23 June 2017 - 16:14
رمز الخبر: 431483
پ
السيد فضل الله للسياسيين:
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين.
السیدفضل الله

 ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الله لنا عندما قال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}، {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}. هي دعوة من الله للمؤمنين الذين قد يدب بينهم الخلاف لأي سبب كان، كي لا يدعوا الفتنة تدخل إلى ساحتهم، ولا ينزلقوا في مهاويها، ولا يسمحوا للمصطادين بمائها العكر أن يجدوا إلى ذلك سبيلا.. أن تبقى التقوى حاضرة في ردود أفعالهم، كي لا يفشلوا وتذهب ريحهم. ففي الفتنة، سيكون الجميع خاسرين. طبعا، هذا لا يعني التنكر للأخطاء، فالأخطاء، إن وجدت، تعالج بالحكمة، والجدال بالتي هي أحسن، والابتعاد عن التجريح، والحرص على العدالة. ومتى تربينا على ذلك، لن نسمح للساعين إلى الفتنة بأن يجدوا أرضا خصبة لهم.. وبذلك نواجه التحديات.

 

وقال: "البداية من يوم القدس العالمي؛ هذا اليوم الذي دعا إليه الإمام الخميني في آخر جمعة من شهر رمضان، والذي يهدف إلى تذكير المسلمين بضرورة تضافر جهودهم وتكتيل طاقاتهم، من أجل رفع كاهل الاحتلال عن قبلتهم الأولى، عن القدس، وعن كل فلسطين. فلا تنسى هذه القضية، كما يراد لها أن تنسى، ولا تضيع أو تصبح على الهامش، بفعل تأجج الصراعات التي يرزح تحتها كل بلد، بفعل الأزمات ذات البعد الطائفي أو المذهبي أو القومي".

 

ورأى "أننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة، وأكثر من أي وقت مضى، إلى إعادة الاعتبار إلى هذه القضية كأولوية، وإلى أن تكون بوصلة الصراع، بعدما تغيرت البوصلة لدى البعض إلى مواقع أخرى، نظرا إلى مكانة القدس في وجدان المسلمين، كما أبناء الأديان الأخرى، فهي مهبط أنبياء الله، وقبلة المسلمين الأولى، وثالث الحرمين، والأرض التي باركها الله وبارك ما حولها. فالويل لأمة تسكت على انتهاك مقدساتها، هي أمة ذليلة لن تحترمها بقية الأمم. إننا في يوم القدس، نشد على أيدي كل الذين يصرون على الحفاظ على القدس كأساس وأولوية، ولا يزالون يبذلون الجهود، ويمهدون الأرض لإزالة الاحتلال، فلا بد من أن نكون مع الشعب الفلسطيني الذي يتصدى للاحتلال بكل ما يستطيع، في ظل كل محاولاته الساعية إلى تهويد القدس وفلسطين، والذي يقدم لذلك التضحيات الجسام، رغم كل الضغوط القاسية التي يعانيها، من قتل وحصار وتضييق وأسر، وسط السعي المستمر لتيئيسه".

 

أضاف: "إننا في هذا اليوم؛ يوم القدس، ندعو الشعوب العربية والإسلامية وكل الأحرار في العالم إلى الوعي والتكاتف لمواجهة أي تطبيع مع هذا العدو، والتصدي لأي محاولة لإدخاله في جسم هذا العالم، وإلى التضامن مع الشعب الفلسطيني ومساعدته، ليبقى صامدا في ساحة التحدي مع هذا العدو. ومنع العمل للإجهاز على كل مواقع القوة المتبقية، وحمايتها من كيد الكائدين. لقد أثبتت الوقائع السابقة أن هذه الأمة قادرة على تحقيق النصر، وهي تملك خياراتها إن قررت ذلك، وخرجت من بين براثن الذين يريدون لها أن تكون صدى للفتن التي تصنع في واقعها. ولذلك، لا بد للجميع من أن يتحدوا لمواجهة العدو الرئيسي، لا أن يتجهوا إلى الوجهة غير الصحيحة".

