21 September 2009 - 13:52
رمز الخبر: 675
پ
خطبة عيد الفطر التي وجهها العلامة السيد محمد السيد فضل اللهإنّ معنى العيد، أن نحتفل بالالتزام بما أدّيناه من فروض الطّاعة، ومن عبادات تتصل بالصوم عن كل المحرّمات، وبتلاوة القرآن حق تلاوته، وبأداء الصلاة بأفضل وجوهها، وبتحسس آلام الفقراء والمقهورين، وبالتفاعل مع المحرومين والمستضعفين والمضطهدين في كل مكان.
وبذلك يتحرّك العيد ليكون انطلاقةً كبيرة في خطّ المسؤوليّة عن كلّ قضايا الأمّة والإنسان، ولا سيّما في مرحلتنا التي نرى فيها الاحتلال وقد أطبق على أكثر من موقعٍ من مواقع الأمّة، من فلسطين المحتلّة، أمّ القضايا الإسلاميّة، إلى أفغانستان إلى العراق إلى أكثر من بلدٍ يُعاني من احتلال مقنّع يرهن كلّ سياساته وأوضاعه ويحوّله إلى سجنٍ كبير لشعبه، أو موقعاً للفتن الداخليّة التي تمزّق حاضره ومستقبله؛ فضلاً عن الشلل الذي أصاب الأنظمة السياسيّة العربيّة والإسلاميّة في كثير من مواقعها، حتّى أصبحت الوراثة العائليّة سمة واقع الحكم السياسي إلى المستوى الذي بات بالإمكان رهن مستقبل الأمّة للمصالح الشخصيّة أو التطلّعات العائليّة.
وفي هذا الواقع يتحضّر المحور الأمريكي والإسرائيلي لصوغ بيئة سياسية استسلامية خالصة يُصار فيها إلى التوقيع على صكّ تسليم فلسطين كلها إلى اليهود المحتلّين، وفي ظل الخطة الجديدة التي توسّلت لنفسها أساليب جديدة من خلال خطاب "أوباما" في اسطنبول، ثم في القاهرة، حيث جرى العمل على تجميد الملفّات الهامشيّة، لحساب التفرّغ للملفّ الكبير الذي عنوانه فلسطين، والذي يُراد طيّ صفحاته بالكامل.
وهكذا، فقد تبيَّن للكثيرين ممن كانوا يصرّون على ضرورة إعطاء الرئيس الأمريكي الجديد وإدارته الجديدة فرصة من الزمن ليستجمع قواه المحلية، وليعيد توازنه ويرسم سياسته الخاصة في ثنايا المؤسسة السياسية والأمنية والأمريكية، أن "أوباما" بات الأكثر انسجاماً مع السياسة الإسرائيلية، والأكثر خضوعاً لشروط العدوّ، وأن الذي وَعَدَ به من التغيير ظهر في شخصيته التي برزت فيها ملامح الانسحاق أمام مطالب المؤسسة الأمريكية الخاضعة تماماً لشروط اللوبي اليهودي، إلى المستوى الذي لاحظنا فيه أن الإدارة الجديدة لا تتمالك نفسها حتى عندما يحوّل رئيس وزراء العدوّ تجميد الاستيطان إلى تقليص الاستيطان..
إنّنا نخشى أنّ تكون الخطة التي انخرطت فيها أجهزة إعلامية، وأخرى أمنية، ومؤسسات سياسية، لتحريكها في المنطقة العربية والإسلامية، تقوم على إحداث فتنة كبرى وإنتاج المزيد من الصراعات المذهبية، ليسهّل ذلك السبيل أمام حركة التسوية، وليفسح المجال أمام العدوّ الإسرائيلي ليستعيد بناء قوّته للسيطرة على واقع المنطقة بعدما فقد الكثير من قوّته وهيبته في السنوات الأخيرة.
وإننا ـ في هذا السياق ـ نلمح هجمة شرسة على مفاصل القوة في الأمة، حيث تُرمى طلائعها المجاهدة والمقاومة بتهمة المذهبية المغلقة، وبالسعي لتغليب هذا المذهب على ذاك في هذا الموقع أو ذاك الموقع، ليدور الحديث عن نهوض شيعي يواجه الواقع السنّي، أو نهوض سنّي يواجه الواقع الشيعي، ليؤسس ذلك لفتنة تمهّد السبيل لعودة المشروع الاستكباري الصهيوني لاندفاعته السابقة، بعدما استطاعت الأمة أن ترفع كاهله عنها وأن تسدد بوجهه ضربات قوية وثابتة.
