16 October 2010 - 23:37
رمز الخبر: 2744
پ
على أعتاب زیارة قائد الثورة الإسلامیة لمدینة قم
رسا/تحلیل سیاسی- تعیش مدینة قم فی أجواء من الانتظار وهی تترقّب زیارة قائد الثورة الإسلامیة سماحة السید علی الخامنئی، والزیارة یجمع الکثیرون على أنّها زیارة تاریخیة بکل المعاییر؛ سواء لجهة السیاق أو لجهة الإنتظارات والتوقعات. بقلم عبدالرحیم التهامی.
قراءة فی السیاق والإنتظارات

تستعد مدینة قم لاستقبال قائد الثورة الإسلامیة سماحة آیة الله العظمى السید علی الخامنئی فی زیارة تعتبر وبكل المعاییر زیارة تاریخیة ، فقد مرّت سنوات عدة عن آخر زیارة قام بها القائد لقم، فقد اقتضت مصلحة الثورة والدولة معا؛ أكثر مما اقتضى العارض الصحی الذی أصاب الإمام الخمینی(رض) بعد إقامته فی قم فی بدایة انتصار الثورة؛ أن تكون طهران هی عاصمة الثورة ومقر إقامة الإمام الراحل ومن بعده مقر سماحة القائد مدّ الله فی عمره.

هذا الاقتضاء الثوری والدولتی انعكس فی بعض أوجهه سلبا على مدینة قم مقر الحوزة العلمیة، التی تباطأ فیها بشكل ملحوظ ومضطرد إیقاع المواكبة لمشروع الدولة وهی تعبُر من مخاضات الأسئلة الجدیدة والطارئة دون أن تجد فی الأفق الاجتهادی فی قم منسوبا كافیا یستجیب لحاجاتها المتجددة فی فقه الدولة؛ سیاسة واقتصادا واجتماعا وقضاءًا وما إلى ذلك.

 نعم ظلت بعض المواقع والمؤسسات والشخصیات العلمیة مهجوسة بأسئلة المعاصرة ومتطلبات وتحدیات المشروع الإسلامی الثوری فی كل أبعاده، وسعت لأن تكون فی مستوى اللحظة التاریخیة وترفد المشروع ببعض متطلباته الفقهیة، لكن الحقیقة أیضا أن قطاعا حوزویا معتبرا ظل تراثیا وتقلیدیا فی انشغالاته واهتماماته، بل لاحظنا كیف أنّ بعض المواقع لم تجد فی مناخ الحریّة الذی أمنّته الثورة سوى فرصة تاریخیة للاستغراق فی الإطار المذهبی الضیّق والسعی لخلق وعی مذهبی مغلق ومنقطع عن السیاق الإسلامی الثوری الذی بلورته الثورة.

وفی تقدیرنا المتواضع فإنّ هذه الزیارة التی تكتسی أهمیة بالغة من المفترض أن تتعرض للمحاور التالیة؛ نقول ذلك من منطلق التحلیل والقراءة لا من منطلق معطیات تبقى بعیدة على من هم فی مثل مقامنا البسیط.

 

• استیعاب تداعیات الأزمة السیاسیة:

الزیارة تأتی بعد انحسار مظاهر التوتر السیاسی الذی أعقب الانتخابات الرئاسیة قبل أكثر من سنة، وهی الأحداث التی امتدت بتأثیراتها إلى الحوزة العلمیة فی قم، فأحدثت بعض الشرخ بفعل بعض الاصطفافات الانفعالیة المتسرعة، فضلا على الارتباك الذی طبع مواقف جهات معینة كانت محسوبة على خط الثورة؛ خذلها وعیها السیاسی السطحی فطفقت تزاید بمواقف أضرّت بوضعها وأسهمت من حیث لا تدری على زیادة التشویش عند الناس. ومن هنا یمكن القول وبعد أن تبین الخیط الأسود من الخیط الأبیض فی هذه الأزمة، وتكشفت حقائق وأبعاد.. فإنّ الزیارة ستتیح فرصة لرأب الصدع وإعادة شدّ اللحمة بین الخطوط التی تباینت مواقفها من هذه الإحداث، ولعل المعطیات الخطیرة التی لدى دائرة القرار السیاسی إن كُشف عن بعضها فسیكون وحده كافیا لإسقاط الغشاوات عن الأعین، ولا أقل تذكیر البعض بتلك الحكمة الأثیرة؛ الصمت - فی موارد الجهل- من ذهب.

