03 February 2010 - 12:10
رمز الخبر: 1611
پ
تحلیل سیاســـــی
رسا/تحلیل سیاسی- لا نشك فی ان اغتیال المبحوح والذی تحول إلى محور مركزی فی العلاقات بین إیران وقطاع غزة، هو ثمرة عمل استخباراتی مشترك تطور فیه اكثر من جهاز عربی تابع للدول الحلیفة لـ(اسرائیل)./ بقلم عبدالرحیم التهامی
اغتیال المبحوح الأبعاد والدلالات

 

مرة أخرى ینجح الموساد الاسرائیلی فی توجیه ضربة مؤلمة لحركات المقاومة، فقد تمكن قبل حوالی أسبوعین من اغتیال القائد المؤسس فی كتائب الشهید عزالدین القسام؛ محمود عبدالرؤوف المبحوح فی دبی، والاغتیال فی الزمان والمكان یحمل أكثر من دلالة یجدر بنا التوقف أمامها، وهو ما سنحاول القیام به فی هذه القراءة.

لیس جدیدا القول أن حربا أمنیة محتمدة تجری بعیدا عن الضوء بین الاستخبارات الصهیونیة والأجهزة الامنیة التابعة للمقاومة، بل لیس من المبالغة القول أن حرب عقول وعلى صعید استراتیجی تخوضها وبفعالیة قوى المقاومة فی المنطقة مع  الأدرع الامنیة والاستخباراتیة للعدو، وهو صاحب الخبرة الطویلة فی هذا المجال، وصاحب الإمكانات التقنیة والفنیة الأكثر تطورا فی العالم.

وقد أقر العدو الصهیونی بعد هزیمته فی حرب تموز2006 بتفوق المقاومة الإسلامیة فی حربها الأمنیة علیه؛ لأنها استطاعت أن تعمی عین العدو استخباراتیا عن امكاناتها العسكریة، وجعلت أهداف العدو فی الحرب من دون أیة قیمة استراتیجیة، بل وبحسبب تقاریر أخیرة نشرتها الصحافة الإسرائیلیة فإن "حزب الله" استطاع أن یخترق مستویات أمنیة وعسكریة غایة فی الدقة والخطورة، وفی المقابل نقر للعدو بضربته الأمنیة المؤلمة جدا التی لحقت بتیار المقاومة فی المنطقة باغتیال قائد الجناح العسكری لـ"حزب الله" الشهید عماد مغنیة.

وبالعودة إلى عملیة الاغتیال التی أقدم علیها الموساد الإسرائیلی، حتى وهو لا یعلن مسؤولیته مباشرة عن هكذا عملیات، فلا نشك أنها جاءت ثمرة لجهد استخباری مكثف ومضن، أما عن قیمة العملیة والأمنیة فإن التصفیة استهدفت ضرب الجهد التسلیحی لحركة "حماس" الفصیل الرئیسی فی تشكیلات المقاومة الفلسطینیة، خاصة وأن الحركة استطاعت أن تعید تسلیح نفسها برغم الحصار المشدد على القطاع، وبحسب تقاریر معتبرة، فإن طرق الإمداد ظلت تعمل، ونجحت بالفعل فی إدخال دعم عسكری إلى القطاع خلال الحرب نفسها، وأنه ومباشرة بعد توقف العدوان على القطاع، انطلقت عملیة معقدة ترعاها إیران لمد القطاع بكل ما أمكن من قدرات عسكریة وقتالیة، فقد كانت «حماس» تعمل على الاستفادة من التجربة وسعت لتعزیز مخازنها الرئیسیة وتنویع المخزون الجدید فی ضوء التقییم العسكری والامنی الذی انجز، وبالمستوى الذی یؤهل المقاومة للجولة القادمة من المواجهة. ومن بین نقاط الضعف التی عملت المقاومة على تداركها؛ واقع الانكشاف أمام المروحیات الإسرائیلیة، والظاهر أن «حماس» تمكنت على ما یبدو، وبحسب إقرار إسرائیلی منزعج من الحصول على صواریخ مضادة للمروحیات، تمكنها من نصب كمائن للمروحیات الحربیة الإسرائیلیة، وأیضاً للطائرات التی تحلّق على ارتفاعات منخفضة. بل وباتت الحركة تتحوز على صواریخ مضادّة للدبابات، من أنواع مختلفة، ومن بینها صواریخ قادرة على ضرب المدرعات الإسرائیلیة، وأیضاً الدبابة الإسرائیلیة الأكثر تطوراً «میركافا 4»، وأوضحت «معاریف»  أن أساس الخشیة الإسرائیلیة یتعلق بعبوات إیرانیة من نوع شاوز، هرّبت إلى القطاع، وهی عبوات شدیدة الانفجار استخدمها حزب الله فی حرب تموز بفعالیة كبیرة.

