17 October 2012 - 17:23
رمز الخبر: 5324
پ
الثابت فی خطابات الإمام الخامنئی فی خراسان الشمالیة:
رسا/تحلیل سیاسی- تتباین تقدیرات المحللین حول مآلات الأوضاع فی المنطقة على ضوء التحرشات العسکریة والحرب الإقتصادیة التی تتعرض لها إیران، لکن جواب القیادة الإیرانیة یختزل نهایة المشهد، وهو "لن نرضخ"، وهنا تتساوى الحرب الإقتصادیة مع الحرب العسکریة فی النتیجة؛ مع فارق فی الکلفة؛ وهی انها لن تغیر شیئا تحت سماء إیران. بقلم عبدالرحیم التهامی.
لن نرضخ


کلمة تکررت فی اکثر من خطاب من خطابات الإمام السید علی الخامنئی فی اثناء زیارته الى خراسان الشمالیة، کان آخرها أمس، وجاءت کتعلیق على حزمة العقوبات الجدیدة التی فرضها الاتحاد الاوروبی وطالت هذه المرة قطاعی الاتصالات والطاقة.

فی خطابه تبدّى الإصرار الإیرانی على حق إیران فی إمتلاک التکنولوجیا النوویة، واصفا القادة الأوروبیین بأنهم "لا یزالون فی القرن التاسع عشر وفی عصر الاستعمار، لکن علیهم أن یدرکوا أن مقاومة الشعب الإیرانی ستخلق لهم المزید من المشاکل". وهذا التصنیف للأداء السیاسی الغربی ولمنطلقاته الإستکباریة أو "الإمبریالیة" فی العلاقة بشعوب العالم، فضلا عن دقته وصوابه، یکشف لنا عن الفجوة الهائلة بین الغرب وإیران، وعن سوء الفهم الکبیر الذی لم تتحرر منه العقلیة الغربیة فی التعاطی مع إیران ونموذجها الفرید فی الحکم وخصائص ثورتها الإسلامیة.

إن اخراج قائد الثورة الاسلامیة للغرب من سیاقه التاریخی الافتراضی الذی یقدم نفسه من خلاله کرائد للعالم الحر والمدافع عن قیم الحریة والدیمقراطیة والحداثة، ووضعه ضمن إطاره الواقعی بما هو تکتل مصالح یتقوّم وجوده بسیاسة النهب، وقهر الشعوب عبر الممارسات الوحشیة الممیزة لحقبته الإستعماریة، وتسخیر إمکاناته العلمیة والتقنیة لاحتلال دول، وأوطان..هذا الإخراج یتجاوز فی طبیعته منطق التحدی إلى التعریة الثقافیة والتاریخیة، وهی کفیلة بتقویض کل تعبیرات العنفوان الزائف وشل فائض القوة لدى الغرب.

وبالنتیجة فصدمُ الغرب بحقیقته البئیسة من کونه لازال عالقا فی شرنقة عهده الإستعماری الأسود والوحشی (کما هو تاریخه فی القرن19) یتجاوز فی مفاعیله عنوان التنازع السیاسی الى تبخیس ثقافی وحضاری لجغرافیا سیاسیة لم تستطع ان تغادر منطق التوحش الإستعماری وفکرة الهیمنة على إراداة الشعوب.

فالدرس التاریخی الذی لم یقرأه الغرب، بل وأدمن على تجاهله، هو أن سیاقا جدیدا لعصر الشعوب قد انبثق مع حدث الثورة الإسلامیة فی ایران فی نهایة عقد السبعینات من القرن الماضی.

وعلى خلاف حرکات التحرر التی تصدت للإستعمار، والتی إما اقصیت عن السلطة ضمن ظروف وملابسات ترتیب الجلاء العسکری الغربی عن بلدانها، او  وصلت إلى السلطة إلاّ أنّها اضطرت للدخول فی تحالف مع المعسکر الشرقی آنذاک بما حوّلها مجرد إلى عمق فی خریطة النفوذ الشرقی، مع استیراد نماذج من التنمیة غیر متوافقة ثقافیا واقتصادیا و بلدانها، مما أعاق تطلعاتها فی التحرر، وجردها من قوة الدفع التحرریة.. فإن الثورة الإسلامیة فی إیران، وخلاف ذلك؛ قد عرفت طریقها إلى الحریة والإستقلال من خلال نموذجها المتمثل فی ولایة الفقیه ونظام الجمهوریة الإسلامیة، واختزنت فی تجربتها طاقة هائلة من الزخم الثوری حتم علیها ان تتحول الى نموذج فی التحرر، کما انتقل بها إلى واجهة الإشتباک المتقدم مع قوى الاستکبار والهیمنة ضمن رؤیة إسلامیة ثوریة تطمع إلى إعادة صیاغة العلاقات الدولیة على قواعد الحق والعدل وضمان حق الشعوب فی السیادة وتقریر المصیر.

