اکد العلامة السید علی فضل الله ان "اللبنانیین لا یزالون یعیشون تحت وطأة الصَّدمة الّتی أحدثها مشهد النفایات التی جرفتها السیول والأمطار. وهی تطوف فی عاصمة لبنان وضواحیه ومناطقه، وتهدّد بکارثة بیئیة وصحیة، وتسیء إلى جمالیة بلدهم وحضارته، والَّذی یقوم جلّ اقتصاده على السّیاحة"، موضحاً "لقد کنا نأمل أن یدفع ما جرى من هم فی موقع المسؤولیة إلى تحمّل مسؤولیتهم، وعلى الأقل الاعتذار إلى اللبنانیین مما جرى من تقصیر فی حقهم، بدلاً من تقاذف المسؤولیات، أو وضع اللوم على الطبیعة، أو إدخال ذلک فی دائرة المؤامرة، ولکن، کما اعتدنا فی هذا البلد، أنَّ المسؤول محمی بموقعه السیاسی وطائفته ومذهبه، وأن الاعتراف بالتقصیر یسیء إلى موقعیة هذه الطائفة أو هذا المذهب أو هذا الموقع السیاسی".
ولفت السید فضل الله الى ان "الواقع السّیاسیّ بقی على حاله مرتاحاً لمصیره، سوى أسفه على ما جرى، أو التخفیف من تداعیات الأزمة، وکأنَّ البلد بألف خیر، لتبقى هذه القضیة أسیرة الاتهامات المتبادلة، ولتطاول مرةً هذه الطائفة أو تلک، وهذا الموقع السیاسی أو ذاک.. ما أظهر البلد کمجموعة طوائف ومواقع سیاسیة تمارس فیه کل طائفة خیاراتها ویحدد کل موقع سیاسی مساراته بناءً على مصالحه الخاصة".
واردف خلال خطبة الجمعة: "إنَّنا أمام هذا الواقع، نعید ما قلناه أکثر من مرة من أن مشکلة هذا البلد لیست فی الأزمات، فهی تحدث فی کلّ بلد، بل فی أسلوب التعامل معها، فهی سرعان ما تسیَّس، أو تطیَّف، أو تمذهب، أو تدخل فی لعبة المصالح. فیما یبقى الإنسان فی هذا البلد آخر الاهتمامات"، مؤکداً "إنَّنا لا نرید لکلّ من هم فی مواقع المسؤولیَّة أن یتجرَّدوا من جلدتهم الطائفیَّة والمذهبیَّة والسیاسیَّة، فهذا قد لا یکون هذا واقعیاً، بقدر ما نرید لهم أن یعوا أنَّ السبیل لتحقیق ما یریدون، لا یتحقق إلا بتحقیق المصالح العامة لکلّ اللبنانیین"، مشدداً "إننا نرید لمن هم فی مواقع المسؤولیة أن یجعلوا لقمة عیش الإنسان وصحَّته وبیئته وسلامة غذائه والماء والکهرباء فی جلّ اهتماماتهم، فإذا کانت القضایا الأخرى، رغم أهمیتها، قابلة للتأجیل، فالقضایا الاجتماعیة والمعیشیة لا تؤجّل، وینبغی أن تفتح أبواب المجلس النیابی لأجلها، وتُعقد جلسات مجلس الوزراء"، موضحاً ان "ما یبقى لنا، ورأفة بهذا البلد، ولإبقاء بعض الأمل فی نفوس أبنائه، أن ندعو مجدداً إلى تبرید الخطاب السیاسی العلنی، نظراً إلى تداعیاته على الداخل، وحتى على الخارج، ولیکن الحوار مساحة لمناقشة الخلافات السیاسیة".
وعن مصادقة القضاء السعودی على إعدام عالم الدین السعودی الشیخ نمر النمر، لفت السید فضل الله الى إننا "فی الوقت الذی لا نرید أن نتدخل فی القضاء ومجریاته، ندرک، ومن خلال معرفتنا بسماحة الشیخ، حرصه على الوحدة الإسلامیة والوطنیة، والأمن الداخلی لوطنه، مع الأخذ بالحسبان الملاحظات والاعتراضات التی طرحها هنا وهناک، فهی لا تستوجب ما یحدث بقدر ما تستوجب التقدیر، فی ضوء ما عرفناه من رسالة الإسلام السمحاء التی تشدّد على قبول النقد، بل اعتباره هدیة، وهذا ما عهدناه فی سیرة النبی"ص" وأصحابه".
