19 May 2011 - 16:36
رمز الخبر: 3439
پ
رسا/تحلیل سیاسی- مثلت دعوة مجلس التعاون الخلیجی لكلّ من المغرب والأردن بالانضمام إلى النادی الخلیجی الكثیر من الدهشة والتساؤلات..وهذه قراءة فی خلفیات الدعوة تضعها فی إطار الرد على مكر التاریخ ببدعة فی الجعرافیا السیاسیة/ بقلم عبدالرحیم التهامی.
العرض الخلیجی لمملكتی المغرب والأردن..التحایل على التاریخ بالجغرافیا



لا زالت دعوة مجلس التعاون الخلیجی لکلّ من المغرب والأردن بالانضمام إلى هذا الاتحاد تثیر الکثیر من علامات الاستفهام..وقد تعددت التقدیرات فی خلفیات هذا الطلب الخلیجی الغریب والمفاجئ، وهی التقدیرات التی اعتمدت بشکل أساسی فی معظمها على عنصر التوقیت.
لا شک فی أنّ عنصر التوقیت - فی السیاسة- عامل مهم فی الفهم، وبقدر ما فاجأ العرض الخلیجی الجمیع فقد ساعد توقیته فی الکشف عن بعض دوافع الدعوة المفترضة، لکن التوقیت وحده قد لا یسمح باستجلاء کلّ أبعاد الدعوة الخلیجیة المفاجئة.
أمّا عن التوقیت فقد بدا أنّ الدعوة الخلیجیة السخیّة؛ التی تنازلت عن الشروط الصارمة فی العضویة وقفزت فوق معطیات الجغرافیا السیاسیة، إلى المغرب الأقصى وإلى الأردن المرتبط باتفاقیة "وادی عربة" مع الکیان الصهیونی؛ جاءت کمحاولة لإعادة التموضع والتحصّن بعد الحصاد الثوری الذی أسقط إلى الآن نظامین من أفسدِ الأنظمة العربیة وأکثرها طغیانا، ولا زال یعد بمزید من الانجازات العظمى.
کانت السعودیة و بحكم أنها بلد الحرمین الشریفین وبفعل إمکاناتها المالیة تعتبر نفسها دائما دولة عربیة کبرى، معنیّة بأن تضمن لنفسها أدوارا متفاوتة فی الخارطة العربیة، وأن توّفر لتوجهها الوهّابی حضورا من خلال المراكز الثقافیة ودور القرآن الکریم وغیرها من القنوات المختلفة. وقد انتقلّ هذا الدور إلى طور التصادم على خلفیة الحضور الإقلیمی الإیرانی فی المنطقة والذی تحوّل إلى رأس حربة فی مواجهة المشروعین الأمریکی والإسرائیلی، وهو التصادم الذی تجلّى فی أکثر من ساحة لعلّ أبرزها الساحة اللبنانیة والتی منیّ فیها الدور السعودی بخسارة کبیرة مع خروج فریق 14أذار من الحکم إلى المعارضة.
انشغلت السعودیة كثیرا بمفاعیل حرب تموز2006 واستنفدت كلّ إمكاناتها السیاسیة والأمنیة والإعلامیة لتطویق تلكم المفاعیل، ووظفت الورقة المذهبیة على أقصى مؤشرات الحركة، وخاصة فی لبنان..لكنّها حرجت خاسرة من هذه المعركة.

