04 December 2015 - 20:46
رمز الخبر: 11871
پ
رسا ـ أکد السید علی فضل الله حول إطلاق العسکرین المخطوفین، قائلا إنه "لن یکتمل هذا الإنجاز إلا بعودة الباقین، ونأمل أن تتسارع الجهود لإطلاقهم قریبا، رغم مشقة الوصول إلى خاطفیهم"، مشددا على ضرورة " دراسة کل السبل الکفیلة بمنع تکرار ما حصل، وجعل الحدود الشرقیة عصیة على العابثین".
العلامة السيد علي فضل الله

 

ألقى العلامة السید علی فضل الله، خطبتی صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامین الحسنین فی حارة حریک وقال "عباد الله، أوصیکم وأوصی نفسی بتقوى الله، هذه التقوى التی نبلغها عندما نتوجه بصدق فی زیارتنا إلى الإمام الحسین قائلین له:"إن کان لم یجبک بدنی عند استغاثتک، ولسانی عند استنصارک، فقد أجابک قلبی وسمعی وبصری وجوارحی وکل کیانی". والإجابة التی توصل إلى التقوى لیست کلمة، بل هی مشاعر نعبر عنها عندما تخفق قلوبنا بالحب لله کما أحب الله، وهی موقف نتخذه عندما نأمر بالمعروف وننهى عن المنکر، وعندما نصغی إلى أصوات المظلومین والمقهورین والمعذبین وآهاتهم، ولا ندیر الظهر لها، وعندما نقف فی وجه الفاسدین والمفسدین ولا نخشاهم، وعندما نکون أحرارا، فلا نعطی إعطاء الذلیل ولا نقر إقرار العبید، وعندما لا تسقطنا تحدیات الباطل وضغوطه، ونقول: هون ما نزل بنا أنه بعین الله. عندما لا نرى الحیاة إلا فی أحضان العزة والکرامة، وعندما نرى الموت سعادة والحیاة مع الظالمین برما، عندها تتحقق أهداف زیارة الحسین، ونحصد نتائجها، ویصبح المشهد الملیونی فاعلا ومغیرا ومعبرا ومؤثرا فی کل الساحات، ولا یبقى الحسین فی التاریخ، بل یکون فی کل أرض وکل زمان، وعندها نصبح أقدر على مواجهة التحدیات".


تابع أن"البدایة من قضیة العسکریین المخطوفین، حیث تحقق الإنجاز الذی طال انتظاره بعودة بعضهم إلى أهالیهم ووطنهم، بعد أن عاشوا طویلا أیام رعب مع أهلهم ومحبیهم وکل اللبنانیین، ولن یکتمل هذا الإنجاز إلا بعودة الباقین، ونأمل أن تتسارع الجهود لإطلاقهم قریبا، رغم مشقة الوصول إلى خاطفیهم. ونحن فی الوقت الذی نتوجه بالشکر والامتنان والتقدیر إلى کل الذین ساهموا فی إنجاز هذا الملف المعقد، وتجاوزوا الکثیر من الحسابات لأجله، لا بد من أن نبین أن ما جرى لا ینبغی أن یبیض صفحة من قاموا بجریمة الخطف والقتل والتهدید، أو الذین سهلوا لهم ذلک. فهؤلاء تبقى صفحتهم سوداء، ولا یبیضها أمر حصل مقابل مال أو لأهداف سیاسیة أو لتنفیذ بعض شروطهم، ولم یحصل بدافع إنسانی أو دینی".


واضاف أنه" نأمل وفی ظل الثمن الباهظ الذی دفعه العسکریون وأهالیهم وکل اللبنانیین، دراسة کل السبل الکفیلة بمنع تکرار ما حصل، وجعل الحدود الشرقیة عصیة على العابثین، بعدما بدا واضحا، وعلى الهواء مباشرة، مدى تواجدهم داخل الأراضی اللبنانیة وعلى مقربة منها. وهنا، لا بد من أن نقدر للجیش اللبنانی الجهد الذی بذله ویبذله فی هذا الاتجاه، والتضحیات التی یقدمها، ومعه کل اللبنانیین".


قال إنه "فی هذا الوقت، لا یزال اللبنانیون یعیشون فی ظل المبادرة الأخیرة على أمل إنجاز حل قریب ینهی حالة الفراغ المستمر فی سدة رئاسة الجمهوریة، لما له من تداعیات، ولمساهمته فی تحریک عجلة الدولة وحل المشکلات المستعصیة والمتفاقمة التی باتت تقض مضاجع اللبنانیین، ولیس آخرها النفایات، وتأمین المناعة التی یحتاجها لبنان فی ظل تنامی صراعات المنطقة وتفاقمها".