 

وقال: "نعود إلى لبنان، الذي دخل في مرحلة أكثر هدوءا على الصعيد السياسي، بعد الاحتقان الذي طبع المشهد السياسي طوال الفترة الماضية التي سبقت التفاهم على القانون الانتخابي. وهنا، نأمل ألا يكون هذا الاسترخاء هدنة يفتح بعدها ملف القانون الانتخابي من جديد، لا لتطوير هذا القانون، بل للحصول على مكتسبات إضافية، في الوقت الذي يعرف الجميع مدى الحاجة إلى تعزيز الاستقرار السياسي، والتفرغ لمعالجة الملفات الكثيرة المنتظرة، التي تتصل بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي للمواطنين، حيث يتفاقم هذا الوضع، وينتظر مبادرات جادة وحقيقية لحله".

 

وأمل أن "يساهم اللقاء الذي حصل بالأمس بين القوى والأحزاب الممثلة بالحكومة، برعاية رئيس الجمهورية، في التأسيس لمرحلة جديدة من النهوض في المجالات كافة، وفي إزالة العقد والحواجز التي تعترض تفعيل عمل الحكومة وتأدية دورها المطلوب في العديد من الملفات، بدءا بملف سلسلة الرتب والرواتب وإنجاز الموازنة، مرورا بملف الماء والنفايات والكهرباء، ما يعيد قدرا من الثقة للبنانيين الذين جعلتهم التجارب السابقة واللقاءات المتعددة غير متفائلين. ولذلك، قلنا سابقا ونقول الآن: قدموا للناس ما هو واقعي، ولا تشبعوهم أحلاما سيجدون أن لا إمكانية لتحقيقها في المستقبل المنظور".

 

وأكد "أننا سنبقى نراهن على الشعب الذي عليه أن يؤكد للمسؤولين أن خياراتهم ومواقفهم لن تبنى على أساس الوعود أو التمنيات، بل على النتائج الحقيقية".

 

وتابع: "نبقى في الداخل، لننوه بجهود القوى الأمنية في حماية البلد من الإرهاب الذي يسعى في الليل والنهار للنفاذ إلى الساحة الداخلية، ومساعيها لمواجهة آفة المخدرات ومروجيها وعصابات القتل والسرقة.. وندعو الجميع إلى دعم الدولة في هذه الجهود".

 

وختم: "أخيرا، ثمة كلمة في مواجهة الفتنة التي عصفت بساحتنا، والتي كنا نأمل أن نتفادى أسبابها ونتائجها، لنعيد التأكيد على البقاء على ثوابتنا التي انطلقنا منها، وهي إبقاء الساحة موحدة، ومنع الأسباب التي تؤدي إلى تفتيتها وشرذمتها، لقطع الطريق على كل المصطادين في الماء العكر. إن من الطبيعي أن يحدث اختلاف أو أخطاء، وجل من لا يخطئ، ولكن هذا لا يعني أن نتبادل الاتهامات، بحيث نحتاج إلى أن نثبت الثابت في إيماننا برسول الله، وهو من هو في الموقع العالي في الجنة، وأكثر من ذلك، أنه شفيعنا إليها، أو نخرج عن قيمنا التي دعتنا إلى أن نقول التي هي أحسن، وأن ندفع بالتي هي أحسن، وأن نحاور بالتي أحسن، وهذا هو نهجنا الذي نريد لجميع الذين يقفون معنا أو الذين يختلفون معنا، وجميعهم أخوتنا وأبناؤنا، الالتزام به في الحوار، وبذلك يغتني الفكر، ويفتح أكثر من أفق للاقتراب من الحقيقة. لنبقي الأمور في دائرتها، ونعالجها بكل حكمة ومسؤولية. لم نبرر الأخطاء، ولن نبررها، فهذا ليس مبدأنا، وهو ليس ما ندعو إليه، فنحن دعاة عدل في التعامل مع الأصدقاء والأعداء. ومن العدالة أن لا يكون خطأ مغفورا، وآخر غير مغفور، وأن لا يكون خطأ مبررا وآخر غير مبرر، وبذلك، نمنع كل من يريد العبث بساحتنا من تحقيق غاياته، ونكون أقوى. إننا على ثقة بأن أمتنا الواعية التي واجهت الاحتلال ودحرته، وتواجه الإرهاب، لن تسمح لكل مثيري الفتنة أن يضعفوا ساحتها ويوهنوا قوتها. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته}..(۹۸۶۳/ع۹۴۰)

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.