وكان عاموس یدلین وهو رئیس شعبة الاستخبارات العسكریة ویعد شخصیة نافذة ووازنة فی المؤسسة الأمنیة الإسرائیلیة، قد أشار فی محاضرة ألقاها منذ فترة لیست بالبعیدة فی مركز دراسات الأمن القومی/جامعة تل أبیب، "إلى أنّ الهدوء السائد على الجبهة یتعلق بإرادة حركة حماس وتوجهها نحو تعزیز قدرتها وتمكین نفسها عسكریاً لمواجهة تحدیات (إسرائیل) المستقبلیة، وهی استفادت من الهدوء السائد، وتعمل لیل نهار على التسلح وركزت جهودها على امتلاك مزید من الوسائل القتالیة، وخاصة الصواریخ التی تصل إلى منطقة غوش دان ومدینة تل أبیب".

لقد جاء الاغتیال فی ذروة التهدیدات الاسرائیلیة المتكررة بضربة عسكریة جدیدة لغزة، وبتواز مع جهد استخبارات العدو فی ملاحقة شبكة الإمداد العسكری لغزة، والتی حققت نجاحا سابقا قبل أشهر فی كشف خلیة ما صار یعرف بخلیة "حزب الله" فی مصر، فالموساد الاسرائیلی هو من قدم المعطیات للسلطات الأمنیة المصریة والتی عملت؛ من جهتها؛ على توظیف هذه الضربة الأمنیة فی سیاق النیل من المقاومة ومن حزب الله تحدیدا.

لا نشك فی ان اغتیال المبحوح والذی الذی تحول إلى محور مركزی فی العلاقات بین إیران وقطاع غزة، هو ثمرة عمل استخباراتی مشترك تطور فیه اكثر من جهاز عربی تابع للدول الحلیفة لـ(اسرائیل)، ولعل مسرح الاغتیال فی دبی مثـل لحظة انكشاف للقائد الذی دخل للإمارات باسم مستعار؛ سهل عملیة اقتناصه، وهو ما یؤكد صحة وجود غرفة عملیات سوداء تجمع استخبارات العدو الى استخبارات الرجعیة العربیة، وظیفتها مواجهة أمنیة لمحور الممانعة ولحركات المقاومة.

ما یزعج العدو هو أن إمكانات المقاومة العسكریة فی المنطقة قد تطورت إلى مستویات نوعیة سواء لدى "حزب الله" أو لدى "حماس"، وهو ما یعده العدو تهدیدا استراتیجیا لوجوده، وفرضا لتوازنات قوة على الأرض لا یمكنه القبول بها، وهی التوازنات التی یفهمها ضمن محور اقلیمی تلعب فیه إیران دورا محوریا، وهو یرد علیه من خلال المحور المقابل؛ المنهمك فی اشباك متعدد الأبعاد. وفی إطار هذا الاشتباك المفتوح تندرج عملیة اغتیال المبحوح، والتی ترید إیقاف منسوب القوة العسكریة المتصاعد فی قطاع غزة، وفی هذا الاطار یاتی بناء الجدار الفولادی بین مصر والقطاع؛ والمشفوع بالفتوى التی أصدرها مجمع البحوث التابع للأزهر، وفی هذا الإطار نفسه؛ وإن على مستوى آخر یتم تصعید حالة الاحتقان مذهبی كما حصل فی واقعة الإساءة التی تعرض لها سماحة السید علی السیستانی، وفی الاطار نفسه تقوم أمریكا الآن بنشر الدرع الصاروخی فی بعض دول الخلیج، لمواجهة ما تراه أنه تهدید صاروخی لقواعدها العسكریة ولحلفاءها الرئیسیین فی الخلیج.

لقد حقق الموساد وحلفاؤه نجاحا نعترف به، لكن الرد قادم كما تعهد الجناح العسكری لحركة المقاومة الإسلامیة "حماس"، وكلفة القادة مكلفة على العدو، والحساب مفتوح ویتضخم بعد التحاق كل قائد بالركب.

یرتفع القادة منا شهداء، وتتواصل المسیرة، بل وتزداد توهجا، وكما قال الشاعر.. وحبوب سنبلة تموت تملأ الوادی سنابل.

 

 

 

 

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.