16 August 2009 - 21:32
رمز الخبر: 283
پ
کلمة ولی أمر المسلمین لدى لقائه أعضاء مکتب القیادة والحرس الخاص
أخبار الحوزه المحلیه - النص الکامل لکلمة ولی أمر المسلمین لدى لقائه أعضاء مکتب القیادة والحرس الخاص.
إنّ أکثر المصائب التی تحل بالشعوب ناتجة عن عدم البصیرة


أفاد تقریر وکالة رسا للأنباء أنّ النص الکامل لکلمة قائد الثورة مع أعضاء مکتب القیادة والحرس الخاص، قد نشر فی الموقع الإعلامی لولی أمر المسلمین.

لقد أکد ولی أمر المسلمین، سماحة آیة الله العظمى الإمام الخامنئی (دام ظله)، لدى لقائه أعضاء مکتب القیادة والحرس الخاص، على لزوم التحلی بالبصیرة، وأبدى قائلاً: للأسف إنّ الإنسان أحیاناً یرى بعض النخب هم الذین یبتلون بعدم البصیرة، ولا یفهمون معناها، بل لا یلتفتون لذلک أبداً، فترى البعض منهم یتفوه بکلام لصالح العدو، ولمنفعة إحدى الجبهات التی تسعى من أجل القضاء على کیان الجمهوریة الإسلامیة بنحو من الأنحاء، مع کونهم نخب وخواص ولیسوا أشراراً، بل لیست لهم نوایا سیئة.

 

وفیما یلی النص الکامل لکلمة ولی أمر المسلمین (دام ظله):

بسم الله الرحمن الرحیم

فی البدء أبارک لکم هذه الأعیاد العظیمة المتتابعة، فی الواقع أنّ کل منها بمثابة شمس منیرة، وشعاع باهر تستنیر به قلوب الشیعة؛ وهی ولادة الإمام أبی عبدالله الحسین (علیه الصّلاة والسّلام)، وولادة الإمام السجاد (علیه الصّلاة والسّلام)، وولادة أبی الفضل العباس (علیه الصّلاة والسّلام)، وأسأل الله تعالى أن تکون مبارکة علیکم جمیعاً؛ فالبرکة تتحقق عندما تکون قلوبکم ـ إن شاء الله ـ مسرورة، وأرواحکم تتمتع بالراحة والسکینة، وأن یکون جمیع وجودکم ملیء بالتوکل على الله تعالى والثقة به، فإذا تحقق هذا سیکون العید علیکم مبارکاً بتمام المعنى، فلنسعى إذاً لتوفیر ذلک لأنفسنا، وجلب السعادة لها، وملئ قلوبنا بالسکینة الإلهیة، وزیادة توکلنا على الله تعالى یوماً بعد یوم.

إننا بحسب العادة نثق بخبر الشخص الذی لا نراه یفعل القبیح، فمثلاً عندما یعدنا بقرض، أو قضاء عمل ـ وهو شیء جمیل ـ یقول إننی سأنجز لکم هذا العمل، ونحن نثق به عادة، ونسایره ونهیئ المقدمات لذلک العمل، بالرغم من کون ذلک الشخص إنساناً لیس إلا، ومن الممکن أن یندم، أو یأتی شخص ویفسد علیه رأیه، وقد ینسى، أو یفقد الوسیلة التی قرر أن یساعدنا من خلالها، وهناک عشرات الاحتمالات التی تجعله یتخلف عن وعده، إلا أننا نثق به مع ذلک کله.

حسناً، ما أکثر الوعود التی وعد الله بها المؤمنین؛ الوعد بالنصر، والوعد بالهدایة، والوعد بالتعلیم «واتّقوا اللَّه ویعلّمکم اللَّه»،(1)، والوعد بالحفظ والصیانة، والوعد بالمساعدة فی الأمور الدنیویة؛ فهذه کلّها وعود وعدنا بها الله تعالى.

بالطبع إنّ هذه الوعود لیست مطلقة، بل هی مشروطة، کما إنّ شروطها لیست شروطاً صعبة جداً، بل إننا نتمکن من القیام بها، ودلیل ذلک إنّ الله تعالى یعیننا دائماً عندما نعمل بهذه الشروط، ومثال ذلک الحرب المفروضة، فأنتم ـ أیّها الشباب ـ الذین لم تدرکوا زمان الحرب المفروضة، اعلموا أنّ جمیع المفکرین، والمحللین، والنخب فی تلک الأیام التی شرعت فیها الحرب المفروضة، کانوا یعتقدون بشکل قاطع أنّ صدام سینتصر فی هذه الحرب، وإیران ستهزم إلا القلیل منهم، وهم الأشخاص الذی کانوا یعتقدون بالرؤیة الإسلامیة والإیمانیة ـ نظرة الإمام للأحداث ـ فقد کان الأمل ینتاب قلوبهم، سواء کان قلیلاً أو کثیراً، علماً أنّ البعض کان یمضی وهو أعمى نحو الأمل، والبعض الآخر على العکس، کانت قلوبهم مشرقة.

