19 August 2009 - 15:55
رمز الخبر: 309
پ
المدیر العام للمبلغین فی مؤسسة التبلیغات التابع للحوزه العلمیه فی حوار مع رسا:
رسا/ قسم الحورات ـ صرح المدیر العام للمبلغین فی مؤسسة التبلیغات الإسلامیة فی قم المقدسه قائلاً: إنّ التبلیغ من أعرق الوسائل فی إیصال الدین للناس، ولم نشهد دیناً انتشر بدون التبلیغ.
إنّ التبلیغ من أعرق الوسائل فی إیصال الدین للناس


على أعتاب موسم التبلیغ فی شهر رمضان المبارک، أجرینا حواراً مع سماحة حجة الإسلام والمسلمین سید غلام‌عباس الموسوی، المدیر العام للمبلغین فی مؤسسة التبلیغات الإسلامیة، یتعلق بدور التبلیغ فی الأدیان الإلهیة، وفیما یلی نص الحوار:

رسا ـ ما هو دور التبلیغ فی الأدیان؟

إنّ جمیع الأدیان والمذاهب الإلهیة لابد أن تکون مصحوبة بالتبلیغ، ولم نشهد دیناً بلا تبلیغ؛ لأنّ التبلیغ هو إبلاغ وإیصال الرسالة مع الترکیز على التأثیر فی الآخرین، بل إنّ التبلیغ یعتبر أهم الأسلحة فی أیدی الأنبیاء علیهم السلام، وأساس عملهم کان قائماً على تبلیغ دین الله، وإنّ کافة الأنبیاء لهم کتاب أو شریعة، أو یکونوا مکملی لشریعة من سبقهم من الأنبیاء؛ لذا فإنّهم کانوا جمیعاً یحتاجون للتبلیغ فی تبیین الکتب الإلهیة للناس، أو إیصال رسالة الله إلیهم، وتحدید وظائفهم وتکالیفهم، وإعطاء الحلول لمسائلهم الفردیة والاجتماعیة.

بناء على ذلک فقد کان التبلیغ ولا یزال وسیبقى مرافقاً لجمیع الأدیان، ولم نشهد أی دین تمکن من الانتشار والتطور على مستوى المجتمع والعالم بدون التبلیغ.

رسا ـ ما هو دور التبلیغ فی الدین الإسلامی؟

لقد کان التبلیغ ولا یزال من الوسائل المهمة للدین الإسلامی، کما أنّ الرسول (ص) یعتبر النموذج الأعظم والأفضل للمبلغین، وکان التبلیغ ملازماً له ومن برامجه فی جمیع مجالات أعماله المختلفة منذ ظهور الدین الإسلامی إلى زمان وفاته (ص)، ولقد ابتدأ الرسول (ص) التبلیغ بأفراد عائلته، حیث بدأ بتقدیم نصائحه لزوجته إلى أن وصل الأمر إلى تبیین وظیفة الفرد ثمّ المسلمین ثم المؤمنین، وقد کان هذا التبلیغ مرافقاً له فی الشارع والسوق والجبهة وفترة الحصار، وفی جمیع شؤون حیاته الأخرى، وکانت تعم برامج الرسول (ص) التبلیغیة النوم؛ والیقظة؛ والمعاشرة؛ والمرض؛ وآداب المسجد؛ والحیاة الزوجیة، وبغض النظر عن القرآن ـ الذی یعتبر أصل وأساس الدین ـ تعتبر جمیع الأحادیث والوقائع التاریخیة من مظاهر التبلیغ، کما أنّ الأحادیث التی بیّنها الأئمة هی نوع من التبلیغ، حیث قام الأئمة علیهم السلام بتعریف وتعیین التکلیف للناس من خلال هذه الأحادیث، فعندما یسأل السائل سؤال ویجیبه الإمام علیه السلام، أو عندما یُبیَّن مطلب بصورة حدیث یتعرض لسیرة أهل البیت علیهم السلام العملیة، من خلال الخطب، أو المنابر، أو مجالس الدرس، فإنّ ذلک یعد تبلیغاً؛ لذا یعتبر التبلیغ أکثر الوسائل أثراً فی إیصال الدین للناس، ولم نشهد دیناً قد انتشر بدون التبلیغ.

