10 August 2009 - 14:44
رمز الخبر: 207
پ
حجة الإسلام والمسلمین سید رضی شکوری الموسوی، إمام جمعة ومسؤول حوزات مدینه خوی العلمیة.
العولمة؛  القضیة المهمة فی الأطروحة المهدویة

 

روی عنِ الإمام الصّادِق (ع) أنّه قال: (... فإنّک إذا عرفت إمامک لم یضرک تقدم هذا الأمر أو تأخر) (1)

إنّ بحث وظائف المنتظرین یعتبر من جملة البحوث المهمة فی موضوع المهدویة، خصوصاً فی الأوضاع الحساسة التی یمر بها المجتمع الإنسانی، ومن بین أهم الوظائف التی أشیر إلیها فی الکتب الروائیة والکلامیة، معرفة الإمام (ع)؛ لأنّ سائر الوظائف الأخرى تابعة إلى مسألة معرفة الإمام (ع).

وهنا لابد من الإشارة إلى أنّ وجوب معرفة الإمام (ع) لا تختص بعصر الغیبة، بل تشمل جمیع العصور وهی لا تختص بإمام دون إمام.

وقبل التعرض للروایات المتعلقة بهذا الموضوع، من الضروری أن نطرح موضوعین بعنوان مقدمة؛ لأنّهما یلعبان دوراً أساسیاً فی فهم ودرک أصل البحث.

الفرق بین المعرفة والعلم:

إنّ لفظة (شناخت) فی اللغة الفارسیة مقابلة لکلمة المعرفة باللغة العربیة، التی تماثل، التدبر والحکمة والتذکر والعلم والرؤیة والخبرة، التی تعتبر من الکلمات القرآنیة.

إنّ اللغوی المعروف (الراغب الأصفهانی) یتعرض إلى الفرق بین العلم والمعرفة فی کتابه المفردات فیقول: اَلْمَعْـرِفَـةُ وَ الْعِـرْفانُ: اِدْراکُ الـشَّـیء بِتَـفَـکُّـرٍ وَتَدَبُّـرٍ لِأثَـرِه، وَهُوَ أخَـصُّ مِنَ الْـعِلْمِ وَیُضادُّهُ اَلْاِنْـکارُ(2)

علماً أنّ العلماء لهم وجهات نظر متعددة بخصوص المعرفة والعلم، لها مجال آخر للبحث.

ما هی حقیقة الانتظار؟ ومن هو المنتظر؟

بالنظر لکوننا نرید أن نبحث عن أهم وظائف المنتظرین؛ فیلزمنا فی بادئ الأمر الاهتمام بحقیقة الانتظار وخصائص الإنسان المنتظر.

إنّ علماء علم الکلام یعرّفون الانتظار بأنّه: الترقب من أجل ظهور آخر بقیة إلهیة، والاستعداد لنصرته فی إقامة حکومة العدل والقسط فی جمیع أنحاء العالم.(3)

لقد لوحظ فی هذا التعریف عدّة مسائل أساسیة، من جملتها:

1ـ الترقب.

2ـ الاستعداد لنصرة الإمام (ص).

3ـ مساعدة الإمام (ع) فی تشکیل الحکومة العالمیة

لذا یجب أن یتمتع الإنسان المنتظر بهذه الخصوصیات بقدر ما یستطیع؛ حتى یستحق أن یطلق علیه عنوان المنتظر، وعلى ضوء ذلک تتضح صعوبة مهمة انتظار الإمام (ع) وجسامتها، ولو أردنا أن نرى آثار مثل هذا الانتظار فی وجود المنتظر الحقیقی، فعلینا العودة للروایات.

