هذا هو هم الحسين في آخر وصاياه، والوصية عادة هي أهم ما يشغل بال الإنسان، فكيف إذا كانت صادرة عن الإمام! كان همه أن نتوجه إلى الله وحده في طلباتنا وحاجاتنا، وألا نتوجه إلى غيره، وألا نظلم أحدا ممن بيدنا أمره، ولا نستغل ضعفه وحاجته وظروفه. بذلك وحده نعبر عن حبنا للحسين وولائنا له".
وأضاف: "البداية من لبنان بحيث عادت إليه البرودة في السجالات، والتي تسبب بها الحديث عن ضرورة الاتفاق على ما يسمى السلة شرطا مسبقا لانتخاب رئيس للجمهورية، وهو ما اعتبره البعض انتقاصا من موقع رئاسة الجمهورية وتقييدا له، بعدما حرص الجميع على التهدئة وإبعاد مثل هذا السجال عن ساحة التداول الإعلامي، ولا سيما بعدما أعطي البعد الطائفي.
ونحن في الوقت الذي كنا نأمل أن تنأى المواقع الدينية عن أن تكون في واجهة هذا السجال، نأمل أن تساهم أجواء البرودة القائمة في إفساح المجال للحوار المطلوب بين الأفرقاء في لبنان، بما يؤدي إلى إزالة العقد الداخلية التي تقف حجر عثرة في وجه إنهاء الشغور في الملف الرئاسي، والذي تساعد عدم ممانعة الدول المؤثرة في القرار اللبناني على تحقيقه.
وهنا، نعيد التشديد على ما بات واضحا من أن لبنان سيبقى محكوما بالتوافق الداخلي، فلا تطغى فيه طائفة على أخرى، ولا يهمش فيه موقع سياسي محسوب على طائفة لحساب موقع سياسي آخر، وهذا ما يساهم في تعزيز اللحمة الداخلية والحفاظ على الاستقرار، ويقلل من التدخلات الخارجية، لكننا ندعو دائما إلى أن يبقى هذا الحوار محكوما بالمصلحة الوطنية، لا أن يكون حوار توزيع الجبنة وتقاسم الحصص على مستوى شخصي أو حزبي، مما اعتادته القوى النافذة، وهو سبب مشاكل البلد والفساد المستشري فيه.
وتابع: "في هذا الوقت، نشعر مع كل اللبنانيين بارتياح لعودة النشاط الحكومي، الذي نريده أن يولي الاهتمام لمصالح الناس، وأن يخفف من معاناتهم ومن الأزمات الاجتماعية التي تهدد لقمة عيشهم. وهنا، نقدر للحكومة تقديماتها الى مزارعي التفاح والقمح، ولكن هذا الأمر ليس هو الحل المرجو، تضاف إلى ذلك أزمة الميكانيك والنفايات، والحديث المتزايد عن أزمة نقدية مقبلة قد تصيب الليرة اللبنانية، وصولا إلى التحدي الأمني المستمر والمحدق بهذا البلد، الذي يبقى في عين العاصفة ما دامت المنطقة من حوله في حال صراع، ما يستدعي من المسؤولين الارتقاء إلى مستوى هذه التحديات الخطيرة.
وإلى سوريا، هذا البلد الذي تتفاقم معاناة إنسانه، ويزيد دمار بنيته التحتية، ولا يوجد أفق لحل قريب ينهي الصراع الدامي فيه، ولا سيما بعدما تحول إلى ساحة صراع وتجاذب بين الدول الإقليمية وبين روسيا وأميركا، بعد انتهاء تفاهمهما على هذا البلد، من دون أن يأخذ أحد في الاعتبار التداعيات الإنسانية المؤلمة لهذه الحرب المستمرة".
وقال: "أمام هذا الواقع، لن نراهن على مبادرات غير واقعية، بل على زيادة الوعي لدى الجميع، فلا خيار أمامنا إلا المصالحات التي تعري الإرهاب والإرهابيين، والحفاظ على ما تبقى من حس إنساني أو إسلامي أو عروبي لدى الدول التي تمسك بقرار هذا البلد وتؤثر فيه، وإن كنا لا نتوقع الكثير في هذا المجال.
وإلى العراق، الذي يتابع جيشه الاستعداد للمنازلة الأخيرة مع الإرهاب الجاثم على صدر الموصل، والمستمر في عملياته الإجرامية ضد المدنيين. وأيضا، تبرز أزمة بين العراق وتركيا، نخشى تأثيراتها وتداعياتها على العلاقة بينهما، والتي قد تصل إلى نزاع وأبعد من ذلك.
وأضاف: "إننا أمام ما يحدث، ندعو البلدين إلى تعزيز لغة الحوار التي تضمن سيادة العراق على أراضيه، من دون إحداث أي توتر أو تصعيد في العلاقات العراقية ـ التركية، بما يضمن مصالح البلدين.
وإلى فلسطين، حيث يستمر العدو في ممارساته القمعية والاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، وفي حصاره البري والبحري والجوي المستمر على قطاع غزة. وهنا، لا بد من أن نحيي ما قامت به ناشطات من عدة دول، إذ توجهن على ظهر سفينة "زيتونة" لكسر الحصار عن غزة، لولا قيام العدو الصهيوني باعتقالهن. وقد أردن من ذلك رفع صوت الإدانة عاليا لهذا العدوان المتواصل على غزة، بفعل الحصار المحكم عليها، وإيصال معاناة الشعب الفلسطيني إلى العالم".
وتوقف عند "ذكرى عاشوراء الأليمة، التي لا تقف حدودها عند مذهب أهل البيت، بل هي مناسبة لكل مسلم، إلى أي مذهب انتمى، فالحسين في نظر كل المسلمين هو سيد شباب أهل الجنة، وهو إمام قام أو قعد، بنص رسول الله، كما أنها مناسبة لكل إنسان يؤمن بالعدل والقرار الحر، فالحسين(ع) سفك دمه لأنه داعية إصلاح وعدل وتغيير، ولأنه رفض أن يعطي إعطاء الذليل ويقر إقرار العبيد، والحسين في ذلك لم يخرج مقاتلا، بل خرج ناشرا للوعي، داعيا إلى المعروف، ناهيا بالمنكر، لكن منطق الطغاة يرد على الكلمة والمنطق بالسيف وإشهار السلاح".
وقال: "في هذا الجو، نحن مدعوون إلى أن نعبر عن حبنا وصدق مشاعرنا لمن أعطى كل شيء من أجل أن يبذر فينا بذور العزة والحرية والإباء والشموخ، بالحضور الكثيف في مجالس العزاء، ولنحرص على أن يكون تعبيرنا حضاريا منطلقا من وحي الرسالة والقيم التي استشهد الحسين من أجلها".
وختم: "إن الحسين لا يريد منا أن ندمي رؤوسنا بالسيف، وأن نضرب ظهورنا بالسلاسل، بل أن نواسيه بأن نكون حيث كان في مواقع العدل والحرية حتى الاستشهاد، فهو لم يضرب رأسه بالسيف وظهره بالسلاسل، بل ضرب وهو في ساحة الجهاد. هكذا يكون ولاؤنا وإخلاصنا للحسين، وبذلك نعلي شأن عاشوراء ونعزز حضورها.(۹۸۶۳/ع۹۴۰)