وإننا نؤكد أنه ليس هناك نهوض شيعي يواجه السنّة في الأمة، ولن نقبل بأية حركة إسلامية شيعية تستهدف السنّة في أيّ موقع من المواقع، وليس هناك نهوض سنّي يواجه الشيعة، لأن أيّ نهوض وأية صحوة ينبغي أن تكون موجَّهة ضد المحتل، وضد أعداء الأمة، ولذلك فعلى الذين يلعبون هذه اللعبة من محاور معادية، أو من موظفين لديها، أن يعلموا أنّ لعبتهم هذه أصبحت مكشوفةً أمام الأمّة، ولن يطول الزمان حتّى ينقلب السحر على الساحر في نهاية المطاف.
أما لبنان، فقد وُضع مجدداً في محطة الانتظار، حيث أُريد له أن يتجمّد على مستوى الحركة السياسية الفاعلة، وأن تحاصره الأزمات الاقتصادية، وأن تضغط الضائقة المعيشية على شعبه الذي تزداد أرقام الفقر فيه تصاعداً، ويبدو أن المحاور الدولية التي سبق وأعلنت عن ارتياحها لوصول الأزمة الحكومية إلى محطة التعقيد، لا مانع عندها من أن تنطلق بعض الاهتزازات الأمنية، لتمنع نموّاً ذاتياً يتطلّع إليه الناس في مواجهة مشاريع التجويع والتفتيت العابرة إلى البلد الصغير من متاهات المنطقة الواسعة.
ويبدو أنّ هناك اخطبوطاً دولياً بات يعمل لقطع الطريق على المحاولات الجادة لتصحيح المسار في العلاقات العربية ـ العربية، وقد بدأ بتحضيرات جديدة لممارسة ضغوط جديدة على بعض المواقع العربية الممانعة، وعاد لدوره السابق في تحريك خيوط اللعبة المزدوجة، ويريد للبنان أن يكون مجرد ورقة في المساومة حول بعض الملفات الإقليمية.
وفي هذه الأجواء، تتسلّح إسرائيل أكثر، وتُرسَل إليها كل ترسانات الأسلحة والقنابل الذكية، وتتعهدها الولايات المتحدة الأمريكية بمظلات تكنولوجية جديدة، لتجعلها في منأى عن أية هجمات صاروخية مفترضة، ولتنطلق فيها المناورات بين الوقت والآخر لتحاكي أهدافاً لبنانية يُراد لها أن تظل أسيرة للمشاكل الداخلية، حتى تأتيها الهجمة الصهيونية وهي مشغولة بالهوامش والتفاصيل.
إننا، وأمام هذا الجو العاصف والغيوم السوداء المقبلة على لبنان على أبواب الخريف، ندعو الجميع للانتصار للبنان ولمصالحه قبل الاستغراق في ما يطلبه الخارج، والخروج من دائرة المساجلة السياسية التي يُراد لها إغراق البلد في أتون السجالات الانفعالية، لتتحرك مجدداً الحساسيات المذهبية، فتحاول النيل من الوحدة الإسلامية تمهيداً لتدمير البنيان الوطني على رؤوس الجميع.
لقد دخل البلد في مرحلة تصريف الأعمال، التي يعمل فيها هذا المسؤول أو ذاك لحساب من يدير اللعبة من المنطقة، وحتى من خلف البحار، ولكن بعناوين محلّية، ولعل الطامة الكبرى تكمن في أن الجميع جرّبوا كل هذه الأوضاع، واستخدموا كل أساليب الانفعال وسياسة الارتجال، ولم يحصلوا على شيء، ولكن في لبنان الذي يُلدغ فيه النادي السياسي من الجحر الإقليمي والدولي ألف مرة، تستمر فيه تجربة مدّ الأصابع، ثم يحدّثونك بأنها نوع من الإبداع اللبناني الذي لا يصنع إلا القلق، ولا يقود إلا إلى الاهتزاز والخراب.

المصدر:‌ ليبانون فايلز
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.