وتابع "نحن فی الوقت الذی نرى أهمیة هذه المبادرة التی ساهمت فی تحریک هذا الملف وإخراجه من دائرة المراوحة التی کان فیها، فإننا ندعو إلى التعامل مع الاستحقاق الرئاسی على قدر کبیر من المسؤولیة، وهذا یتم عند أخذ الهواجس والمخاوف والحساسیات بعین الاعتبار، ومعالجتها، وعدم التنکر لأی منها، بعیدا عن صیغة "أنا أو الطوفان".


واکد "اننا حرصاء على أن یعالج هذا الاستحقاق بصورة سلیمة، وأن یحظى بأکبر قدر من التوافق، إن لم یحظ بالتوافق الکامل. وهنا نعید التشدید على ما قلناه سابقا من أن لبنان لا یمکن أن تحل فیه القضایا أو أن یتحقق فیه استقرار على أساس رابح وخاسر أو منتصر ومهزوم، بل على أساس رابح ورابح، فهذا هو قدر اللبنانیین وهذا هو خیارهم".


وقال إنه "فی مجال آخر، التقى العالم أخیرا فی المؤتمر الدولی فی باریس على قضیة تهم کل إنسان یعیش على سطح الکرة الأرضیة، ولا تقل خطورة عن الأزمات الکبیرة التی تهدد العالم، من الإرهاب الدولی أو إرهاب الجماعات والحروب، بل هی أخطرها، وهی قضیة تبدل المناخ، حیث یعانی العالم ارتفاع درجات الحرارة والتصحر وقلة الأمطار، وفی الوقت نفسه، تتنامى ظاهرة الفیضانات والعواصف، وهذا یحصل فی جانب کبیر منه بفعل الانبعاثات الحراریة التی تسببها الغازات السامة الناتجة من احتراق مصادر الطاقة، من المعامل والمصانع والسیارات ومحطات الکهرباء، والاستعمال المکثف للمبیدات الزراعیة، وقطع الأشجار، والتجارب النوویة، واستعمال الأسلحة الثقیلة وغیر ذلک، ما یؤدی إلى ارتفاع حرارة الأرض الذی سیتسبب بکارثة، وبشکل تدریجی، إذا تجاوز درجتین مئویتین، کما یقول الخبراء".


وقال"إن المسؤولیة فی کل ذلک تقع على جشع الإنسان وعبثه بالطبیعة وإخلاله بالتوازن البیئی ولا سیما الدول الصناعیة. وقد نبه الله إلى خطورة ذلک، حیث قال فی کتابه العزیز: {ظهر الفساد فی البر والبحر بما کسبت أیدی الناس لیذیقهم بعض الذی عملوا}. إن على الدول، ولا سیما الدول الصناعیة المتسببة بذلک أکثر من غیرها، أن تتخذ قرارا سیاسیا بالالتزام بالضوابط الکفیلة بالحد من هذه الانبعاثات، کل فی إطاره، حتى على الصعید الفردی. وهنا تأتی أهمیة التثقیف بسیاسة بیئیة صحیحة، مع التأکید أن الاهتمام بالبیئة هو جزء من الالتزام بالدین، فالله جعل الإنسان خلیفة على الأرض لیعمرها لا لیعبث بها.ولقد قال علی (علیه السلام) یوما للناس "اتقوا الله فی عباده وبلاده، فإنکم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم".


وختم "أخیرا، مر علینا فی هذه الأیام الیوم العالمی لمناهضة العنف ضد المرأة. ونحن فی هذه المناسبة، نضم صوتنا إلى کل الأصوات التی تناهض العنف ضد المرأة، لأننا نرى أن ظلم المرأة أفحش الظلم، باعتباره یمس إنسانیتها، ویمس أکثر بدورها کزوجة وکأم صانعة للرجال وللأجیال، ولکننا دائما ننبه إلى أن معالجة العنف لا تتم بالتشریعات فقط مع ضرورتها، بل بإزالة أسباب العنف، وهی کثیرة، وهی أسباب سیاسیة واجتماعیة واقتصادیة وتربویة ودینیة، فإن لم نعمل على إزالتها، فسوف تبقى الأوضاع سلبیة، وستصیب المرأة والطفل وکل إنسان ضعیف، وحتى القوی، وهذا ما یحتاج إلى جهد تربوی وتنموی على مختلف المستویات، وإلى بث ثقافة السلام والوئام والمحبة وروح التسامح وکظم الغیظ على حساب لغة القوة والانفعال والتوتر. إننا نأسف أن یقارب البعض هذا الأمر من باب التصویب على الدین، وأنه هو السبب فی آلام المرأة ومعاناتها، فالدین لم یکن یوما مشکلة للبشریة، بل هو الحل إن أخذ من مصادره الصحیحة، وإن طبق وتحول إلى مسار عملی فی مختلف جوانب الحیاة".

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.