من الخواطر التی أذکرها دائماً هذه الحادثة: عندما کنت أنا ووزیر الداخلیة، ورئیس الجمهوریة، ورئیس الوزراء ـ کان رئیس الجمهوریة فی ذلک الوقت بنی صدر، ورئیس الوزراء الشهید رجائی رحمه الله ـ ومجموعة من ممثلی المجلس وغیرهم مجتمعین نتباحث ونتشاور داخل مرکز عملیات القیادة المشترکة، فی الیوم الثالث أو الرابع للحرب، وقد کان حاضراً فی الاجتماع بعض القادة العسکریین، جاء أحدهم إلى جانبی وقال: إنّ الأخوة فی الغرفة الأخرى یطلبونک فی أمر خاص، فنهضت وذهبت عندهم، کان من بینهم المرحوم فکوری، والمرحوم فلاحی ـ ممن أتذکرهم ـ کما یوجد شخصان أو ثلاثة أشخاص آخرین، فجلست عندهم وقلت: ما الأمر؟ فقالوا: أنظر أیها السید، بعد أن أخرجوا ورقة ـ توجد تلک الورقة لدی الآن احتفظت بها فی مذکراتی، وهی مکتوبة بخط أولئک الأخوة الأعزاء ـ دونت فیها أسماء طائراتهم، مثل اف 5، اف 4، سی 130، وغیرها؛ أنواع من الطائرات العسکریة المقاتلة والتعبویة، قد تکون سبعة أو ثمانی أو عشرة أنواع.

کما دونوا فیها ـ مثلاً ـ أنّ لدینا عشرة من هذا النوع من الطائرات جاهزة للعمل، وإنّ قدرتها تنفذ فی الوقت الفلانی، وأنّ قطع غیارها لابد أن تستبدل سریعاً ـ توجد فی بعض الطائرات قطع غیار لابد أن تستبدل بعد کل طلعة جویة أو طلعتین ـ وکانوا یقولون لیس لدینا هذه القطع؛ لذا فإنّ مثل تلک الطائرات کان من المقرر أن تنتهی صلاحیاتها فی ظرف خمسة أو ستة أیام، وبعد ذلک یصبح وجودها کعدمها، کما تنتهی صلاحیات النوع الآخر فی ظرف اثنی عشر یوماً، وفی ظرف أربعة عشر أو خمسة عشر یوماً أخرى تنتهی صلاحیات النوع الثالث، وکانت أکثر الأنواع مطاولة سی 130 ـ وهی موجودة فی الوقت الحاضر ـ وقد قیل أنّها یمکن أن تقاوم لمدّة ثلاثین أو واحد وثلاثین یوماً؛ أی أنّ قدرات الجمهوریة الإسلامیة فی سلاح الجو ستنفذ خلال هذه المدة ولا یبقى لها وسیلة قتال جویة ـ سواء کانت طائرات مقاتلة أو تعبویة ـ أی سینتهی کل شیء بعد ذلک.

کانوا یقولون لی: هذا هو وضع حربنا، فاذهب وأخبر الإمام ـ ولا أخفی علیکم، فقد انتابنی شیء من الخوف حینها ـ فقلت: حقاً هذا عجیب، لا توجد لدینا طائرات! علماً أنّ العدو کان یهجم بطائراته الروسیة هجمات متوالیة، وإن کانت قدرات طیاریه لا تضاهی قدرات طیارینا، إلا أنّ هجماتهم کانت متتابعة وکان حجم العمل کبیراً، کما کانت لدیهم أنواع الدروس على طائرات المیک.

