02 June 2010 - 18:47
رمز الخبر: 2287
پ
تحلیل سیاسی:
رسا/تحلیل سیاسی- أفاق العالم قبل یومین على جریمة جدیدة اقترفها العدو الصهیونی بحق ناشطین فی عرض البحر کانوا فی طریقهم لکسر الحصار على غزة، فما هی تداعیات الحدث على( إسرائیل) وعلى مسقبل الحصار؟ هذه قراءة فی الحدث..بقلم عبدالرحیم التهامــی.
الهجمة الصهیونیة على أسطول الحریّة..والرایة التی لن تسقط.<BR>

منذ اندحار الصهاینة وإلحاق الهزیمة المنکرة بجیشهم فی حرب تموز2006 والعقل الصهیونی یعیش على عقدة الردع المنکسر، ویحاول جاهدا بعد جهود الترمیم التی أعقبت الهزیمة؛ اختبار فاعلیة ردعه من جدید لیطمئن إلى حالة انجباره بما یسکّن هواجسه الوجودیة المتفاقمة، فقد ألقت الهزیمة بظلال قاتمة على مستقبل الکیان، وأوجدت اهتزازا فی ثقة المستوطنین بمصیرهم على أرض المیعاد الزائف، ولم تکن مجزرة "الرصاص المصبوبّ فی غزة والتی دامت لأکثر من ثلاثة أسابیع، إلاّ مجالا سیکولوجیا سعى فیه الصهاینة لاستعادة ثقتهم فی قوة ردعهم المخروم على ید أبطال المقاومة الإسلامیة، فقد کانت (إسرائیل) مدرکة لحجم الثمن الأخلاقی الذی علیها دفعه؛ وهی التی قامت على أسطورة احتکار الألم وابتزاز العالم أخلاقیا من جرّاء هولوکوست أرید منه منح (إسرائیل)صفة الضحیة کواقع امتیازی ومطلق، تضمن بموجبه أمنها وتفوّقها، وتبرّر به عدوانها على الآخرین تحت غطاء حاجاتها الدفاعیة، بل ویصار إلى تبریر همجیتها وتحصینها سیاسیا فی مجلس الأمن والمحافل الدولیة الأخرى، لکن ترمیم صورة ردعها المهزوز واستعادة ثقة قطعان المستوطنین فی جیشها المهزوم کانت غایة وهدفا أسمى یستأهل فی الحساب الصهیونی کل الأثمان.
کانت هذه المقدمة ضروریة لفهم الطریقة الاستعراضیة الممزوجة بشهیة القتل والتی تعاملت بها قوات الکومندو الإسرائیلی فی سطوها على أسطول الحریّة فی المیاه الدولیة، ففائض القوة المستعمل والأسلوب العسکری الأقرب فی بعض أوجهه إلى أسلوب القراصنة، والمبادرة إلى السیطرة على الأسطول وهو لم یبرح المیاه الدولیة، کلها کواشف تجعل من الاستعراض العسکری الصهیونی فی واقعة الاعتداء على سفن إغاثة إنسانیة تتجّه إلى غزّة؛ تعبیرا عن عقدة الردع المهزوز والمفرِز بدوره لأعراض فوبیا الزوال والسقوط عن الخریطة التی باتت تؤرق العقل الصهیونی، ولذلک یمکن القول أن الرسالة کانت موجّهة بالأساس إلى الداخل الصهیونی، ومؤدّاها أن (إسرائیل) لازالت قویّة وهی تضرب بقوة ولا تحسب حساب القانون الدولی، بل على القانون کما المجتمع الدولی أن یتفهما دوافعها وضروراتها الأمنیة..
وهکذا لم تمنع رسالة الأسطول الإنسانیة، ولا جنسیات الناشطین ومن ضمنهم جنسیات مواطنین لدول غربیة حلیفة لـ(إسرائیل)، ولا الصفة التمثیلیة لبعض الناشطین وفیهم نوّاب وبرلمانیون أوربیّون، ولا العَلم الترکی المرفوع على أکبر سفن الأسطول؛ وهی برغم توتر العلاقات تعدّ دولة صدیقة لـ(إسرائیل)، ولا القانون الدولی الذی یؤمّن الملاحة فی المیاه الدولیة ..صانع القرار السیاسی والعسکری من أن یتخذ قرار التنکیل بالأسطول الذی یتحرک بدوافع إنسانیة محضة ویعبّر عن تضامن عالمی مع شعب مُحاصَر ومُجوّع.
لکن ما فات مخطّطی عملیة الکوماندو الإسرائیلی أنّ الناشطین؛ وخاصة من کانوا على سطح اکبر سفن القافلة "سفینة مرمرة" کانوا مصممین على الوصول بقافلتهم الإنسانیة إلى هدفها، ولم یکن واردا لدیهم أن یرفعوا الرایة البیضاء حین تدخل قوات الکوماندو ویستسلموا لهم بسهولة، وهذا ما حوّل عملیة قرصنة أرید لها أن تکون خشنة ومذلّة للناشطین تذکّر بمنطق القوة الإسرائیلی؛ إلى مجزرة جبانة بحق ناشطین أبریاء، حوّلت دمهم إلى رسالة أکثر قیمة من محاولة کسر حصار غاشم عن فلسطینیی غزة، رسالة کتبت بالدم تقول: إن السلم والأمن العالمیین والقیّم الإنسانیة کلها مهددة بوحش اسمه (إسرائیل).
