أجاب آیة الله السیستانی على استفتاء تقدم به مجموعة من المؤمنین جاء فیه "نحن نتوجّه الى کربلاء المقدّسة بمناسبة أربعینیة الإمام الحسین(علیه السلام)، نحتاج إلى توجیهات أبویة بهذه المناسبة العظیمة لتکون الفائدة أکبر والجزاء أعظم وللتنبیه عمّا نغفل عنه أو لا نعلم أجره، نأمل أن یکون التوجیه لکافة شرائح المجتمع، أدام الله نعمة وجودکم المبارک إنّه سمیع قریب ونسألکم الدعاء".
وأجاب المرجع السیستانی أنه "ینبغی أن یلتفت المؤمنون الذین وفقهم الله لهذه الزیارة الشریفة انّ الله سبحانه وتعالى جعل من عباده أنبیاء واوصیاء لیکونوا أسوة وقدوة للناس وحجّة علیهم فیهتدوا بتعالیمهم ویقتدوا بأفعالهم، وقد رغّب الله تعالى إلى زیارة مشاهدهم تخلیداً لذکرهم واعلاء لشأنهم ولیکون ذلک تذکرة للناس بالله تعالى وتعالیمه وأحکامه ، حیث إنهم کانوا المثل الأعلى فی طاعته سبحانه والجهاد فی سبیله والتضحیة لأجل دینه القویم".
وتابع أنه "وعلیه فإنّ من مقتضیات هذه الزیارة مضافاً إلى إستذکار تضحیات الإمام الحسین(علیه السلام) فی سبیل الله تعالى هو الإهتمام بمراعاة تعالیم الدین الحنیف من الصلاة والحجاب والإصلاح والعفو والحلم والادب وحرمات الطریق وسائر المعانی الفاضلة لتکون هذه الزیارة بفضل الله تعالى خطوة فی سبیل تربیة النفس على هذه المعانی تستمر آثارها حتى الزیارات اللاحقة وما بعدها فیکون الحضور فیها بمثابة الحضور فی مجالس التعلیم والتربیة على الإمام(علیه السلام).
وأضاف "إننا وإن لم ندرک محضر الأئمة من أهل البیت (علیهم السلام) لنتعلم منهم ونتربى على أیدیهم الإّ أنّ الله تعالى حفظ لنا تعالیمهم ومواقفهم ورغّبنا إلى زیارة مشاهدهم لیکونوا أمثالاً شاخصة لنا واختبر بذلک مدى صدقنا فیما نرجوه من الحضور معهم والإستجابة لتعالیمهم ومواعظهم ، کما اختبر الذین عاشوا معهم وحضروا عندهم، فلنحذر عن أن یکون رجاؤنا أمنیة غیر صادقة فی حقیقتها، ولنعلم أننا إذا کنّا کما أرادوه (صلوات الله علیهم) یرجى أن نحشر مع الذین شهدوا معهم، فقد ورد عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) أنّه قال فی حرب الجمل : أنه (قد حضرنا قوم لم یزالوا فی أصلاب الرجال وأرحام النساء، فمن صدق فی رجائه منا لم یصعب علیه العمل بتعالیمهم والإقتداء بهم ، فتزکّى بتزکیتهم وتأدب بآدابهم".
واکمل "فالله الله فی الصلاة فإنها ـــ کما جاء فی الحدیث الشریف ـــ عمود الدین ومعراج المؤمنین إن قُبِلت قُبِلَ ما سواها وإن رُدّت رُدَّ ما سواها، وینبغی الإلتزام بها فی أول وقتها فإنّ أحبّ عباد الله تعالى إلیه أسرعُهم استجابة للنداء إلیها ، ولا ینبغی أن یتشاغل المؤمن عنها فی اول وقتها بطاعةٍ أخرى فإنها أفضل الطاعات، وقد ورد عنهم(علیهم السلام) : (لا تنال شفاعتنا مستخفّاً بالصلاة). وقد جاء عن الإمام الحسین (علیه السلام) شدّة عنایته بالصلاة فی یوم عاشوراء حتى إنّه قال لمن ذکرها فی أول وقتها : ((ذکرت الصلاة جعلک الله من المصلّین الذاکرین)) فصلّى فی ساحة القتال مع شدّة الرمی".
