: ج‏17، ص456.

(5) ـ مفاتیح الجنان، الأعمال المشترکة لشهر شعبان، المناجات الشعبانیة.

(6) ـ سوره الأعراف(7)، الآیة 143.

(7) ـ صحیفة الإمام: ج‏20، ص248، 249، 250.

 

 

 

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.