إنّ القوة عمیاء خاصة حین تتحوّل إلى غرور وصلف، وها هو عمى القوة یورد (إسرائیل) إلى مأزق تاریخی غیر مسبوق، وقد بدأ قناع (الضحیّة) السمیک الذی غرّر بالرأی العام الدولی لعقود یتشقق، وتظهر من شقوقه الصورة القبیحة للکیان المصطنع، وهاهو دم ضحایا المجازر الصهیونیة یطوّق (إسرائیل) فی العالم ویشدد العزلة علیها، بل ویلاحق قادتها بتهمة جرائم بحق الإنسانیة، وها هی قلعة الدیمقراطیة فی الشرق الأوسط تنکشف کوکر للقتلة والمجرمین الخارجین عن القانون والمعادین للقیّم الإنسانیة.
بل إن هذا المأزق یمتد لیطال الغرب وفی مقدمته الولایات المتحدة الأمریکیة الشریک الأوّل فی الإرهاب الصهیونی، وقد شهد العالم على حجم الإرباک والحرج الأمریکی، حیث سعت الولایات الأمریکیة المتحدة لمنع إدانة الجریمة إسرائیلیة الجدیدة فی بیان مجلس الأمن المنعقد أخیرا، فجاء البیان بعبارات غیر واضحة وملتبسة یدین "الأعمال التی أدت إلى هذه المأساة"، دونما إشارة صریحة إلى (إسرائیل) وجریمتها الموصوفة فی المیاه الدولیة.
لکن الفضیحة والانکشاف لم یکن حصّة صهیونیة وغربیّة خالصة وحصریة، بل هی أیضا فضیحة لمحور الخیانة فی الأمّة، وفی طلیعته النظام المصری المتهالک، والذی یتحمّل مسؤولیة الأرواح التی تزهق بسبب الحصار لانعدام سبل العلاج ، والشباب الذین یقضون فی الأنفاق التی تُفجَّر علیهم، کما یتحمل النظام المصری مسؤولیة الدماء التی أریقت على ظهر سفینة العز "مرمرة".
لقد راهن الصهاینة ومعهم أعراب الاعتدال أن یستسلم الشعب الفلسطینی فی غزة ویعلن کفره بالمقاومة ویتخلى عن حقوقه التاریخیة، وینخرط فی السلام الاقتصادی على غرار الضفة الغربیة مذعنا للأمر الواقع، لکن صمود الشعب أربک حلف الأحزاب، فکان العدوان الخائب على غزة، ثم أعقبه تشدید الحصار، حیث قرار السلطات المصریة قطع الطریق على قوافل کسر الحصار؛ وقافلة الأمل، وشریان الحیاة.. ثم کان بناء السور الفولادی بغطاء شرعی من مجمع البحوث التابع للأزهر.
فقطع الطریق على المساعدات الإنسانیة یهدف فی الواقع إلى تقویض عوامل صمود الشعب الفلسطینی فی غزة ، ودفعه إلى الاستسلام و رکوب قطار التسویة المذلة، لکن صمود الفلسطینیین الأسطوری أربک حسابات الحلف الإسرائیلی- العربی الرجعی، وتحوّل الشعب المحاصَر وبسند ودعم من أحرار العالم إلى شعب یحاصر محور الأحزاب، ویکشف عن عفونة أنظمة عربیة منتهیة الصلاحیة بالمعیار الأخلاقی والإنسانی، شعب یعرّی بصموده عن الصورة المنحطة والبشعة لکیان صهیونی لا یتقاسم مع البشریة أیًّا من القیّم الإنسانیة.
تورط العدو، وهاهی التقاریر تتحدث عن التملص من مسؤولیة الجریمة وتبعاتها بین المستویین السیاسی والعسکری فی الکیان، وهذا أول الصدع، ولا احد یستطیع أن یتوقع أین ستنتهی تفاعلات مجزرة أسطول الحریّة، لکن الأکید أنّ الرایة؛ رایة الحریّة أمّ القیّم لن تسقط ، بل یتکاثر حاملو رایات الحریّة وأصحاب المشاعل على دربها، وهاهو أسطول جدید یستعد للتوجه إلى قطاع غزة خلال أسابیع قلیلة تحت اسم (الحریّة 2)، فقد فشل رهان الترهیب ولم یؤت الردع الجبان ثمره، بل تأکدّ انخرامه.
لقد قطع النظام المصری الطریق على قوافل الإغاثة السیّارة واعتدت شرطته بالضرب على المتضامنین، فکان فی البحر الأبیض المتوسط سعة، وعلى رغم الدم الذی سال على الطریق إلى غزة المحاصرة، فهاهی الضمائر الحیّة من کل الجنسیات ومن کل الأدیان تعلن استعدادها للفداء، فلا یهنأ عیشُ الحرّ وفی هذا العالم شعبٌ یرزح تحت الحصار.
ولأعین الجبنــــــــاء التراب.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.