15 July 2010 - 22:18
رمز الخبر: 2485
پ
آفـــاق:
رسا/آفاق- بعیدا عن کل تهویل، فإنّ موضوع الحجاب لا یمکن تناوله بمعزل عن مجمل قیّم التدیّن فی المجتمع الإیرانی وعن حیویة هذه القیّم. وباستحضار التجربة الإسلامیة المعاصرة فی إیران فقد کانت هذه القیّم متحرکة دوما؛ مدا وانحسارا بحسب اعتبارات اجتماعیة وسیاسیة وثقافیة. بقلم عبدالرحیم التهامی.
قضیة الحجاب..مساهمة فی النقاش


من جدید قفزت قضیة الحجاب بالجمهوریة الإسلامیة إلى صدارة التناول الإعلامی والسیاسی، وتعددت المواقف والتصریحات على لسان الکثیر من العلماء وخطباء المساجد والمهتمین بالشأن الدینی والثقافی، بل أن القضیة تحولت الى مادة للسجال السیاسی حینما أبدى الرئیس نجاد تحفظه على أسلوب حملة مراقبة الحجاب مشددا على المقاربة الثقافیة.
والذی یبدو أن الأحداث والاضطرابات التی أعقبت الانتخابات الرئاسیة کانت وراء تحول موضوع الحجاب إلى محور السجال الثقافی والدینی فی إیران، فقد عکس مشهد الشارع الذی حرّکته ما یسمى بحرکة المعارضة صورة عن شریحة معتبرة من النساء وهی خارج سیاق الثورة وقیّمها الدینیة، وقد کانت هذه الشریحة من النساء الشابات فی هذه الحرکة أکثر فضحا وتعریة للمشروع الثقافی المنشود لما یسمى بـ(التیار الإصلاحی) مع التحفظ الشدید على کلمة أصلاح هنا، لکنّها الضرورة وإباحتها.
هذه الصورة المجتزأة والتی انتقلت عبر وسائل الاتصال إلى العالم کلّه شکلت إحراجا حقیقیا لکل المعنیین بهذه التجربة الإسلامیة الرائدة، ودفعت بسؤال الهویة الدینیة وقیم التدین فی مشروع الثورة إلى دائرة السؤال. وکان التساؤل عبر العالم؛ وانطلاقا دائما من صورة المرأة الصادمة على هامش الأحداث؛ هو: ما الذی یحصل فی إیران؟ سؤال طرحه وبصدق ومن منطلق الغیرة الکثیر من الأحرار الذین یعیشون بحرص حرکة المشروع الإسلامی فی إیران.
وبعیدا عن کل تهویل، فإن موضوع الحجاب لا یمکن تناوله بمعزل عن مجمل قیّم التدیّن فی المجتمع الإیرانی وعن حیویة هذه القیّم. وباستحضار التجربة الإسلامیة المعاصرة فی إیران یمکن القول أن هذه القیّم کانت دوما متحرکة مدا وانحسارا بحسب اعتبارات اجتماعیة وسیاسیة وثقافیة.
أدى استیقاظ الحس الدینی قبیل انتصار الثورة الإسلامیة دوره الحاسم فی مصیر الثورة وانتصارها وفی تثبیت هویتها واختیاراتها الدستوریة، وکانت قیّم التدیّن ومظاهره قد تحولت بنفسها إلى واحدة من مجالات الصراع مع النظام الشاهنشاهی البائد الذی لم یکن یخفی نزوعاته التغریبیّة.
لقد لعب الإمام الخمینی(قده) دورا محوریا فی هذه النقلة الثقافیة الکبرى، وکان من الطبیعی أن تفرز الثورة- بعد انتصارها- مؤسساتها الثقافیة لاستکمال مشروع الأسلمة لکل مناحی الحیاة، وهکذا بدأت فی التشکل استراتجیات المشروع الثقافی للثورة الإسلامیة برعایة المجلس الأعلى للثورة الثقافیة.