وما لبث أن انطلق المارد الثوری العربی فاسقط نظام مبارک بعد نظام بن علی، ومعهما سقط المشروع السلفی فی صیغته (الجهادیة) وهو الذی كان ینتعش من البؤس الاجتماعی والانسداد السیاسی فی العالم العربی. وامتد الربیع الثوری العربی إلى منطقة الخلیج فانتفضت البحرین، وکانت على وشک أن تحدث الخرق خلیجیّا، فجاء التدخل العسكری السعودی تحت غطاء "درع الجزیرة" غایة فی البطش والقسوة، وكان فائض القوّة المستعمل یتعدى بكثیر قمع انتفاضة سلمیة؛ إلى بعث رسالة ممهورة بالدم لإیران، مفادها أنّ السعودیة لن تقبل بأی مساس بالمعادلة السیاسیة فی البحرین.
سقوط نظام مبارک وإحساس (صانع القرار السعودی) بالانکشاف والعزلة السیاسیین، بل وبالخطر من التحرکات التی عرفتها عاصمة المملکة نفسها؛ ما تطلّب من العاهل السعودی شراء صمت مواطنیه بما یقرب من 36 ملیار دولار على شكل زیادة فی الأجور وتعویضات عن البطالة ورفع من منح الطلبة؛ إضافة إلى اشتعال البحرین والیمن، وتمدد ربیع الثورة إلى المغرب الأقصى الحلیف التقلیدی للنظام السعودی.. کلّ ذلک فرض توجها سیاسیا سعودیا یقوم على استراتجیة التعطیل والتحصین؛ تعطیل المسارات الثوریة الانتقالیة فی کل من تونس ومصر، من خلال الضغط السیاسی والإغراء المالی وتحریک فلول السلفیین للقیام بکل ما من شانه توتیر الأجواء وشغل الثورة واستنزاف قواها لکی تقف عند سقف التعایش مع بقایا النظام القدیم وتکتفی بما تحقق من مکتسبات، وقد تجلى کلّ ذلک فی مصر خاصة.
أما التحصین فهو الهدف الظاهری من دعوة کلّ من الأردن والمغرب للانضمام لمجلس التعاون الخلیجی، وهما نظامان یختلفان فی الهویة السیاسیة عن دوّل مجلس التعاون، فلکل من المغرب والأردن خلفیة دستوریة قدیمة، ویشهدان تعددیة سیاسیة، ویعرفان مجتمعا مدنیا نشطا، مع فارق ملحوظ یتمثل فی أنّ الحراک السیاسی فی المغرب أکثر تطورا وتصاعدا منه فی الأردن، بل نجده قد بدأ یفرض حقائقه على الأرض من خلال التزام الملک بتعدیلات دستوریة وصفت بأنها جذریة، وهی التعدیلات التی لم تُرضی تطلعات قوّة الحراک الشبابی المعروفة بـ"حرکة 20فبرایر" حیث ظلت متمسكة بدستور جدید یقطع مع نمط السلطة القدیم ویرسی دعائم ملکیة برلمانیة یسود فیها الملک ولا یحکم.
فهل ترید السعودیة بدعوتها الغریبة قطع الطریق على حرکة الإصلاح فی المغرب من خلال العرض الخلیجی؟ وبتعبیر آخر هل ترید مقایضة الشعب المغربی على مطالبه فی الإصلاح السیاسی والدستوری بالدعم المالی والامتیازات الاقتصادیة التی یوفرها هذا الانضمام للنادی الخلیجی؟
وهل باستجابتها للطلب الأردنی ترید إنقاذ النظام من أزمته الاقتصادیة الخانقة وإکسابه مناعة من ریاح التغییر الزاحفة؟ وهل ترید دول مجلس التعاون الخلیجی توطین الکثافة الفلسطینیة فی الأردن وتفریغ مشروع العودة من خلال التلویح لفلسطینیّی الأردن بالرفاه الاقتصادی الموعود فی الوطن البدیل؟
کلّ هذا صحیح.. لکن مع ذلک لا یمکن إغفال ما فی العرض الخلیجی من أبعاد جیو- استراتجیة، نقلت الاتحاد من وظیفته الإقلیمیة والدفاعیة أی التحسب من المخاطر المزعومة للجارة الکبرى إیران، إلى وظیفة تاریخیة ترید أن تعاکس حرکة التاریخ، وتوقف قطار الثورات فی العالم العربی.. فنحن ومن خلال هذا العرض أمام محاولة لتشکیل تکتل فوق إقلیمی یرید أن یجمع المال إلى الخبرة الأمنیة؛ التی تمیز کلاّ من المغرب والأردن؛ إلى الهویة المذهبیة السنیّة، إلى نظام الحکم الملکی أو الوراثی.
العرض الخلیجی "السخی" فی ظاهره ما هو إلا تحایل على التاریخ بالجغرافیا، فلکی لا یبقى الاستبداد وحده خلیجیّا کانت الحاجة ماسة إلى ملكیتین؛ واحدة فی المشرق هی مملکة الأردن، والأخرى على الطرف القصیّ من المغرب وهی المملکة المغربیة، طبعا مع نوایا مضمرة فی توریط المملکتین فی الصراع السعودی الإیرانی، واستثمار الخبرة الأمنیة والاستخباریة لمواجهة خطر الهبّات الشعبیة.
لکن ما لم یفصح عنه التوقیت بشکل جلیّ، أن العرض الخلیجی مناورة فی الزمن الضائع، وأن مصائر الشعوب لا تقایض بالعمولات، وقد بدأنا نسمع-خاصة فی المغرب- أصواتا ترفض هذا العرض وتعتبره محاولة یائسة لصرف المغاربة عن موعدهم مع التاریخ، ومواقف تعبّر عن تشبّتها باتحاد المغرب العربی وتدعو إلى الحضور الفاعل فی المجال الحیوی المتوسطی.
أکثر من ذلک نحن لا زلنا فی بدایة زمن انتفاضة الشعوب، والتداعیات ستجرف فی طریقها كلّ الأنظمة الرثّة ولن تقف أمامها أیة حصون مهما علت
، ولن تمنع منها أی بدع فی الجغرافیا السیاسیّة..فالتاریخ سیقول كلمته، والمسألة هی مسألة وقت لا أكثر.

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.