واضاف: "من هنا، فإننا ننتظر، وانطلاقاً من حرصنا على أفضل العلاقات بین کلّ مکونات هذا البلد، وللحؤول دون حصول أیة تداعیات سلبیة على تنفیذ هذا الحکم، لو قدّر له أن ینفّذ، إطلاق صراح هذا الشیخ الجلیل وعودته إلى أهله وعائلته ومحبیه، لیمارس دوره الرسالی، وهو الأمین على مصالح وطنه ووحدته، ونرى أن ذلک هو القرار الحکیم والصّائب لمثل هذه القضیة".
وإلى سوریا، نأمل أن "تساهم الحرکة السیاسیة التی تجری فی داخلها، وفی أکثر من عاصمة عربیة وأوروبیة، فی الوصول إلى تسویة تزیل عن کاهل الشعب السوری آثار المحنة الطویلة التی یعانیها، ویعید لسوریا دورها الفاعل والرائد فی العالم العربی"، داعیاً "الدول العربیة، وانطلاقاً من الشعور بالمسؤولیة تجاه هذا البلد العربی وشعبه، أن تکون أکثر حرصاً على إیقاف نزیف الدم السوری الذی هو دم عربی، فقد آن الأوان لأن ننهی هذه المأساة التی تستنزفنا جمیعاً، ونخرج من المنطق الراهن؛ منطق تصفیة الحسابات الضیّقة وردود الفعل".
وحول فلسطین قال "أما فلسطین فإنّ شعبها یتابع انتفاضته دون أن یثنیه عن ذلک کل التهدیدات والاعتداءات الصهیونیة، وقرارات سحب الجنسیة من المواطنین الفلسطینیین المقیمین فی القدس"، معرباً عن اسفه "کلّ العالم العربی والإسلامی وکل دعاة حقوق الإنسان فی العالم، یغط فی سبات عمیق، حیث لم تکن ردود الفعل بمستوى الجرائم الصهیونیة التی ارتکبت، ولا بمستوى الأهداف التی سعى الکیان الصهیونی إلى تحقیقها. لقد بات الشعب الفلسطینی أکثر وعیاً، ولم تعد تنطلی علیه الألاعیب الصهیونیة التی تتحدث عن حرص الصهاینة على أمن المصلین وحریتهم، وعلى عدم وصول المستوطنین إلى حرمة المسجد، فی حین قالت نائب صهیونیة: "حلمی أن أرى علم (إسرائیل) یرفرف فوق جبل الهیکل"، وهی التسمیة الصهیونیة للمسجد الأقصى، ولیواکب ذلک هجمة جدیدة من المستوطنین على المسجد، غیر مبالین بما تم الحدیث عنه من تفاهمات"، داعیاً "الشعب الفلسطینی الى المزید من الوحدة والتماسک لمواجهة هذه الغطرسة الصهیونیة، وإلى الشعوب العربیة والإسلامیة بأخذ دورها فی حمایة هذا الشعب، فهل من مجیب".
وحول المخدرات التی صدرت من قبل قوات الامن صرح "لا بدّ من أن نطلّ على مسألة المخدّرات الّتی ظهر خطرها أخیراً من خلال حجم الکمّیات المصادرة، والّتی باتت تشکّل معضلة کبیرة للبنان وللعالم العربی، ووسیلة إفساد للشباب وللجیل الصاعد، وهدم للأسرة وللأمن الاجتماعی والقیم الأخلاقیة والدینیَّة. إننا فی الوقت الذی نقدّر للقوى الأمنیة دورها فی حمایة البلاد العربیَّة وغیر العربیة، ومنع وصول هذه الآفة إلیها، ندعو إلى "المزید من بذل الجهد لعدم جعل لبنان بؤرة لها، ما یترک آثاراً سلبیة على صورة لبنان واللبنانیین، وندعو إلى الضرب بید من حدید وملاحقة على کلّ الضّالعین بتسویقها وترویجها، مهما کان موقعهم أو دینهم أو مذهبهم".
کما تقدَّم السید فضل الله "بأحرّ التعازی إلى عائلة السید حیدر الحسنی، الَّذی توفّی فی رحاب الأرض المقدّسة وهو فی ثیاب إحرامه فی منى، بعد أن تمّ التعرّف إلیه، سائلین المولى أن یتغمّده هو وکلّ الَّذین سقطوا فی هذه البقعة الطاهرة، بالمغفرة والرحمة".