10 February 2018 - 11:56
رمز الخبر: 441617
پ
السيد علي فضل الله:
ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: "عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستوصي بوصية الإمام زين العابدين عندما قال: "وأما حق مالك، فأن لا تأخذه إلا من حله، ولا تنفقه إلا في وجهه، ولا تؤثر به على نفسك من لا يحمدك، فاعمل فيه بطاعة ربك، ولا تبخل به، فتبوء بالحسرة والندامة".
 السيد علي فضل الله

ومتى فعلنا ذلك، فإننا سوف نكون من الآمنين الواثقين عند الوقوف بين يدي الله، حيث سنسأل يوم ينادى بنا: {وقفوهم إنهم مسئولون}.. عن مالنا من أين اكتسبناه، وفيما أنفقناه، ومتى فعلنا ذلك، سنتوخى أيضا الوقوع في فخ تسويلات الشيطان الذي توعدنا بقوله: "ما أعياني في ابن آدم، فلن يعييني منه واحدة من ثلاثة: أخذ مال من غير حله، أو منعه من حقه، أو وضعه في غير وجهه".
وقد ورد في الحديث: "إن الشيطان يدبر ابن آدم في كل شيء، فإذا أعياه جثم له عند المال، فأخذ برقبته".. فما أكثر الذين يسقطون عند المال، ولأجله يبيعون دينهم وقيمهم ومبادئهم، وقد يبيعون حياتهم وحياة الآخرين!
ولكن ماذا بعد ذلك؟ {ويل لكل همزة لمزة * الذي جمع مالا وعدده * يحسب أن ماله أخلده * كلا لينبذن في الحطمة * وما أدراك ما الحطمة * نار الله الموقدة * التي تطلع على الأفئدة * إنها عليهم مؤصدةٌ * في عمد ممددة}..
فلنتق الله في أموالنا، حتى نكون أكثر استقامة ووعيا وقدرة على مواجهات التحديات".

وقال: "البداية من لبنان، الذي طوى الأزمة التي نشأت قبل حوالى أسبوعين، وكادت أن تودي بالاستقرار الداخلي، وتعيد البلد إلى مرحلة سوداء من تاريخه، وذلك من خلال الإجراءات التي جرت على الأرض، ومنعت من تفاقم الأزمة، وتوجت باللقاء الذي جرى بين الرؤساء الثلاثة في بعبدا.
ونحن في هذا المجال، في الوقت الذي نقدر وعي القيادات السياسية، وكل الجهود التي بذلت لإعادة وصل ما انقطع على المستوى السياسي وعلى أرض الواقع، فإننا نأمل أن يكون هذا اللقاء قد رسخ قاعدة للتعامل مع الأزمات، تمنع تكرار ما حصل، وتؤسس لمرحلة جديدة من التعامل بين القوى السياسية، عنوانها سرعة التلاقي فيما بينها لحل أي خلاف، وتتجنب الخطاب الذي سرعان ما يأخذ بعدا طائفيا أو مذهبيا، حتى لا تنزل الخلافات إلى الشارع، كما حدث، رغم كل التداعيات التي تترتب عليها، وخصوصا عندما لا تكون ثمة ضوابط تحكمها، وحتى لو وضعت لها الضوابط، فما أكثر الذين يدخلون على خطها!"

وتابع: "إننا نريد لهذا اللقاء أن يبعد اللبنانيين عن أي هزات هم بالغنى عنها، فيكفيهم ما يعانون جراء التردي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، وجراء الوضع الأمني، في ظل التهديد الصهيوني المستمر، وانعكاس ما يجري في المنطقة عليهم.
إن من الطبيعي أن يحدث اختلاف في البلد، ولا سيما وسط كل هذا التنوع السياسي والطائفي، وسعي كل زعماء الطوائف لتحسين مواقعهم على حساب المواقع الأخرى.. ولكن من غير الطبيعي أن يستعاد الخطاب الطائفي بالشكل الذي حصل، سواء في النادي السياسي أو عبر مواقع التواصل أو الشاشات".

