03 March 2010 - 18:51
رمز الخبر: 1876
پ
على هامش أسبوع الوحدة الإسلامیة
رسا/ آفـــاق- یتسم هذا المفصل التاریخی من حیاة الأمة، بانبثاق مشروعین مصیریین هما مشروع الوحدة ومشروع المقاومة، سنحاول فی هذا المقال أن نرصد تفاعل المسارین، وإبراز وظیفة المقاومة فی افتتاح سیاق وحدوی غیر مسبوق./ بقلم عبدالرحیم التهامی.
 فی جدل الوحدة والمقاومة.

لا یقف جدل العلاقة بین الوحدة والمقاومة، على حد أن الوحدة شرط منتج لعنصر القوة فی المقاومة، وبالنتیجة لحقیقة المقاومة بالمعنى الواقعی؛ إذ لا مقاومة على قید الإمکان والبقاء من غیر استجماع لعناصر القوة والتماسک، ولا فقط فی کون المقاومة کاستحقاق وکرد على التحدی الخارجی تستنفر الجمیع؛ أو کذلک یُفترض؛ نحو التکلیف الشرعی کل من موقعه، وتدفع إلى الهامش القصیّ کل الاختلافات والتناقضات الثانویة لتکون الوحدة فی الموقف ولیکون الاصطفاف واحدا، وقد جاء القرآن الکریم مؤکدا على هذا المعنى الجدلی کما فی سورة الصف {‏ إِنّ اللهَ یُحِبُّ الذِینَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفاًّ کَأَنَّهُم بُنْیَانٌ مَرْصُوصٌ}، بل إن الأمر یتخذ نمط العلاقة الشرطیة؛ فکلما امتدت الوحدة فی واقع الأمة کلما تراجعت الحاجة إلى المقاومة، لأن المقاومة تکون فی أصل انبثاقها محکومة بشرط الاستباحة والعدوان؛ لدفعه ودحره، ولا عدوان على أمة کلما کانت متماسکة موحَّدة ومنیعة وذات سیادة کاملة، وکذلک یمکن القول أنه کلما انطلقت حرکة مقاومة إلا وانفتح معها مجال لتموضع جدید فی الأمة، وهو التموضع الذی یقوم بعملیة تذویب للخصائص التی تنتج التمایزات الثقافیة والمذهبیة والعرقیة، وتمنحها وظیفة ثانویة فی مقابل هیمنة کلیّة للهویة المرکبة والجامعة.
لکن وبالخروج من افتراضات جدل العلاقة هذه، وحین التأمل فی واقع الأمة، خاصة فی هذا المفصل الدقیق من تاریخها والذی یمکن أن نؤشر على بدایته بلحظة الانتصار التاریخی الذی حققته المقاومة الإسلامیة فی حرب تموز2006، وما لحقه من تفاعلات وتطورات، وهو المفصل الذی یمکن اعتباره محکا تکشّفت فی ضوء حقیقته الکثیر من الحقائق المتعلقة بالأمة وواقعها وإمکاناتها وعناصر الخرق فیها، فهذه المقاومة التی حققت أول نصر فی تاریخ الصراع مع العدو الصهیونی، وأهدته لکل الأمة؛ المقاومة التی خلقت اصطفافا جماهیریا خلف مشروعها فی کل العالم العربی والإسلامی، لم تشبه شائبة المذهبیة الضیقة..هذه المقاومة؛ وجدنا فریقا من الأمة ومن الحکام یتربص بها الدوائر ویشن علیها حملات التکفیر ویقابل انجازها العظیم بالتحریض الإعلامی والمذهبی، ویستهدف رموزها بالإساءة والتشویه، بل وصل الأمر إلى حد التشکیک فی عروبة فصائل المقاومة الفلسطینیة من خلالها ربطها بما یسمى بالمشروع الإیرانیᴉ واعتبار نضالها الذی عمره من عمر بدایات الاحتلال الصهیونی بأنّه یخدم الأجندة الإقلیمیة لإیران، وهی الأجندة الهلامیة التی توظفها بعض الأطراف ومن منطلق مذهبی وسیاسی غایة فی البؤس لمحاولة تحویر الصراع مع العدو الصهیونی إلى صراع مع إیران ومزاعم أطماعها الإقلیمیة، وأوهام مشروعها التشییعیᴉ.. وعلى اعتبار انّها الخطر الاستراتیجی الداهم على الدین والمنطقة.
وفی هذا السیاق فإنّنا لا نسقط من الحساب دور الصهاینة والأمریکان، ومعهم الانجلیز الأکثر خبرة بالمنطقة وفهما لخصائصها الدینیة والمذهبیة، فی الترکیز على البعد المذهبی لإعادة صیاغة خرائط المنطقة، وقد شکل احتلال العراق مدخلا لاختبار فاعلیة هذه الإستراتجیة، التی أسقطتها بحزم المرجعیة الشیعیة بالعراق، وإن کان لا یزال بعض المتطرفین والمشبوهین، یشتغلون على معطیاتها المؤلمة.
لذلک نعتبر أن توجّهات الوحدة الإسلامیة قد واجهت امتحانات عسیرة، وتمحور دورها ومنذ احتلال العراق على استیعاب تداعیات استراتجیه التفجیر المذهبی للمنطقة، وبالنتیجة انتهى مشروع التقریب والوحدة فی الأمة إلى انسدادات فعلیة بدا معها مربکا أمام حجم الهیاج المذهبی الذی اعتمد على الإعلام الفضائی کرافعة له فی صوغ ثقافة دینیة متشنجة وغیر مؤنسنة.