فقلت: حسناً جداً، ثمّ تناولت ورقة، وذهبت إلى جماران بین یدی الإمام، فقلت له سیدی: إنّ هؤلاء الأخوة هم قادتنا وکل ما لدینا تحت قدراتهم، وهم یقولون: إنّ طائراتنا المقاتلة لا تدوم فی القتال إلا خمسة عشر یوماً إلى ستة عشر، وإنّ أکثر الأنواع مطاولة من بین طائراتنا نوع سی 13 وطائرات الحمل، وهی لا تدوم أکثر من ثلاثین إلى ثلاثة وثلاثین یوماً، وبعد ذلک لا تصبح لدینا أی طائرة؛ إلا أنّنی کنت أعتقد بأحقیة الإمام ونور بصیرته ونصرة الله له، وکنت أعلم أنّ الله تعالى انتخب هذا الرجل العظیم لمهمة کبیرة، وسوف لا یتخلى الله عنه.

هذا ما کنت أعتقد به، لذا فقد ربط الله على قلبی، فعدت إلیهم ـ فی نفس الیوم أو فی الیوم الآخر لا أتذکر ذلک ـ فقلت لهم: إنّ الإمام أمر بأن تذهبوا لإصلاح هذه الطائرات على قد استطاعتکم، ثمّ أقدموا على برکة الله.

إنّ الطائرات من نوع اف 5 و اف 4 و اف 14 التی کان من المقرر أن تنتهی صلاحیتها بعد خمس أو ستة أیام، تعمل إلى الآن فی قوتنا الجویة، بالرغم من مرور خمسة وعشرین سنة؛ أی منذ عام 1980م، وبالتأکید أن البعض منها تضررت فی الحرب؛ بسبب سقوط البعض، وإصابة البعض، وخروج البعض الآخر من الخدمة، لکن فی مقابل هذا الاستهلاک، کان هناک طریقاً للحل، فقد تمکن مهندسونا العاملون فی الأجهزة المختصة بهذا الشأن من إصلاح مواطن الخلل، واستیراد بعض قطع الغیار ـ على رغم الحصار ـ عن طریق بعض المنافذ التی عمیت عنها أعین الواقفین خلف هذا الحصار، حیث تمکنوا من إعادة قدرات هذه الطائرات، بالإضافة إلى ذلک تمکنوا من تعلم کیفیة صنع نوعین آخرین من الطائرات بأنفسهم على غرار تلک الطائرات، وأنتم على علم بأنّ قواتنا الجویة الیوم قامت بصناعة نوعین من الطائرات المقاتلة ـ بالطبع لیست کالطائرات السابقة بالضبط، إلا أنّهم استفادوا منها، فالمهندس ینظر إلى العمل، ویختزن التجربة، ثم یصمم على غرارها ـ وقاعدة للتدریب، وقاعدة للهجوم الجوی، علاوة على أنّ الطائرات التی نمتلکها سابقاً، تحت أیدینا الآن، وتستخدم من قبل أجهزتنا.

إنّ هذا هو التوکل على الله، ومصداق إنجاز وعده، فعندما یؤکد الله کثیراً على نصرة من ینصره من خلال قوله تعالى: «ولینصرنّ اللَّه من ینصره»؛(2) فلاشک ولا ریب، وبالقطع والیقین إنّ الله تعالى ینصر الذین ینصرونه؛ أی الذین ینصروا دینه، فعندما یقول الله تعالى ذلک، ثمّ نعلم بأننا نعمل على نصرة دینه والدفاع عنه، فلابد أن نکون على یقین بأن الله تعالى سینصرنا.

