ألقى العلامة السید علی فضل الله، خطبتی صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامین الحسنین فی حارة حریک، فی حضور عدد من الشخصیات العلمائیة والسیاسیة والاجتماعیة، وحشد من المؤمنین، ومما جاء فی خطبته السیاسیة:
"عباد الله، أوصیکم وأوصی نفسی بتقوى الله، التی هی الزاد لیوم تأتی فیه کل نفس تجادل عن نفسها؛ یوم یقوم الناس لرب العالمین. وحتى نبلغ التقوى، لا بد من أن نستهدی بإمام من أئمة التقوى، الإمام الرضا؛ هذا الإمام الذی استعدنا ذکرى ولادته فی الحادی عشر من شهر ذی القعدة. وسنغتنم هذه المناسبة لنذکر ثلاثة أحادیث من درر کلام هذا الإمام. فقد قال: "إن أوحش ما یکون هذا الخلق فی ثلاثة مواطن: یوم یولد ویخرج من بطن أمه فیرى الدنیا، ویوم یموت فیرى الآخرة وأهلها، ویوم یبعث فیرى أحکاما لم یرها فی دار الدنیا. وقد سلم الله عز وجل على یحیى فی هذه المواطن الثلاثة، وأمن روعتها، فقال: {وسلام علیه یوم ولد ویوم یموت ویوم یبعث حیا}، وقد سلم عیسى بن مریم علیه السلام على نفسه فی هذه المواطن الثلاثة، فقال: {والسلام علی یوم ولدت ویوم أموت ویوم أبعث حیا}". وقال: "صدیق کل امرئ عقله وعدوه جهله"، وسئل عن حد التوکل، فقال: "أن لا تخاف أحدا إلا الله".
وأضاف: "إن التزامنا بکلام الإمام الرضا لا ینبغی أن یقف عند حدود العاطفة، بقدر ما هو التزام بالسلوک والعمل والمواقف التی نواجه بها التحدیات، ولا سیما فی لبنان، الذی شهد خلال الأسبوع الماضی حراکا شعبیا واسعا هو بعید هذه المرة عما عهده من تحرکات شعبیة سابقة، کانت تعبیرا عن الانقسام السیاسی أو الطائفی أو المذهبی. لقد جاء هذا الحراک على وقع أزمة النفایات المتفاقمة، والتی شکلت عبئا ثقیلا على کاهل المواطنین، ولکنه توسع لیعبر عن وجع الناس وآلامهم وما یختزنونه من قهر ومعاناة على مستوى الخدمات الأساسیة، من ماء وکهرباء وطبابة وتعلیم، فضلا عن الوضع الاقتصادی المتفاقم، وصولا إلى ترهل النظام السیاسی، وانعدام التخطیط، واعتماد أسلوب المحاصصة والصفقات وتقاسم الحصص. وهذا ما عبرت عنه کلمات المشارکین المعبرة، وصرخاتهم العالیة، ومشاعرهم ودموعهم الصادقة، والتی لا یمکن لمنصف أن یضعها فی خانة التسییس ویدیر الظهر لها".
وتابع: "نحن أمام هذا المشهد، وعلى الرغم من التحفظات على خلفیات بعض المنظمین لهذه التظاهرات، أو على بعض الشعارات التی طرحت، أو الارتجال الذی شهدته، والذی أتاح دخول المندسین، وأدى إلى تحویل هذا المشهد الحضاری فی أساسه إلى حالة من الفوضى والاشتباک مع القوى الأمنیة، ما أدى إلى سقوط ضحایا، وقد کنا نأمل ألا تنتهی الأمور إلى ما وصلت إلیه، فإننا ورغم کل ذلک، لا نستطیع إلا أن نقدر هذا الحراک من ناحیة المبدأ، لکونه تعبیرا عملیا عن عودة الإنسان فی هذا البلد للعب دوره، والخروج من سیاسة الوکالة المطلقة التی کان قد أعطاها لممثلیه أو لرموزه، حیث لم یعد یکتفی بالتذمر فی مجالسه الخاصة أو فی المنابر أو من خلال کتاباته، بل نزل إلى الأرض لیشکل قوة ضاغطة وعینا تبصر ما یجری فی أروقة الدولة".
ورأى ان "هذا الحراک أثبت فعالیته، وهو یستطیع أن یحقق النتائج إن تابع سیره بتخطیط مدروس، وبنیة صافیة، وأهداف واضحة، وخرج من الارتهان والتسییس، ونحن نأمل على کل من هم فی مواقع المسؤولیة، أن تکون هذه الرسالة قد وصلت إلیهم، وأن یفکروا جیدا فی استعجال الخطوات للخروج من کل هذا الواقع الفاسد، بدلا من التفکیر فی کیفیة إجهاض هذه التحرکات أو العبث بمسارها، کما أجهضت مطالب سابقة أو تحرکات مماثلة".