ثم کانت مرحلة الحرب المفروضة وقد أسهمت فی إیجاد سیاق معنوی یُجمع کل المتابعین للشأن الإیرانی على أنّه کان الأقوى والأکثر تألقا فی زمن الثورة الذی یمتد إلى أکثر من ثلاثة عقود، وهکذا وعلى امتداد عقد من الزمن تقریبا لم یواجه الخطاب الدینی کبیر عناء فی تعبئة الجماهیر على فکرة الشهادة والتضحیة وفق النموذج العاشورائی؛ وما یقضیه استلهام النموذج من استقامة وتقوى، کما أن انتصار الشعب الإیرانی فی ثورته جعله یستشعر حجم المسؤولیة التی تقع على عاتقه کشعب تحوّل إلى طلیعة بالنسبة لباقی الشعوب الإسلامیة على خط العودة إلى الإسلام وحاکمیته.
فی المعطیات السوسیولوجیة فإن مرحلة ما بعد الحرب تتسم عادة بتراخی وهشاشة فی منظومة القیّم وبإقبال جمعی لا واعی نحو الحیاة للتعویض عن قسوة زمن الحرب، والمرحلة تشبه إعادة الرسو على ارض الواقع من جدید، وبتوجه الکدح الاجتماعی نحو مساراته العادیة لیعیش على محک الاختبار القیمی. کما أن التداخل الروحی والتناغم بین مؤسسة الدولة والجماهیر بتنظیماتها الذی تفرضه الحرب، تعود إلى وضعها الطبیعی بل وإلى درجات من التقابل والتعارض.
وهذا الواقع ینطبق بمستوى من المستویات على التجربة الإیرانیة والتی مرت من حرب ضروس على مدى ثمان سنوات، مع میزة أساسیة وهی انبثاق مفهوم "الوفاء" کضابط وحارس للتوجهات العامة للسلوک الاجتماعی حتى لا تشذ کثیرا عن القیّم التی لأجلها قدم الشهداء أرواحهم.
إن المشهد الثقافی والاجتماعی الإیرانی الراهن هو نتیجة للتطور الذی طال بنیات المجتمع الإیرانی بفعل مشاریع التنمیة الاقتصادیة لمرحلة ما بعد الحرب، کما انه مرتهن فی دینامیته لمعطیاته الدیموغرافیة، فبحسب التقدیرات فإن ثلثی سکان إیران هم من الشباب دون سن الثلاثین، تشکل الفتیات أکثر من 50 فی المائة من هذه النسبة، وهذا وحده کاف لتقریب الصورة عما یمکن أن تکون علیه التعبیرات الثقافیة فی إیران المعاصرة، ویتضح الفهم أکثر إذا استحضرنا حجم الاستثمار الأمریکی والغربی عموما لاختراق الواقع الثقافی الإیرانی وضرب منظومة الأمن الاجتماعی من خلال میزانیات ومخصصات ضخمة بعضها معلن یصدر بالأرقام عن الکونغرس الأمریکی.
وأمام مشهد کهذا فان الخطاب الدینی الذی تدعمه بعض التیارات فی الحوزة العلمیة یبدو غائبا عن مجمل هذه المعطیات ولا یزال أسیر نمطیته وتقلیدیته غارقا ومسرفا فی نزعته التفجّعیة، غیر قادر على جذب اهتمام الشرائح الشابة، وهذا نفسه یکاد یصدق على معظم مشاریع تنمیة الثقافة الدینیة والتی تنهض بها الکثیر من المؤسسات الرسمیة و الأهلیة.
لا مفر من الإقرار بأننا أمام أزمة خطاب دینی تقلیدی غیر قادر حتى الآن على مواکبة متطلبات تنمیة التدین فی المجتمع الإیرانی، کما أصبح جلیا أن خطاب مرشد الجمهوریة الإسلامیة سماحة السید علی الخامنئی یحظى بقبول واسع فی أوساط الشباب لواقعیته ولتفاعله مع مشاکل الشباب وتطلعاتهم، وهو الخطاب الذی تقع علیه مسؤولیة سد الفراغ فی هذا المجال، ولم یکن من دون دلالات واضحة تأکید سماحته فی أکثر من مناسبة على ضرورة الاهتمام والرجوع إلى کتابات الشهید مطهری.