لقد شهدنا نصرة الله تعالى ورعایته منذ بدایة الحرب المفروضة عشرات المرات ـ ولو أردنا التطرق لتفاصیلها، لوجدناها أکثر من ذلک، فقد تصل إلى الآلاف، لکن لا یتمکن الإنسان من حساب هذه الأرقام الکبیرة الآن ـ من جملتها عودة الأسرى، فقد کان لنا ما یقرب من خمسین ألف أسیر فی العراق؛ علماً أنّ خمسین ألف هو العدد الاحتمالی، فقد یکون أکثر من ذلک قلیلاً، إلا إنّ الفرق الذی کان بین أسرى العدو وأسرانا هو أنّ الأسرى الذین عندنا کانوا جمیعهم من العسکریین، أما أسرانا فقد کانوا أکثرهم من غیر العسکریین، الذین یجمعون من هنا وهناک، وعندما انتهت الحرب کنت أعتقد أن إرجاع الأسرى من صدام یمتد إلى ثلاثین سنة؛ لأننا کنا قد شهدنا تبادل الأسرى فی الحروب المعروفة، فمثلاً بالنسبة للحرب العالمیة، وحرب الیابان لا تزال بعض الأطراف بعد مرور ثلاثة وعشرین سنة وإلى الآن تطالب بأسراها من الطرف المقابل، وهو ینفی ذلک، علماً أن الوصول إلى نتیجة یحتاج إلى المساومة والمباحثات، وقد یتطلب ذلک مئات المؤتمرات، والکثیر من الباحثات، لإثبات وجود عدد قلیل جداً من الأسرى، وأنتم تعلمون أنّ صدام کان شخصاً نکداً، سیء الخلق، خبیثاً، مؤذیاً، یتفرعن ویحاول إبراز عضلاته دائماً؛ فقد کانت طبیعته لئیمة، وإنّ أصحاب الطبع اللئیم المتدنی کلما یشعرون بالقوة، تنتفخ أوداجهم بحیث لا یمکن التعامل معهم بأی صورة من الصور، لکن عندما یشعرون بالضعف، ویواجهون أحد الأقویاء، یصبحون أنعم من النملة، وقد رأیتم کیف یتوسل صدام بالأمریکان، فقد کان قبل الهجوم الأخیر الذی قامت به أمریکا على العراق یتوسل بالأمریکان لیتصالحوا معه، ویتعاضد معهم ضد الجمهوریة الإسلامیة، لکن لم یحالفه الحظ أن یقنع الأمریکان بقبول ذلک.

لقد کنت أعتقد إنّ تحریر الأسرى یدوم ثلاثین عاماً، إلا أنّ الله تعالى رتّب الأمور، وبدأت قضیة هجوم هذا الأحمق على الکویت، فأحس أنّه إذا أراد أن یحارب الکویت ـ بالتأکید کانت حربه مع الکویت تهدف إلى التصرف الکامل بهذا البلد ـ یلزمه أن یکون مرتاح البال من ناحیة إیران، وهذا لم یکن ممکناً مع وجود الأسرى؛ لذا قام فی بادئ الأمر بکتابة رسالة إلى رئیس الجمهوریة، کما خاطبنی بنحو من الأنحاء؛ ولأنّه لم یحصل على جواب مثبت، قرر أن یطلق الأسرى بنفسه، ومن کان موجوداً حینذاک یتذکر ذلک، حیث شاع فجأة خبر وصول الأسرى أفواجاً أفوجاً عن طریق الحدود، لقد کانت هذه إرادة الله ونصرته، والکثیر من القضایا على هذه الشاکلة إلى یومنا هذا.

وأنتم ـ أیها الأخوة والأخوات الأعزاء ـ الذین تعملون فی سلک الحمایة، أو فی التشکیلات الإداریة، أو ذویکم الذین یقدمون خدمة کبیرة فی هذا المکان الحساس، لو أردت أن أقدم لکم نصیحة فسأقول: علیکم بتنمیة بصیرتکم؛ لأنّ أکثر المصائب التی تحل بالشعوب ناتجة عن عدم البصیرة غالباً، وإنّ الأخطاء التی یقوم بها بعض الأشخاص ـ قد نرى فی مجتمعنا بعض العامة والکثیر من النخب یخطئون، لکننا نجد الأخطاء من حیث الکیف أکبر عند النخب، وأحیاناً تکون أکثر من الناحیة الکمیة أیضاً ـ تکون ناجماً عن عدم وجود البصیرة غالباً ولیس دائماً، فعلیکم أن ترفعوا من مستوى بصائرکم ووعیکم.

لقد کنت أذکر دائماً قول أمیر المؤمنین علیه السلام فی حرب صفین: «ألا ولا یحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصّبر».(3)، وأنتم تعلمون أنّ لواء قیادة أمیر المؤمنین کان أصعب من لواء الرسول فی بعض الموارد؛ لأنّ العدو تحت لواء الرسول کان معلوماً، وکان الصدیق معلوماً أیضاً؛ أما تحت لواء أمیر المؤمنین فلم یکن یتضح العدو من الصدیق بشکل کامل، فترى العدو یتفوه بنفس الکلمات التی کان یتفوه بها الصدیق، ونفس صلاة الجماعة التی تقام فی معسکر أمیر المؤمنین علیه السلام، کانت تقام فی معسکر جبهة الأعداء ـ فی حرب الجمل وصفین والنهروان ـ

وعلى فرض أنکم کنتم معهم فما الذی کنتم تفعلون؟ لو قیل لکم: إنّ الجبهة المقابلة هی جبهة الباطل، ستقولون: وهل یمکن ذلک، مع هذه الصلاة، وهذه العبادة! لأنّ عبادة البعض منهم کعبادة الخوارج فهی عبادة تلفت الأنظار بصورة کبیرة.