فعن سدیر بن حکیم الصیرفی قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر، وأبو بصیر، وأبان بن تغلب على مولانا أبی عبد الله الصادق علیه السلام فرأیناه جالساً على التراب وعلیه مسح خیبری مطوق بلا جیب، مقصر الکمین، وهو یبکی بکاء الواله الثکلى، ذات الکبد الحری، قد نال الحزن من وجنتیه، وشاع التغییر فی عارضیه، وأبلى الدموع محجریه وهو یقول: سیدی غیبتک نفت رقادی، وضیقت علی مهادی، وابتزت منی راحة فؤادی(4)

1ـ  عن الفضیل بن یسار (من أصحاب الإمامین الباقر والصادق علیهما السلام، ومن أصحاب الإجماع)، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عز وجل: (یوم ندعوا کل أناس بإمامهم)(5) فقال: یا فضیل، اعرف إمامک فإنّک إذا عرفت إمامک لم یضرک تقدم هذا الأمر أو تأخر، ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن یقوم صاحب هذا الأمر کان بمنزلة من کان قاعداً فی عسکره، لا، بل بمنزلة من قعد تحت لوائه(6)

2ـ عن إسماعیل بن محمد الخزاعی قال: سأل أبو بصیر أبا عبد الله علیه السلام وأنا أسمع، فقال: ترانی أدرک القائم علیه السلام؟ فقال: یا أبا بصیر ألست تعرف إمامک؟ فقال: إی والله وأنت هو ـ وتناول یده ـ فقال: والله ما تبالی یا أبا بصیر ألا تکون محتبیاً بسیفک فی ظل رواق القائم صلوات الله علیه.(7)

 3ـ عن أمیر المؤمنین (ع) قال: وإنّما الأئمة قوام الله على خلقة، وعرفاؤه على عباده، لا یدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا یدخل النار إلا من أنکرهم وأنکروه.(8)

4ـ عن زرارة: قلت للإمام الصادق (ع): وما تأمرنی لو أدرکت ذلک الزمان؟ قال: ادع الله بهذا الدعاء: اللهم عرفنی نفسک فإنّک إن لم تعرفنی نفسک لم أعرفک، اللهم عرفنی نبیک، فإنّک إن لم تعرفنی نبیک لم أعرفه قط، اللهم عرفنی حجتک فإنّک إن لم تعرفنی حجتک ضللت عن دینی.(9)

نستنتج من هذه الروایات الأربعة ثلاث أمور:

1ـ إنّ مجرد معرفة الإمام (ع) بمنزلة القعود فی عسکره وتحت لوائه (ع)؛ وذلک بسبب الآثار والبرکات التی تشتمل علیها.

2ـ الإمام (ع) قائد العباد والقائم علیهم، ولا یدخل الإنسان الجنّة إلا من خلال معرفته (ع).

3ـ إنّ عدم معرفة الإمام (ع) بمثابة الضلالة والعمى.

وعن علی بن الحسین (ع):

من ثبت على ولایتنا فی غیبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهید مثل شهداء بدر واحد.(10)

إنّ من جملة البحوث الضروریة التی تعتبر مقدمة على سائر البحوث الأخرى، ضرورة دراسة المواضیع والمسائل المتعلقة بالمهدویة، ولقد تعرضت إلى هذا الموضوع الذی لم یبحث به إلا قلیلاً؛ لکونه بحث أساسی ومحوری.

وبالنظر لضیق الوقت والفرصة سأتعرض إلى بعض المواضیع:

الف: الاعتقاد بالحجة والإمام

إنّ من جملة المبانی العقائدیة للشیعة التی تختلف فیها عن سائر المذاهب الإسلامیة الاعتقاد بالإمامة؛ حیث یتوقف مصیر الشیعة على هذا الموضوع، والجهد الذی بذله الشیعة على امتداد التاریخ من أجل موضوع الإمامة، لم یبذلوه من أجل أی موضوع آخر.

علماً إنّ قضیة الإمام (ع) یتمتع ببحوث فرعیة کثیرة یصعب عدها، ینبغی أن تطرح فی محلها.