وأوصى بالاخلاص بالقول"الله الله فی الإخلاص فإنّ قیمة عمل الإنسان وبرکته بمقدار إخلاصه لله تعالى ، فإنّ الله لا یتقبّل الإّ ما خلص له وسلم عن طلب غیره. وقد ورد عن النبی (صلى الله علیه وآله) فی هجرة المسلمین إلى المدینة أنّ من هاجر إلى الله ورسوله فهجرته إلیه ومن هاجر إلى دنیا یصیبها کانت هجرته إلیها، وان الله لیضاعف فی ثواب العمل بحسب درجة الإخلاص فیه حتّى یبلغ سبعمائة ضعف والله یضاعف لمن یشاء، فعلى الزوار الإکثار من ذکر الله فی مسیرتهم وتحرّی الإخلاص فی کل خطوة وعمل، ولیعلموا ان الله تعالى لم یمنَّ على عباده بنعمة مثل الإخلاص له فی الإعتقاد والقول والعمل، وان العمل من غیر إخلاص لینقضی بانقضاء هذه الحیاة وأمّا العمل الخالص لله تعالى فیکون مخلّداً مبارکاً فی هذه الحیاة وما بعدها ".
وقال المرجع الدینی "الله الله فی الستر والحجاب فإنّه من أهمّ ما اعتنى به أهل البیت (علیهم السلام) حتّى فی أشدّ الظروف قساوة فی یوم کربلاء فکانوا المثل الأعلى فی ذلک، ولم یتأذّوا(علیهم السلام) بشیء من فعال أعدائهم بمثل ما تأذّوا به من هتک حُرَمهم بین الناس، فعلى الزوار جمیعاً ولا سیّما المؤمنات مراعاة مقتضیات العفاف فی تصرفاتهم وملابسهم ومظاهرهم والتجنب عن أی شیء یخدش ذلک من قبیل الألبسة الضیّقة والإختلاطات المذمومة والزینة المنهىّ عنها، بل ینبغی مراعاة أقصى المراتب المیسورة فی کل ذلک تنزیهاً لهذه الشعیرة المقدّسة عن الشوائب غیر اللائقة".
وختم المرجع السیستانی بالقول"نسأل الله تعالى أن یزید من رفعة مقام النبی المصطفى(صلى الله علیه وآله) وأهل بیته الأطهار(علیهم السلام) فی الدنیا والآخرة بما ضحّوا فی سبیله وجاهدوا بغیة هدایة خلقه ویضاعف صلاته علیهم کما صلّى على المصطفین من قبلهم لا سیما ابراهیم وآل ابراهیم کما نسأله تعالى أن یبارک لزوار أبی عبد الله الحسین(علیهم السلام) زیارتهم ویتقبلها بأفضل ما یتقبل به عمل عباده الصالحین حتّى یکونوا فی سیرهم وسیرتهم فی زیارتهم هذه وما بقی من حیاتهم مثلاً لغیرهم وأن یجزیهم عن أهل بیت نبیّهم (علیهم السلام) خیراً لولائهم لهم واقتدائهم بسیرتهم وتبیلغ رسالتهم عسى أن یُدعَوا بهم(علیهم السلام) فی یوم القیامة حیث یدعى کل أناس بإمامهم وأن یحشر الشهداء منهم فی هذا السبیل مع الحسین(علیه السلام) وأصحابه بما بذلوه من نفوسهم وتحمّلوه من الظلم والاضطهاد لأجل ولائهم إنّه سمیع مجیب.