فی مقابل مأزق حرکة التقریب والوحدة، شهد المشروع المقاوم حِراکا نوعیا مدفوعا بزخم الانتصارات التی تحققت فی السنوات الأخیرة، بل إن تجربة المقاومة فی بُعدها السیاسی سواء فی لبنان من خلال الأداء السیاسی لـ"حزب الله" أو فی فلسطین المحتلة، وتحدیدا فی غزة و برغم حجم المؤامرة أوجدت قوة دفع معتبرة للخیار المقاومة فی المنطقة، وجعلته ومن خلال رؤاه السیاسیة وبفعل أطروحته الوحدویة فی طلیعة قوى التحرر فی العالم العربی.
ومما لا شک فیه فإنّ مسلک المقاومة اکتسب رهان الجماهیریة، فکل شعوب المنطقة هی مع خیار المقاومة، ولم تحل الاعتبارات المذهبیة من دون انحیاز الجماهیر للفریق المقاوم فی الأمة، ودعمه فی لحظات العسرة، وبذلک تکون المقاومة قد استنقذت الواقع الإسلامی من الاحتراق فی نار الفتنة، ووفرت لمشروع الوحدة بالنتیجة قاعدة صلبة وتاریخیة بإبقاءها للتناقض الرئیس مع العدو الصهیونی وحلفائه شاخصا ومحددا، ولم تکن المقاومة خلاّقة لجهة ترسیخ التناقض الأساس بین الأمة وأعداءها التاریخیین فقط؛ وهذا فی حدّ نفسه یعتبر انجازا تاریخیا، لأن حجم المؤامرة کان یستهدف هویة الأمة وذاکرتها وشرفها وعناصر النهضة فیها، وکادت أن تفتک بنسیجها المذهبی القائم على معطیات التعدد والتعایش، بل یمکن القول - وهذا فی غایة الأهمیة- أن المقاومة أسهمت فی حفظ الجوهر الإنسانی للدین، لربطها الفعل المقاوم بمبدئَی الحق والحریة وکل القیّم النبیلة المرتبطة بهما، وهو الجوهر الذی مارست علیه قوى التعصب والتطرف أقسى الانتهاکات حتى غدت معها صورة الإسلام مشوهة فی الغرب ومشوشة بین قطاعات من أبناءه.
وثمة وظیفة أخرى تحسب لحرکة المقاومة، وهی التی یمکن أن نسمیها بالتأهیل السیکولوجی للأمة، فلا أحد یتجاهل اثر الإحساس المفرط بالإحباط ومفاعیله المدمرة على کل أمة، وهو الإحباط الذی - للأسف- استفادت منه تیارات التعصب لفتح مجالات حِراک وهمیة ومفتعلة أمام المحبَطین، مستدرجة إیاهم بثقافة دینیة بئیسة وسطحیة إلى وهم التطهّر المذهبی، وإلى أوهام المعنى والانجاز والفلاح فی حروب مذهبیة واشتباکات طائفیة لیس فیها من رابح إلا أمریکا و(إسرائیل) والرجعیات العربیة..لکن المقاومة وبحفظها للتناقض الرئیس وبتحقیقها لانجازات فعلیة فی مواجهة المشروع الصهیونی، وبأدائها الإعلامی الناجح أسهمت بأکبر عملیة تعبئة للأمة، تحررت بموجبها من الإحساس بالعجز وتخلصت من إحباطات الهزائم المتتالیة، وبدأت ترسم لها مسافة عن مواقف أنظمتها المتخاذلة، بل إن التطورات الأخیرة فی معطیات المواجهة مع العدو الصهیونی والتی عکسها خطاب الأمین العام لحزب الله السید حسن نصر الله فی أسبوع المقاومة بتاریخ 16شباط، ستفتح حتما على صیرورة جدیدة تعزز من موقع الأمّة فی الصراع وتمنحها ثقتها بنفسها، لتتشوف وبحماس للحظة المعرکة الحاسمة التی تنهی وجود دولیة (إسرائیل) من الوجود.
إن هذه الصیرورة الجدیدة التی افتتحها الأداء المقاوم، وبمعطیات سیکولوجیة مختلفة وایجابیة، توفر فرصة تاریخیة لمشروع الوحدة الإسلامیة، الذی علیه أن یعید تأسیس نفسه لیس فقط على الأصل القرآنی ودائرة المشترکات التی تسعنا جمیعا سنة وشیعة، وعلى مقتضى المصلحة الجامعة، بل وأیضا على أساس وحدة المعرکة بوجه المشروع الصهیونی والأمریکی، وعلى أساس من وحدة المصیر المشترک، ولیُصار إلى استبدال ثنائیة التناقض فی الأدبیات الدارجة: وحدویٌ فی مقابل متعصب، بثنائیة أکثر تغایرا، وأکثر فاعلیة على مستوى الفرز وهی ثنائیة: وحدویٌ فی مقابل متصهین، مع الإبقاء على دائرة رمادیة فی البین وتشمل المذهبیین الذین لا یتحمسون لفکرة الوحدة لکنهم لا یضعون الشوک فی طریقها.
ولم تکن مجرد صدفة تلک التی جعلت طهران تحتضن وفی أسبوع الوحدة الإسلامیة مؤتمرین، مؤتمر للمقاومة تحت عنوان "التضامن الوطنی والإسلامی من أجل مستقبل فلسطین"، ومؤتمر الوحدة الإسلامیة فی دورته 23، بل هو تلازم مساری المقاومة والوحدة.






ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.