ب: الإمامة، أمانة الرسول (ص)

إذا التفتنا إلى حدیث الثقلین المتواتر بین جمیع الفرق والمذاهب الإسلامیة، والذی یقول فیه رسول الله (ص): إنّی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیت، وخصوصاً إذا دققنا فی العبارتین التی جاءتا فی ذیل الحدیث (لن تضلوا ما تمسکتم بهما) و (وإنّهما لن یفترقا حتى یردا على الحوض)، سوف نعلم أن ما نوقش وأثبت فی الکتب الکلامیة حول لفظة عترتی یدل على أنّ هذه اللفظة تعنی الأئمة علیهم السلام.

ج: التأکید على انتظار الفرج:

لو رجعنا إلى مفاد الروایات الکثیرة الواردة عن أهل البیت (ع)، لوجدناها تؤکد على ضرورة التزام الشیعة بمسألة انتظار الفرج.

1ـ قال الإمام الصادق (ع): من دین الأئمة الورع والعفة ... وانتظار الفرج بالصبر(11).

2ـ کما قال علیه السلام:

المنتظر للثانی عشر کالشاهر سیفه بین یدی رسول الله یدب عنه(12).

د: وجوب التعرف على الإمام (عج):

لقد تعرّضت الروایات إلى ضرورة ووجوب التعرّف على الإمام فی کل زمان، ومن جملتها:

1ـ قال رسول الله (ص): من مات وهو لا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة(13).

2ـ عن الإمام الصادق (ع): الإمام علم بین الله عزوجل وبین خلقه، فمن عرفه کان مؤمناً ومن أنکره کان کافراً.

هـ: النیابة عن الإمام، ومشروعة النظام.

جاء فی الفقرة الخامسة من دستور الجمهوریة الإسلامی:

تقع مسؤولیة ولایة الأمر وولایة الأمّة فی زمان غیبة الإمام الحجة فی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، على عاتق الفقیه العادل الورع، العالم بزمانه، الشجاع، المدیر المدبر. 

وإنّ مبنى هذه الولایة هی الروایات الکثیرة التی تمّ بحثها فی باب ولایة الفقیه، ومن جملتها:

التوقیع الشریف للإمام الحجة (عج): وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلى رواة حدیثنا فإنّهم حجتی علیکم وأنا حجة الله علیهم.(15).

و: ضرورة الرد على الشبهات:

بالنظر للتوسع والانتشار المتزاید لثقافة أهل البیت (ع)، ببرکة الثورة الإسلامیة الإیرانی، أخذ الأعداء من المسلمین وغیر المسلمین یسعون لإیجاد الفتور فی إرادة المجتمع عن طریق ترویج الشبه المتعلقة بموضوع العقیدة المهدویة؛ من قبیل التشکیک بأصل وجود الإمام (عج)، واستبعاد مسألة طول عمره (عج) وأمثال ذلک.

ز: ضرورة تجنب الخرافات

مع الأخذ بعین الاعتبار رواج عقیدة المهدویة فی المجتمع، بالخصوص بین أوساط الشباب، فإنّ الاستعمار وعملائه فی الداخل یسعون من خلال ترویج الخرافات للتشکیک فی أصل هذه العقیدة؛ وذلک من قبیل تحدید زمان ظهور الإمام (ع)، والتفسیرات الخاطئة والمنحرفة عن انتظار الفرج، وطرح مسألة إمکانیة لقاء الإمام لعموم الناس، وتأسیس التیارات والتشکیلات السیاسیة التی تحمل شعار العقیدة المهدویة وأمثال ذلک.

ج: ضرورة إعداد المجتمع:

على ضوء مفاد الکثیر من الروایات، یترتب على أتباع أهل البیت (ع) والمبلغین والمنتظرین الحقیقیین، إعداد المجتمعات الإنسانیة عن طریق تنمیة ونشر الثقافة المهدویة المترتب علیها ظهور الإمام وتأسیس حکومته العالمیة.

د: تهیئة الأوضاع:

لابد من الإشارة هنا إلى إنّ الأوضاع المتعلقة بطرح مسألة تأسیس حکومة الإمام الحجة (عج) العالمیة قد تهیأت بصورة نسبیة؛ نتیجة إلى ارتفاع مستوى العلم البشری وتطور الأوضاع السیاسیة الحاکمة على المجتمع، على أثر تقدم العلم والتقنیة؛ لذا یتوجب على أتباع الإمام (ع) الحقیقیین، الاستفادة المناسبة من هذه الفرص لتبین الأبعاد المختلفة للمهدویة.