إن مخالفة قواعد اللباس الإسلامی فیما یسمى بـ"الحجاب السیئ" إذا استعملنا الترجمة الحرفیة للتعبیر الفارسی، والذی تتجرأ علیه بعض النساء فی المدن الکبرى، هو تعبیر عن خلل جوهری فی العلاقة بالدین، فـ"الحجاب السیئ"، هو فی الواقع اللاحجاب لجهة القابلیات والتی ترتدع مکرهة بموجب القوانین السائدة فی الجمهوریة الإسلامیة . وفی الواقع فإن هذه الظاهرة المقلقة لیست معزولة عن جملة الممارسات الدینیة الأخرى کالصلاة مثلا أو باقی القیم الدینیة والأخلاقیة الموجّهة للسلوکیات والاستجابات الاجتماعیة.
إن التعویل على الردع القانونی وحده لفرض الانضباط فی قضیة الحجاب لا یحل المشکلة، فالإکراه القانونی قد یؤمّن واجهة الصورة وانسجامها مع الهویة الإسلامیة للدولة، لکن المشروع الإسلامی معنیٌّ بتربیة الإنسان الذی هو أساس البناء الحضاری، ومن تم فان سؤال لماذا نواجه مشکلة الحجاب فی النظام الإسلامی بعد واحد وثلاثین سنة من انتصار الثورة الإسلامیة؟ هو برسم مؤسسات التربیة والتعلیم والثقافة والإرشاد والإعلام والحوزة والمسجد وقبل ذلک الأسرة.
لقد أصبح دارجا أن تأخذ بعض مواقف الاعتراض على السیاسیات الرسمیة شکل تمرد أخلاقی ودینی، وغدا خرق منظومة القیم الدینیة تعبیرًا من تعبیرات الاحتجاج السیاسی الذی یلجأ إلیها بعض الشباب فی مظهرهم التحرری و شرائح من النساء من خلال التفلت من ضوابط اللباس الشرعی، وهذا ما یؤکد ضرورة تأمین خطوط سیاسیة فی الساحة؛ خاصة بعد احتراق أوراق الإصلاحیین وانکشافهم؛ تنطلق من ثوابت النظام لتمارس دورها المعارض للبرنامج الحکومی ولتستوعب التوترات السیاسیة بحیث یجد الاعتراض السیاسی؛ المکفول دستوریا؛ واجهاته القانونیة للتعبیر عن نفسه، وبالنتیجة یتم تحیید منظومة القیّم الدینیة عن مجال الصراع السیاسی، باعتبارها قیما مانحة للهویة وللخصوصیة الدینیة والثقافیة.
وفی هذا الشوط التاریخی الذی تتکثف فیه المؤامرات على الثورة الإسلامیة لإعاقة نهضتها وتطورها، فإن تخفیف التوترات الداخلیة، ومعالجة معضلات التدیّن ومن ضمنه الحجاب معالجة هادئة وشمولیة وعمیقة یبدو هو الخیار الأنسب.
لقد فاخرنا دائما بأن ثورتنا الإسلامیة لم تلجأ إلى التنمیط الثقافی والاجتماعی، وسمحت بهوامش واسعة من الحریة بما سمح لقابلیات الناس فی التدین أن تظهر جلیّة على السطح، والآن وبعد أن تشخص الواقع الدینی الاجتماعی بما فیه من تعبیرات الأصالة ومظاهر الانحراف، فإنّ أوان المعالجة الحکیمة یفرض نفسه بما یحمی تماسک الجبهة الداخلیة، وتبقى طبعا لصرامة القانون وفاعلیته الردعیة موارده عند الاقتضاء.
﴿ الذین إن مکناهم فی الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزکاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنکر ولله عاقبة الأمور ﴾.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.