14 January 2010 - 23:48
رمز الخبر: 1497
پ
التحلیل السیاسی:
رسا/تحلیل سیاسی - لا یمکن النظر إلى الإساءة التی اقترفها أحد شیوخ الوهّابیّة بحق المرجعیة الشیعیة فی شخص سماحة السید علی السیستانی؛ إلاّ باعتبارها حلقة ضمن مشروع هجمةٍ مذهبیةٍ ممنهجة وموصولة برهانات استکباریة وإقلیمیة تهدف إلى تغییر الجغرافیا السیاسیة للمنطقة./ بقام عبدالرحیم التهامی,
التسخین المذهبی للمنطقة کتحضیر لحرب قادمة.

لم تكن الإساءة التی اقترفها احد شیوخ الوهابیة بحق سماحة آیة الله السید علی السیستانی حفظه الله، حالة مزاجیة خرجت عن طورها فی لحظة من لحظات الاحتقان التی تمیز نفسیة هؤلاء إزاء المخالف لهم فی الرأی الفقهی أو فی المعتقد، بل إنّ الأمر یندرج فی إطار مشروع أكبر واخطر، ویرتبط بمخطط مدروس تسهر علیه غرف سوداء فی أكثر من عاصمة إقلیمیة ودولیة.
والمتابع لمنسوب الاحتقانات المذهبیة فی واقع الأمة، یستطیع أن یخرج باستنتاجات مقلقة عن المستوى الذی وصلت إلیه حالة التعبئة والتحریض المذهبیین، نعم لا یختلف اثنان فی كون التجربة التاریخیة للإسلام كانت موسومة فی أكثر المفاصل بغیر قلیل من مظاهر التشنج المذهبی والاضطهاد الطائفی، وصولا إلى الاستباحات المفتوحة على التقتیل بل والإبادات الجماعیة، ولا أحد فی المقابل یزعم أن كل التجربة التاریخیة كانت محكومة حصرا إلى هذا العنف فی تدبیر الخلافات؛ بل كانت وبموازة ذلك وفی ظروف سیاسیة وثقافیة تجنح إلى التعایش والتساكن بل وإلى التفاعل على الصعد المعرفیة كما یشهد على ذلك تاریخ المعرفة الدینیة فی تشكل حقولها، أو فی ما یعود إلى تطوّرها؛ من كون هذا التطور یمكن النظر إلیه كمحصلة للتفاعل فی المسارات المعرفیة كما فی علم الكلام وفی الفقه والأصول.
ففضلا على وجود الدوافع الصِدامیة فی بنیة التیار الوهابی، ونزوعه التكوینی لرفض الآخر المختلف، ومحاكمته وفق معاییر معتقدهم الخاص، وإذا تجاوزنا الملابسات التاریخیة لنشأة هذا التیار، وأثر بعض العوامل الخارجیة فی استحیائه على أرذل موروث وأشنعه فی التكفیر والشذوذ العقدی.. كما فی مصنفات ابن تیمیة، ممّا كان له بالغ الدور والأثر فی توتیر الأجواء الدینیة فی العالم الإسلامی، فإن هذه النزوعات التكفیریة والتوتیریة یتم توظیفها الآن وعلى وفق طاقتها القصوى ومخزونها الهائل فی الكراهیة؛ فی سیاق مشروع ثلاثی الأضلاع: أمریكی- صهیونی-عربی؛ والقصد من عربی هنا دول ما یسمى تجاوزا بالاعتدال العربی، ولعل تسمیتها بدول الردة السیاسیة ألیق وأنسب؛ یهدف إلى تحویر الصراع عن جبهته الحقیقیة، وضد العدو الحقیقی للأمة؛ إلى صراع ضد إیران واستطرادا ضد الشیعة والتشیع.