وعلى أی حال، فإنّ جیل الثورة الصاعد کان یشهد بصورة واضحة، أنّ الأفکار الشیوعیة والإلحادیة مسیطرة على جوانب مهمة من بلدان العالم، وتعتبر الدین والتدین خرافة وأفیون للشعوب، کما أخذت تشهد فی بلدان العالم الثالث ـ خصوصاً بلدان العالم الإسلامی ـ ظهور تیارات تحت عناوین الثقافة التی تعمل على منافسة التعالیم الدینیة وتحاول القضاء علیها، وبالتأکید أنّ جذور هذه التیارات تعود إلى الدول الاستکباریة.

ومن جهة أخرى فإنّ المسلمین وقادتهم لم یکونوا قادرین على مقاومة هذه التیارات الهدامة والمدمرة للدین، وفی النتیجة، أدى ذلک إلى اندثار معظم القیم الدینیة الأساسیة، والکثیر من أصول الدین، وبعض فروعه فی العدید من المجتمعات الإسلامیة.

فی مثل هذه الأجواء، انتصرت الثورة الإسلامیة الإیرانیة؛ نتیجة للعنایة الخاصة الإلهیة، وألطاف الإمام صاحب العصر (عج)، وبعثت فی ربوع المسلمین وأتباع جمیع الأدیان روح جدیدة، وتمکنت خلال 30 عاماً أن تربک قدرات المستکبرین وتسقط جمیع مؤامراتهم الاستعمار ومعادلاتهم السیاسیة.

إنّ موضوع العولمة أخذ یطرح الیوم بین مفکری العلماء بصورة جدیة، وتعتبر هذه خطوة مهمة خطاها العالم على سبیل التقرب من فکر حکومة صاحب العصر (ع) العالمیة، کل ذلک کان ببرکة الثورة الإسلامیة الإیرانیة، ولکن بالنظر للمواضیع الکثیرة التی تطرح حول العقیدة المهدویة، ومع الأخذ بعین الاعتبار الشبهات التی أخذ الاستعمار یروج لها فی هذا المجال، فضلاً عن وجود التیارات المنحرفة التی تثار من قبل أعداء الدین باسم المهدویة، بات على مسؤولی نظام الجمهوریة الإسلامیة، وبالخصوص مسؤولی الثقافة والتبلیغ أن یخطو خطوات واسعة فی هذا المجال، ویهتموا ظهور الإمام (ع) أکثر؛ من أجل الوصول إلى الأهداف الحقیقیة والواقعیة، ومن جملتها أهداف الثورة الإسلامیة، کما أنّ علیهم أن یحیوا مسألة الانتظار الحقیقی، الذی یتمثل بالترقب والتهیؤ؛ من أجل نصرة هذا الإمام العظیم فی مشروع تأسیسه للحکومة العالمیة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.أصول الکافی: الشیخ الکلینی: ج 1، ص 337.

2. المفردات، الراغب الأصفهانی: مادة (عرف)

3. درسنامه مهدویت: ج 2، ص 202.

4. کتاب الغیبة، الشیخ الطوسی: ص 167.

5. سورة الإسراء/ الآیة71.

6. أصول الکافی، الشیخ الکلینی: ج 1، ص 371.

7. المصدر السابق: ص 371.

8. نهج البلاغة، محمد عبدة: الخطبة151 ص 280.

9. أصول الکافی، الشیخ الکلینی ج 1، ص 342 ح 29.

10. بحار الأنوار، العلامة المجلسی: ج 52، ص 125.

11. المصدر السابق: ج 52، ص 122.

12. المصدر السابق: ص 129.

13. المصدر السابق: ج 23، ص 76.

14. المصدر السابق: ج 23، ص 88.

15. وسائل الشیعة: ج 18، ص 101.

 

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.