وشدد فضل الله على "اننا لا نريد أن تكتفي القيادات السياسية باللقاء على مسكن أو مهدئ أو مبرد يهدئ الساحة لضرورات المرحلة أو للظروف الطارئة، بل على الآلية الأفضل لمعالجة أي خلاف سياسي حدث أو سيحدث، كما عبرت القيادات عندما التقت، وأكدت أن يكون كل خلاف تحت سقف المؤسسات الدستورية التي تجمع الجميع، كما كنا دعونا سابقا.
ويبقى لنا في هذا المجال أن نصر مجددا على هذه اللقاءات بين القيادات الفاعلة، وأن تركز على إيلاء القضايا المعيشية والحياتية أهمية كبرى، وأن تشدد على مواجهة الهدر والفساد الذي بات ينخر في مفاصل الدولة، وأن تؤكد حل معضلة العجز المتزايد في الخزينة".

وقال: "إن على القيادات أن تخلق أمانا وطمأنينة في نفوس اللبنانيين، وخصوصا أنهم لا يشعرون بذلك حين يرون الحكومة من حولهم تصرف بدون موازنة، أو تتهيأ لصرف أكثر من نصف مليار دولار في أمور قابلة للتأجيل، وفي ظرف اقتصادي صعب ومأزوم.. لا يمكن أن نعول خلاله على موارد تأتينا من مؤتمرات الخارج، بل من جيوب المواطنين".

وتابع: "في هذا الوقت، تعلو حرارة الانتخابات التي يبدي الكثير من اللبنانيين إحباطهم وعدم ثقتهم بأنها قد تحدث تغييرا وازنا في الحياة السياسية.. ولكننا نريد لهم أن لا يحبطوا، وأن يشعروا القيادات السياسية بأنها أمام اختبار حقيقي، وأن عليها أن تخشى الاختبار في هذا الاستحقاق.. ونريد للبرامج أن تكون هي الحاكمة في هذه الانتخابات والانتخابات المقبلة، بحيث تكون محطة للحساب وللتقويم.. فالشعب أصبح أكثر وعيا ومسؤولية عن صوته وعن مستقبل وطنه".

واردف: "وفي مجال آخر ليس ببعيد عن الواقع السياسي، لا بد من التوقف عند التقارير الطبية التي أشارت إلى تضاعف نسبة الإصابة بالسرطان خلال السنوات الأخيرة إلى ثلاثة أضعاف، وبينت أسبابا عديدة لهذا الأمر، أبرزها إحراق النفايات في الهواء الطلق، ما يستدعي عملا جادا من قبل المسؤولين عن البيئة والصحة وحقوق الإنسان وكل القيادات".

وقال: "في هذا الوقت، تستمر التهديدات الصهيونية في ما يتعلق بالثروة النفطية أو بإقامة الجدار الإسمنتي على الحدود مع فلسطين المحتلة، في محاولة لتحقيق أطماع الصهاينة، وفرض أمر واقع جديد، مع ما يواكب ذلك من حركة دبلوماسية أمريكية نخشى أن تسعى إلى جر لبنان إلى مفاوضات مباشرة مع العدو الصهيوني، وفرض شروط تمس بسيادة لبنان، كثمن لإزالة كل هذه العوائق والتعديات.
وفي هذا الإطار، لا بد من أن نثمن وحدة الموقف اللبناني الرسمي في مواجهة هذا العدوان الإسرائيلي الفاضح على السيادة اللبنانية، وعدم القبول بأية مفاوضات معه، ومن ذلك القرار الذي صدر عن المجلس الأعلى للدفاع، الذي منح الصلاحية للجيش اللبناني في مواجهة أي عدوان صهيوني".

وختم فضل الله: "وأخيرا، وفي ذكرى انتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران، نتوجه بالتبريك إلى قيادة الجمهورية الإسلامية وشعبها على نجاح الإنجاز الذي ساهم في إمساك الشعب الإيراني بقراره، وأخرج إيران من الهيمنة الاستكبارية، وأعاد للأمة حيويتها وحضورها وعنفوانها، وجعل القضية الفلسطينية أم القضايا.
وتبقى المسؤولية كبيرة على الشعب الإيراني بالحفاظ على وحدته، وعدم السماح للعابثين بأمنه واستقراره بأن يجدوا مجالا رحبا لهم، مستفيدين من ظرف تعيشه إيران، بسبب الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض عليها.. في الوقت الذي ندعو كل الذين يرون في إيران خطرا عليهم، إلى أن لا يستجيبوا لمخاوف تصنع لهم، وأن يعوا أن الحوار هو وحده الكفيل بإزالة الهواجس والمخاوف.. وبذلك، لن يقعوا فريسة الاستكبار الذي يريدهم بقرة حلوبا له". (۹۸۶/ع۹۴۰)

 

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.