رسا ـ ما هی المصادیق التی تدل على أهمیة التبلیغ فی الإسلام؟

عندما فتح الرسول (ص) مکة المکرمة قال قولته الشهیرة: «الیوم یوم المرحمة»؛ أی یوم المحبة والإخلاص والمودة والوحدة، ولیس یوم الانتقام، وهذا الأسلوب هو من أفضل أنواع تبلیغ الرسول (ص) على امتداد حیاته الشریفة؛ لأنّه قام بفتح مکة بدون حرب وإراقة دماء، وتمکن من خلال ذلک کسب الکثیر من القلوب، والمصداق الآخر الإمام الحسین (ع) فی یوم عاشوراء، فهو لم یعبأ إذا ما أدى التبلیغ إلى إلحاق الضرر به، أو التضحیة بنفسه وعائلته، بل أنّه تصدى للظلم وأعطانا درساً فی الحیاة، والحریة، والشجاعة، وکان یقول: «هیهات منا الذلة»، وهذا نموذج لدور وأهمیة التبلیغ فی الإسلام، فالإمام الحسین (ع) کان مستعداً أن یتلقى السهام ببدنه الشریف، ولا یترک الصلاة، وهذا یعتبر تبلیغاً ودرساً للشیعة، بأنّ یترکوا جمیع أعمالهم ویتوجهوا للصلاة فی أول وقتها، بناء على ذلک یمکن القول: إنّ التبلیغ هو عنصر أساسی فی إیصال رسالة الدین، وهو موجود فی جمیع الشرائع والأدیان، وبالخصوص الدین الإسلامی ومدرسة أهل البیت (ع)، وهو من أبرز الوسائل عراقة، ولا یمکن أن ینفک عن الدین بأی نحو من الأنحاء.

رسا ـ ما هی الأسالیب التی یستخدمها الإسلام فی التبلیغ؟

إنّ التبلیغ إما أن یکون کتابة أو قولاً أو عملاً، فتألیف الکتاب والمقالة والرسالة هو نوع من أنواع التبلیغ، کما أنّ الکلام المباشر وأحادیث المحبة والتذکیر هو نوع من التبلیغ أیضاً، إلا أنّ العمل هو أفضل أنواعه، وهو ما یمکن تطبیقه خلال المشی فی السوق والشارع والزقاق، والذهاب والإیاب، والمعاشرة، والسلوک، فإنّ کل ذلک یعد تبلیغاً عملیاً؛ لذا کان الرسول (ص) یقوم بالتبلیغ العملی فضلاً عن التبلیغ القولی والکتابی، فإنّ مروره (ص) فی الزقاق أو السوق، وسلامه على الصغار والکبار، بل کل ما کان یقوم به فی حیاته کان نوعاً من أنواع التبلیغ؛ لذا فإنّ التبلیغ العملی هو من أفضل أنواع التبلیغ.

رسا ـ ما هی مکانة التبلیغ فی القرآن الکریم؟

إنّ الله تعالى فی القرآن الکریم یقول: «مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ»؛ أی أنّ الوظیفة التی کلّف بها الرسول هی التبلیغ، کما یشیر القرآن الکریم فی الآیة المتعلقة بواقعة الغدیر من خلال قوله تعالى: «فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ»، أو فی موضع آخر یقول سبحانه: «الَّذِینَ یُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَیَخْشَوْنَهُ وَلَا یَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَکَفَى بِاللَّهِ حَسِیبًا»؛ فإنّ الذین یبلغون رسالة الله لا یخشون أی أحد، ویتوکلون على الله، وإنّ مبلغ الدین هو الشخص الذی لا یخاف إلا من الله، ولا یکون هدفه رضا الناس بقدر ما یهدف إلى رضا الله، وأداء وظیفته الشرعیة.

رسا ـ ما هو دور عنصر الزمان والمکان فی التبلیغ؟

إننا نلاحظ أنّ المصادر الدینیة تتطرق إلى وجوب أن یکون التبلیغ فی المکان والزمان المناسب، ولا یجوز التأخیر عن ذلک؛ لذا فإنّ عنصر الزمان والمکان یعتبر مؤثراً فی التبلیغ وإذا ما حصل تأخیر، فسیفقد التبلیغ أثره، وإنّ التکلیف الذی یقع على نخبنا الیوم هو العمل بوظیفة التبلیغ واستثمار أی ظرف أو مکان مناسب للقیام بذلک، لا أن یتهاونوا فی ذلک ویؤخروه لشهر أو عشرة أیام ـ مثلاً ـ ؛ لأنّ التبلیغ حینذاک سیفقد أثره.