 

• ربط الحوزة باستحقاقات المرحلة محلیا وعالمیا:

لا شك أن دور السیاق حاسم فی قضیة التموضع، والحوزة لیست بمنأى عن هذه الضرورة، فهناك مشروع البناء الذاتی الذی تخوضه إیران من خلال تحقیق أهداف المخططات التنمویة والارتقاء بالمشروع الإسلامی إلى سقوفه الممكنة، وهناك تحدیات البناء الاجتماعی وما یتصل به من مقدمات وشروط..وعالمیا هناك الصراع المتواصل مع جبهة الاستكبار على واجهات متعددة ومتنوعة، وهناك مخططات العدو المتربص شرا بهذه التجربة، كما هناك فی المقابل دور إقلیمی متعاظم، واختراقات سیاسیة وثقافیة على الصعید الدولی ذات قیمة استراتجیة. كل هذا السیاق ستحضر عناوینه الأساسیة فی الزیارة بما یوسع من أفق الرؤیة لدى الحوزة ویسهل إعادة تموضعها فی سیاقات البناء والمواجهة.

 

• مواصلة مطلب الإصلاح الحوزوی:

سبق لقائد الثورة الإسلامیة وفی مناسبات عدیدة أن طرح مشروع الإصلاح الحوزوی، والقصد من كلمة إصلاح تطویر وإعادة تأهیل المنهج الدراسی الحوزوی لیتكیف مع المطالب الجدیدة والإمكانات المتاحة. ولیس هناك من تعبیر عن فكرة الإصلاح مثل القول بتفعیل الجدل بین الأصیل والمتجدد.

ولعل الحاجة إلى الإصلاح لا یقتضیها انفتاح التشیّع على تجربة الدولة فحسب، بل لأن منطق العلوم یقتضی التجدید ویتطلبّه ویكفی التذكیر فی المقام أنّ علوما دقیقة تطورت وفق ما یسمى بالقطیعة الابستمولوجیة (أو المعرفیة) أی أنها لم تنقض البناءات السابقة فحسب بل انطلقت من معطیات جدیدة تماما ومختلفة، أما ما تحتمله العلوم الدینیة بحكم خصوصیاتها فلیس أكثر من الممارسة النقدیة واستئناف النظر فی الموروث، وافتتاح مجالات تفكیر جدیدة موازیة للجدید المتدفق فی التجربة الإنسانیة بشكل عام.

ومن مفردات الإصلاح التی یدعو لها القائد؛ التأكید على العلاقة بین الحوزة والجامعة، انفتاحا وتعاونا وتفاعلا،  ولطالما دعا إلى الانفتاح على العلوم الإنسانیة والإفادة من مناهجها ومعطیاتها فی مجال إنتاج المعرفة الدینیة.

وهو المشروع الذی من المتوقع أن نقف على أبعاد جدیدة فیه فی ضوء ما تحقق من خطوات فی الإصلاح إلى الآن.

 

• تعزیز توجهات الوحدة الإسلامیة فی الحوزة:

من المتوقع أن یحظى هذا العنوان باهتمام كبیر فی برنامج الزیارة، فلقد مثلت الوحدة الإسلامیة إحدى التوجهات المبدئیة والإستراتجیة للثورة الإسلامیة، لكن للأسف فإن بعض المواقع فی قم تمكنت من تطویق هذا العنوان دون أن تتمكن من مصادرته طبعا، واستفادت فی ذلك من واجهة الاشتباك التی فتحها الوهابیّون لتقوم بالتحشید المذهبی.ما نتج عنه للأسف تقزیم لمجمل الآفاق التی على فتحت علیها الثورة الإسلامیة.

ولعل اللوم یتجه هنا إلى التیار الوحدوی والتقریبی الذی ظل شاهدا على الفقاقیع الفتنویة السوداء وهی تحاول أن تغمر الأفق دون أن تكون لدیه خطة أو برنامج أو تحرك مع ما لدیة من إمكانات ومواقع كان یجدر به أن یستثمرها فی تعزیز فكرة الوحدة.

المؤامرة على وحدة الأمة الإسلامیة هی فی مرحلة الخطر الشدید الآن، والمخطط لا یشرف علیه الغلاة بل خبراء انجلیز وأمریكان وصهاینة من خلال غرف سوداء، ومشروع الفتنة یخترق الآن أكثر من ساحة فی العالم الإسلامی، وأكید أنّ قائد الثورة الإسلامیة لدیه من المعطیات ما یجعل كل متعصب ینظر إلى الأرض التی یقف علیها لیرى ظلالا للعلم أمریكی وصهیونی.

ومن المؤسف أن نضطر للحدیث عن موضوع الوحدة فی علاقة بالعدو ومخططاته، مع انّه أصل قرآنی ونهج سار علیه أئمة أهل البیت علیهم السلام.

وأخیرا..فأكید أنّ قلوب أهالی قم تهفو للقاء قائدها، ولا شك أنّ مشهدا وجدانیا وعاطفیا منقطع النظبر سیحف بالزیارة المیمونة، وأكید أیضا أنّ الزیارة ستشكل قوة دفع خاصة للحوزة وفضلائها وطلابها، ویبقى الأمل فی أن تنفتح العقول على القول السدید وعلى الحكمة التی هی سمة بارزة فی خطابات القائد، وأن تنهض همم الرجال بمسؤولیاتها، فالنهوض بالمشروع الإسلامی مسؤولیة الجمیع.

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.