فمنذ أن هُـزم هذا المحور فی لبنان وتصدع مشروعه الإقلیمی، وهو یبلور الخطط والاستراتجیات بما فیها الخطط المذهبیة للرد على إیران و"حزب الله"، والإنصاف هنا یحملنا على القول أن الطرف العربی لم یكن فی هذا المحور أكثر من عنصر سخرة فی المشروع الذی عنونته وزیرة خارجیة أمریكا السابقة كندلیزا رایس بـ"الشرق الأوسط الجدید"، والذی ارتأت التقدیرات الإستراتجیة أن یعبر إلى كل المنطقة من البوابة اللبنانیة. لكن المقاومة الإسلامیة أحدثت المفاجأة وأجهضت المخطط الذی هندسه المحافظون الجدد، وتحولت الخسارة إلى خسارة إسرائیلیة أمریكیة وعربیة. وتحوّل انتصار تموز إلى نصر لمحور الممانعة والعزة فی الأمة وفی الطلیعة منه الجمهوریة الإسلامیة فی إیران.
لكن الهزیمة العسكریة لـ(إسرائیل) لحقتها على صعید آخر؛ الخیبة التی طالت الرهانات المذهبیة للفریق العربی، وهی كانت من أهم الدوافع التی أخذت الفریق العربی إلى موقع السخرة فی هذا المحور الأمریكی الإسرائیلی، هذا دونما الحدیث عن الخسارة السیاسیة التی مُنیت بها كل مكونات هذا الحلف الثلاثی اللعین مجتمعة.
فالدول الإقلیمیة فی محور العدوان على لبنان عام2006، والتی كان رهانها بالحساب المذهبی هو؛ ضرب الشیعة فی لبنان وإیقاف صعودهم وتعطیل دورهم المتنامی لیس على صعید لبنان فحسب، بل وعلى صعید تأثیرات هذا الدور فی المنطقة وخاصة لجهة دعم المقاومة الفلسطینیة، وإعاقة مشروع التسویة ذو الجوهر التدمیری للقضیة الفلسطینیة، أفاقت على رصید شعبی وجماهیری منقطع النظیر كسبه "حزب الله"، سواء فی أثناء الحرب أو بعد خروجه منها مضفرا، حیث التفّت الجماهیر من المحیط إلى الخلیج حول "حزب الله"، وتوّج أمینه العام سماحة السید حسن نصر الله زعیما عربیا وقائدا إسلامیا فی ما یشبه الاستفتاء الشعبی العام على زعامته.
وكان تخطّی الجماهیر فی كل مكان للاعتبارات المذهبیة ومبادرتها لنصرة "حزب الله" والنزول إلى الشوارع لدعمه ومساندته، دون أن یلتفت الناس إلى الحیثیة المذهبیة فی الحزب؛ مؤشرا خطیرا بالنسبة للطرف العربی الرجعی على وجه الخصوص، حیث بدا له أن مفاعیل التحریض المذهبی ضد الشیعة، والذی استثمرت فیه ملاییر الدولارات تهاوت كبنایات من الرمل، وبدا أیضا؛ وهذا هو الأخطر بالنسبة لهذا الفریق العربی؛ أن انتصار "حزب الله" افتتح سیاقا وحدویا جدیدا فی الأمة ینهض ویتمحور حول المقاومة كعنوان وكخیار استراتیجی.
ومنذ ذلك الانتصار الإلهی العظیم و"حزب الله"؛ قیادة وهویة ومشروعا وسلاحا فی دائرة الاستهداف؛ حیث یتعرض لحملة إعلامیة واسعة النطاق تُخاض بتأطیر وبتوجیه من خبراء أجانب متخصصین فی فن البروباغندا، بل و تم التخطیط لاستدراج الحزب إلى مواجهات داخلیة یعطى لها عنوان الصراع السنی/شیعی كما حصل فی 5 أیار 2008، لتدنیس السلاح المقاوم وتهییج الشعوب على الحزب الذی أهدى الأمة أعظم انتصار.
ولأن إیران؛ الداعم الأكبر لخیار المقاومة؛ والتی تعزز دورها الإقلیمی ومكانتها السیاسیة فی المنطقة بعد إحباط مشروع الشرق الأوسط الجدید، ولأنّها كانت أحد عوامل النصر التاریخی، وأیضا طرفا إقلیمیا مستفیدا - بالمعنى الاستراتیجی للكلمة- من هزیمة محور العدوان، فضلا على نجاح إیران فی خیارها النووی السلمی بتخطیها للضغوطات الهائلة التی مورست علیها، كل ذلك اقتضى من محور العدوان أن یتقاسم الأدوار فی هجومه على إیران، والذی یتجلى الآن فی تحریض مذهبی یقترب فی أسالیبه وشعاراته من مرحلة الحرب المذهبیة الشاملة، كما یتجلى فی محاولة الغرب إضعاف إیران داخلیا بالدخول على خط مشاكلها الداخلیة وبفرض إملاءات علیها؛ تحت طائلة تشدید العقوبات أو التلویح بالضربة العسكریة وابتزازها فی حقوقها النوویة الثابتة لها بموجب القانون الدولی.
وما یلاحظه المتتبع أن ثمة تناغما فی الأدوار وتناسبا فی إیقاع الشدة، فازدیاد الضغط السیاسی فی الموضوع النووی یقابله ویوازیه تصعیدا مذهبیا، والمشهد الذی نعاینه الآن هو أن الهجمة على الجمهوریة الإسلامیة تنحو فی اتجاه معركة كل الخیارات، هی حرب سیاسیة وثقافیة ومذهبیة، ویرید لها البعض أن تنتهی حربا عسكریة.
وفی القراءة السیاسیة فكل هذه الإقترافات والتعدیات المذهبیة وبمعزل عن تفاصیلها؛ وهی بالمناسبة ستأخذ أبعادا أخطر؛ لا تستهدف فی العمق إلا إیران و دورها ومكانتها فی الأمة، ولا تعدو أن تكون فی إساءاتها المردودة على أصحابها، أو شبهاتها المثارة، أو افتراءاتها السخیفة؛ أو فی إخراجها لكل الأحقاد التاریخیة، أوفی سعیها البئیس لتحویل البوصلة ووجهة الصراع إلى داخل الأمة وبین مذاهبها.. سوى أداة تسخین مذهبی، فیما یشبه الإعداد السیكولوجی لشعوب المنطقة لتتقبل بیانات الحرب القادمة وهی تصدر عن غرفة عملیات مشتركة إسرائیلیة/عربیة.
وللذین تستثیر أعصابهم إساءات بعض النكرات من عملاء أمریكا و(إسرائیل) لرموزنا نقول؛ انتبهوا من الوقوع فی فخ الاستدراج إلى المهاترات المذهبیة، فمشروع الشیعة فی الأمة هو التحریر و الوحدة والتنمیة، وكل عنوان یصرف عن المعركة الحقیقیة التی هی مع أمریكا و(إسرائیل)؛ عنوان مشبوه ودعوة أمریكیة یجب الارتیاب منها ومن أصحابها.

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.