رسا ـ على من تقع مسؤولیة التبلیغ فی الوقت الحاضر؟

إنّ مسؤولیة تبلیغ الدین تقع فی الدرجة الأولى على الأنبیاء والأئمة علیهم السلام، ولکن عندما نقول: «العلماء ورثة الأنبیاء» فمعنى ذلک أنّ التبلیغ هو من الأمور التی یرثها العلماء من الأنبیاء، فنحن لم نرث من الأنبیاء زیهم وحسب، بل إنّ التبلیغ من الأمور التی ورثناها منهم أیضاً، فعندما أصبحنا من أهل هذا الدین، وتحملنا مهمة مواصلة طریق الأنبیاء، علینا أن نعلم أنّ تبلیغ الدین هو من الأجزاء الذاتیة لعملنا وعلینا إکمال هذا الطریق، وهو من أولویات وظائف العلماء والمفکرین فی عصر الغیبة، ومن ثمّ مسؤولیة المؤمنین بعد ذلک وإن لم یکونوا من أهل العلم، حیث تقع علیهم مسؤولیة التبلیغ، والتذکیر، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر على مستوى الأسرة، والمسجد، والإدارة، والجیران، والسوق، والجامعة، فإنّ وظیفة التبلیغ تقع على عاتق کل فرد من أفراد الأمّة الإسلامیة کل بحسب مقدرته ووسعه؛ لذا یلزم أن یکون الشخص مبلغاً إذا کان مسلماً.

إنّ دور التبلیغ دور خطیر وبالغ الأهمیة، فإذا توقف التبلیغ یوماً ما فإنّ تمام الدین وحیاة الناس والمجتمع والبشریة بأسرها سوف تتعطل، وستتحطم روحیة الناس، وتتلوث فطرتهم.

إنّ التبلیغ الدینی یعتبر وسیلة دقیقة ذات تأثیر قاطع وقوی، وإنّ منزلة المبلغ فی الإسلام منزلة کبیرة ورفیعة، ولقد أشیر إلى هذه المنزلة فی دیننا وفی تعالیمنا الدینیة وفی الآراء السامیة للأنبیاء والأئمة الأطهار علیهم السلام؛ لذا فإن الرسول (ص) فی عهد الرسالة کان یرسل الأفراد من مختلف المستویات إلى المناطق المختلفة، ویشکّل الحلقات التبلیغیة التی تقوم بتعلیم الناس المعارف الدینیة؛ لذا فإنّ مکانة المبلغ تعتبر مکانة ممتازة

بناء على ذلک لو أردنا أن نعرّف المبلغ بتعریف شامل، سنجد أنّ المبلغ لیس هو عالم الدین وحسب، أو من یمتلک صفات وشمائل خاصة، بل إنّ المبلغ هو کل شخص یقوم بتبلیغ المعارف الدینیة، حتى لو کان خادم المسجد، أو قارئ الدعاء، أو الشخص الذی تعلّم إحدى المسائل الشرعیة وعلمها للآخرین، أو المعلم الذی یعلم التلامیذ أمور دینهم، کما أنّ أساتذة الجامعات وعوام الناس ینبغی أن یکونوا مبلغین أیضاً، وإذا فعلوا ذلک فسیکونون مأجورین بما یتناسب وتبلیغهم.

رسا ـ ما هی المشاکل التی تواجه التبلیغ؟

إنّ کل عمل لابد أن تواجهه بعض المشاکل، ولابد أن تبحث وتناقش هذه المشاکل فی محلها، والتبلیغ لا یستثنى من هذه القاعدة، علماً أنّ کل شخص یحمل هموماً تتناسب وطبیعة عمله ودوره فی المجتمع، فلمرجع التقلید ـ مثلاً ـ مشاکله الخاصة، وهکذا المسؤول، والمبلّغ، والحاکم؛ لذا فإنّ مسألة الآفاق المستقبلیة للتبلیغ، وتنظیمه، والتعرف على مستوى المبلغین وعددهم، کل ذلک یجب أن یأخذ بعین الاعتبار مجتمعاً، ویناقش على هذا الأساس؛ للحصول على المنهج الصحیح فی معالجته.

وعلى ضوء ذلک ینبغی أن تعالج مشاکل الحوزة العلمیة ـ المعنى الأعم للحوزة ـ من خلال توفیر المستلزمات، ومعالجة مشاکل التربیة والتعلیم، وترتیب برنامج التبلیغ وتصنیف المبلغین.

والسؤال الذی یجب أن یطرح هنا: هل تمکنت الحوزة من أداء وظیفتها فی هذا المجال؟ وهل تتمکن من حل مشاکل الطالب الذی شرع فی دراسته للتو وتسعى لتصنع منه مبلغاً متمکناً من الخطابة، أو الکتابة، أو البحث؛ لیخدم المجتمع؟ وهل أنّ الحوزة جعلت دروساً للتبلیغ إلى جانب الدروس الأساسیة والرسمیة فی الحوزة؟

إنّ کل ذلک یجب أن یناقش لکی تطرح الحلول المناسبة لمشاکل التبلیغ، ثمّ تعد البرامج التی تتناسب مع ذلک.

رسا ـ شکراً جزیلاً لما أعطیتموه من وقتکم الشریف لوکالة رسا للأنباء لإجراء هذا الحوار.

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.