وقال: "نحن أمام ما جرى، کنا نأمل من القوى الأمنیة، مع وعینا للوضع الضاغط علیها، أن تکون أکثر رفقا بالناس الطیبین، وأکثر حزما فی مواجهة المندسین والعابثین بالأمن وبممتلکات الناس ومقدراتهم، بحیث لا یصنفون الناس ویضعونهم فی صف واحد، حتى لا یسقط ضحایا أبریاء، ولا سیما أن هناک من وضعه الصحی فی حالة حرجة، ونسأل الله له الشفاء العاجل".
وأضاف: "نحن أمام التحرکات القادمة، وحتى لا تتکرر المشاهد المؤلمة التی لا تریدها القوى الأمنیة ولا الناس الذین نزلوا إلى ساحات الاعتصامات، ندعو منظمی هذه التحرکات إلى أن یأخذوا بعین الاعتبار دقة هذه المرحلة وخطورتها، ووجود مندسین قد یدخلون فی صفوفها من أجل حرفها عن أهدافها. إننا ندعوهم إلى تحمل مسؤولیاتهم، فلا یمکن لمن یدعو إلى تجمع أو تظاهرة أن یدع الناس لشأنهم، فهو مسؤول عن التحرک وتداعیاته، وبالقدر الذی یستطیع. وفی هذا المجال، ندعو إلى تعاون جاد بین المنظمین والقوى الأمنیة، فنحن مع کل صوت یطالب بإزالة الفساد والمفسدین، ولکننا لسنا مع خراب البلد، ولا مع من یسیء إلى السلم الأهلی، ولا نرید للبنان أن یلتحق بمسیرة الفوضى التی تعم العالم العربی، والتی نعانی تداعیاتها، أو أن یکون أی تحرک أداة فی أجندة دولیة وإقلیمیة، وحتى لا نفهم خطأ، لسنا مع الذین یقولون: إما القبول بالواقع کما هو بکل سیئاته، أو الفوضى، ولسنا مع الذین یقولون: لا فائدة من هذه التحرکات".
وأکد انه "من الواجب أن ینطلق صوت الحق والعدل دائما، وخصوصا فی مثل هذه القضایا التی نعرف أنها تحتاج إلى نفس طویل لإحداث التغییر، وحکمة، وحسن إدارة، ولا سیما فی ظل نظام تجذر طویلا، وهناک الکثیرون ممن یعیشون على مکتسباته".
وقال: نبقى فی لبنان، لننبه إلى خطورة ما یجری فی مخیم عین الحلوة، نظرا إلى موقع هذا المخیم ومحیطه، وإلى طبیعة الصراع الذی یجری داخله، والأثر الذی یترکه ذلک فی الشعب الفلسطینی، ولکونه یساهم فی زیادة تیئیس هذا الشعب، ودفعه إلى الهجرة أو التهجیر، ما یراکم معاناته، ویسیء إلى قضیته".
ودعا "الفصائل الفلسطینیة إلى تحمل مسؤولیاتها تجاه هذا الشعب، والإسراع فی العمل لإیجاد حل فی ما بینها، وکف ید کل الجهات التی ترید العبث بأمن المخیم وجواره، ولا سیما فی ظل الحدیث عن التحضیر لنهر بارد جدید".
وتوقف "عند الذکرى السابعة والثلاثین لتغییب الإمام الصدر ورفیقیه؛ هذا التغییب الذی لا یزال فی دائرة الغموض، ونخشى استمراره على الرغم من سقوط النظام اللیبی، ولکن مع کل الغموض الذی یلف هذه القضیة، فقد بات من الواضح استهداف هذه الشخصیة، حیث کان لا یراد لهذا الإمام أن یلعب دوره الریادی الذی بدأه منذ مجیئه إلى لبنان فی تعزیز روح المقاومة فی مواجهة العدو الصهیونی، وسعیه لتعزیز الوحدة الوطنیة والإسلامیة، لا سیما عندما بدأت أیادی الفتنة تعبث بهذا البلد، أو فی الجهد الذی بدأه فی العالم العربی لتعزیز مواقع قوته، أو فی دعمه للثورة الإسلامیة فی إیران، أو فی عقله الإسلامی المتنور والمنفتح على قضایا العصر، والذی کان یمثل تهدیدا لکل عقل انغلاقی، ولمن لا یرید للإسلام أن یکون له دوره فی ساحة الحیاة العامة".
وختم: "إننا أمام هذه المناسبة، لا نملک إلا أن نتوجه إلى الله لیکشف کل الغموض الذی یحیط بهذه القضیة ومجریاتها، فی الوقت الذی ندعو إلى متابعتها، ونتقدم بالشکر إلى الذین یتابعونها، حتى لا تنسى ولا تتکرر".
وکان العلامة فضل الله استقبل وفدا من حرکة "أمل"، ضم نائب رئیس المکتب السیاسی، الشیخ حسن المصری، وعضو المکتب عبد الله موسى، حیث سلمه دعوة للمشارکة فی الاحتفال الذی تقیمه الحرکة عصر الأحد فی مدینة النبطیة، فی الذکرى السابعة والثلاثین لتغییب الإمام السید موسى الصدر.