لقد مرّ أمیر المؤمنین لیلة مستعیناً بظلامها على معسکر أحد الخوارج، فسمع شخصاً یقرأ بصوت جمیل: «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّیْلِ»(4) ـ یردد هذه الآیة فی منتصف اللیل، بصوت عذب جداً ومؤثر ـ وکان إلى جانب الإمام علیه السلام أحد أصحابه، فقال له: یا أمیر المؤمنین: کم هو جمیل هذا الصوت، یا لحسن حظ هذا الذی یقرأ هذه الآیة بهذه الروعة، یا لیتنی کنت شعرة فی بدنه؛ لأنّه سیذهب إلى الجنة لا محالة، ولعلنی أذهب إلى الجنة ببرکته، وبعد أن انتهت هذه القضیة، وبدأت حرب النهروان، وانهزم الأعداء وقتل الکثیر منهم، جاء أمیر المؤمنین یتفحص قتلى الأعداء، وبینما کان یعبر على جثث البعض منهم کان یقول أقعدوهم، فیفعلون، فالتفت أمیر المؤمنین إلى الشخص الذی کان یرافقه تلک اللیلة، وأشار إلى أحدهم وقال له: هل تعرف هذا الشخص؟ قال: لا، فقال له: إنّ هذا الشخص الذی کنت تتمنى أن تکون شعرة فی بدنه، وقد کان یقرأ القرآن تلک اللیلة بذلک الصوت الشجی.

لقد کان هذا الشخص یقاتل القرآن الناطق؛ أی أمیر المؤمنین (علیه أفضل صلوات المصلّین) فی تلک الواقعة، ویشهر السیف فی وجهه! ولأنّه لم یکن یمتلک البصیرة، لم یتمکن من فهم الأوضاع من حوله.

إننی دائماً أمثل هذه الجبهات والمیادین السیاسیة بجبهات القتال، فمع عدم معرفة الهندسة الجغرافیة فی جبهات الحرب العسکریة، سیکون احتمال الخطأ کبیراً، ولهذا یذهب البعض للتعرف على طبیعة الأرض؛ لأنّ إحدى الأعمال المهمة فی العمل العسکری معرفة الأوضاع عن قرب، حیث یذهب البعض لاستطلاع طبیعة الأرض، ومکان العدو وأوضاعه، وطبیعة مواضعه وحصونه، فلو لم یتعرف الشخص على میدان القتال، ویستصغر العدو، فسوف یجد نفسه وقد وجه نیران قذائفه ومدفعیته نحو الجهة التی یتواجد فیها الصدیق ولیس العدو؛ بسبب عدم المعرفة.

إنّ الساحة السیاسیة تماماً مثل ذلک، فلو لم یمتلک الشخص البصیرة، ولا یشخص الصدیق من العدو، سیجد مدافع دعایاته وتبلیغاته وقوله وفعله تتجه نحو الجهة التی یجتمع فیها أصدقائه، ولیس أعداءه؛ لذا ینبغی للإنسان أن یتعرف على عدوه، وعلینا نحن أن لا نخطأ بتحدید العدو؛ بناء على ذلک فإنّ البصیرة والتدبر من المسائل الضروریة واللازمة.

إنّ من جملة الوظائف المهمة للنخب والخواص، توضیح الحقائق وتبیینها بدون تعصّب، وبدون الانحیاز إلى المیول الحزبیة والأهواء الشخصیة؛ لأنّها من الأمور المهلکة، وعلیه یجب ترک المسائل الحزبیة، واللجوء إلى فهم الحقائق.

لقد کانت من جملة الوظائف المهمة للصحابی عمار بن یاسر تبیین الحقائق؛ لأنّ الجبهة المقابلة المتمثلة بجبهة معاویة کانت تقوم بدعایة کبیرة، وهذا هو ما یطلق علیه الیوم بالحرب النفسیة، فهذا لم یکن من المبتکرات الجدیدة، بل کان موجوداً من البدایة، ولکن الأسلوب أصبح یختلف، وقد کانت توجد مهارة عالیة فی مجال الحرب النفسیة، علماً أنّ تدمیر الذهن أسهل من بنائه، فعندما یتفوه البعض بشیء، یجعلکم تسیئون الظن فی جهة من الجهات؛ لأنّ دخول سوء الظن فی الذهن سهل، لکنّ إزالته من الذهن صعب؛ وهذا الذی جعل البعض یثیر الشبه، ویبعث على سوء الظن، وهو لدیهم عملاً سهلاً ویسیراً.