ولم یکن الغرب مستعدا لقبول هذا الخیار أو مهادنته، بل ولم یستطع أن یستوعب هذا التوجه التحرری على المسرح الدولی، لذلک لم تخرج علاقات الغرب بإیران عن إطار التآمر، والتربص بکل إمکانیة سیاسیة أو جماهیریة لدعمها وتحویلها منطلقا لتقویض النظام الإسلامی الذی اختاره الشعب الإیرانی عبر استفتاء حر ونزیه وبمعدل مشارکة لم تشهده ایة دولة أخرى فی تاریخ الإستفتاءات.

فی إیران الخاضعة لمجهر المتابعة الدقیقة من قبل الغرب وکل الأعداء، یتکرر باستمرار امتحان العلاقة بین القیادة والشعب، وفی کل مناسبة تخیب رهانات الغرب من حصول ای شرخ فی هذه العلاقة،وآخر ما تجرعه الغرب کان مشهد الالتحام بالقیادة فی مراسیم الاستقبال الجماهیری الحاشد والحار للإمام السید الخامنئی فی أثناء زیارته لمنطقة خراسان الشمالیة.

فعندما یستیقن الغرب او یکاد؛ بأن حصاره الإقتصادی وسلسلة عقوباته الاقتصادیة قد أثمرت شرطا جماهیریا منهکا ومحبطا یمکن اخذه بعیدا عن قیادته لدرجة استیلاد (ربیع إیرانی) کنسخة مکررة عما سمی ب(الربیع العربی)؛ تأتی صور الولاء والالتحام الشعبی بقائد الثورة الإسلامیة، ومشهد القبضات المرتفعة فی الهواء بمناسبة کل تجمع خطابی وعلى إیقاع شعار الثورة الأبدی "الموت لأمریکا..الموت ل(إسرائیل)"، لتدخل الیأس فی قلوب المستکبرین وتربک کل حساباتهم وتضرب بعرض الجدار کل آمانیهم.

ما لا یفهمه الغرب هو أن العلاقة بین الشعب الإیرانی وقائده -الولی الفقیه- الذی هو فی قمة هرم النظام السیاسی؛ ذات منشأ دینی، ویمکن القول انها تندرج فی إطار سلوک تعبدی عند الإیرانیین، أی أن طاعته والانقیاد لأمره هو طاعة لله، ولا یمکن لأیة عقوبات مهما توحشت واوغلت فی قسوتها ان تؤثر فی هذه العلاقة سلبا، بل على العکس من ذلک فهی ترفع من منسوب الولاء وتوسع من دائرته جماهیریا.

وهذا لا یعنی أن الشعب الإیرانی لا یمارس حقه؛ وکأی شعب ینعم بتجربة دیمقراطیة؛ إما فی الاعتراض على ما لا یروق له من سیاسات حکومیة او یدعمها ویساندها، فهو من ینتخب رئیس الجمهوریة على قاعدة العرض الانتخابی المتضمن للبرنامج الاقتصادی والاجتماعی والثقافی..وهو من یسائل الجهاز التنفیذی بشکل غیر مباشر عبر مجلس الشورى(البرلمان). لکن الأمر یختلف مع قائد الثورة، الذی یضم إلى مشروعیته الدینیة مشروعیة سیاسیة، تعززت بحسن تدبیره للملفات الاستراتجیة للنظام الإسلامی، وبشهادة من مجلس خبراء القیادة.

یخطئ الغرب كثیرا عندما یتورط فی الاشتباک مع إیران وتضلله حساباته، کما یخطئ وهو یرهن استقلالیة قراره للمشروع الصهیونی، فیوسع من دائرة الاشتباک استرضاءً للصهاینة وبما یهدد مصالحه، مع ان قراءة بسیطة فی معطیات المنطقة وفی ضوء موازین القوى التی عبرت عنها "طائرة ایوب" تقود الى حقیقة واضحة وهی أن الکیان الغاصب (إسرائیل)لیس له من قرار فی المنطقة ومآله إلى زوال.

وکل هذا المشهد التهویلی على إیران لا یعدو ان یکون رقصة قردة على أرض رخوة، وسرعان ما ستلوذ بأشجارها مع سماع هدیر الخطوات.
لن نرضخ، هی کلمة الفصل وجواب إیران على الحرب الإقتصادیة، ففی الطرف المقابل هناک اقتصاد مقاوم، وثقافة اقتصاد مقاوم لن یفهمها الغرب برغم مراکز أبحاثه ودراساته.
لن نرضخ، وإن کانت الحرب..فهنا امة تربت فی مدرسة الإمام الحسین(ع)، ثم لیس من یبدأ حربا دائما هو من یملك قرار إنهائها، او یتحکم فی مساحتها.
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.