إنّ الشخص الذی تمکن من التصدی للحرب النفسیة فی حرب صفین، هو الصحابی عمار بن یاسر، حیث کان فی تلک الواقعة ینتقل بفرسه من جبهة إلى أخرى، ویذهب بنفسه لیصل إلى التشکیلات ـ التی نعبر عنها الیوم بالفرق والأفواج ـ ویقف مقابلها ویبالغ فی التکلم مع أفرادها، ویبین لهم الحقائق ویؤثر فیهم، وعندما یرى اختلافاً فی أحد الأمکنة، أو یجد مجموعة مبتلیة بالشک والتردید، یذهب إلیها مسرعاً ویتکلم مع تلک الجماعة ویقدم لهم النصیحة، إلى أن یرجعوا إلى صوابهم.

بناء على ذلک فإنّ البصیرة مهمة، کما أنّ دور النخب والخواص لیست إیجاد البصیرة فی أنفسهم وحسب، بل إیجادها عند الآخرین أیضاً.

إنّ الإنسان یرى أحیاناً ـ وللأسف ـ أنّ النخب أنفسهم لا یتمتعون بالبصیرة، لا یفهمون، ولا ینتبهون أبداً، فتجدهم یتفوهون فجأة بکلام لصالح العدو، لصالح جبهة تبذل قصارى جهودها من أجل القضاء على الجمهوریة الإسلامیة بنحو من الأنحاء، مع أنّهم نخب وخواص، ولیسوا أشراراً، بل لم تکن لدیهم نیة سوء، لکنّ ذلک یعود لعدم البصیرة، فعلیکم ـ وبالخصوص أنتم الشباب ـ أن تتحلوا بالبصیرة؛ من خلال قراءة الکتب النافعة، والتأمل، والتحاور مع الأشخاص الثقة وأصحاب الکفاءات، لا الحوار التقلیدی ـ قبول کل ما یقال، کلا فإنّنی لا أطلب ذلک ـ بل الحوار مع الأشخاص الذین یتمکنون من إقناع الناس بالاستدلال، وتنویر أذهانهم بالدلیل، فحتى الإمام أبی عبدالله الحسین (علیه‏السّلام) استخدم هذه الوسیلة فی بدایة نهضته وفی استمرارها، وبما أنّ الأیام متعلقة بالإمام الحسین (علیه‏السّلام)، سأتعرض للحدیث عنه، من خلال هذه العبارة:

یجب أن لا یُعرف الحسین من خلال واقعة عاشوراء فقط؛ لأنّ هذه الواقعة هی جانب من جهاد الإمام الحسین (علیه‏السّلام)، بل ینبغی أن یعرف من خلال إرشاداته، وأمره بالمعروف ونهیه عن المنکر، وتوضیحه للمسائل المختلفة، فی منى وعرفات، وخاطباته للعلماء والنخب ـ لدى الإمام أقوال قیمة دونتها الکتب وأثبتتها ـ وفی طریقه نحو کربلاء، وفی نفس ساحة کربلاء ومیدانها، فقد کان الإمام علیه السلام فی نفس ساحة کربلاء من أهل البیان والنصیحة، کان یذهب إلى القوم وینصحهم، ومع کون الساحة ساحة حرب، والقوم بانتظار الدماء التی تسیل، إلا أنّ الإمام العظیم کان یستغل کل فرصة من أجل نصیحة الأعداء، بل إنّه أستطاع أن یبعث فی نفوسهم الیقظة، وبالتأکید أن البعض کانوا نائمین، فأفاقوا، والبعض الآخر کانوا یتناومون، لکنهم استیقظوا بعد ذلک، علماً أنّ من الصعب إیقاظ الذین یتناومون، بل قد یکون ذلک متعسراً فی بعض الأحیان. 

أتمنى أن یکون هذا العید، والأعیاد السعیدة مبارکة على الجمیع، وأسأله تعالى أن یوفق الجمیع ـ المرأة والرجل، والشیخ والشاب ـ للتحلی بالقلوب الطیبة، والأرواح المفعمة بالأمل، والوجود الملیء بالسکینة والراحة والثقة، والتحرک نحو الهدف.

والسّلام علیکم ورحمة ‌اللَّه وبرکاته‏

1) البقرة/ 282

2) الحج/ 40

3) نهج البلاغة/ الخطبة 173

4) الزمر/102

 


 

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.