"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الله عندما قال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون* واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها..}".
اضاف: "قد نختلف في الحياة بآرائنا وتوجهاتنا وأساليبنا، وقد يخطئ بعضنا بحق البعض الآخر، ومن منا لا يخطئ! وقد يسيء بعضنا إلى البعض الآخر، ومن منا لا يسيء، ولو دون قصد! ولكن رغم كل ذلك، علينا أن لا نتفرق أو نتباعد أو نتحاقد، أو نسعى إلى إسقاط بعضنا البعض، بل أن نتراحم، وأن يكون المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا، ويقوي بعضه بعضا، وينصح بعضه بعضا، ويعذر بعضه بعضا، ويرى أن ما يجمعه مع الآخر، كبير كبير، وهو يتصل بالله، وأية علاقة أسمى من هذه العلاقة!"، مؤكدا انه "بهذا المجتمع المتحاب المتواد، الذي يتمثل بكلام رسول الله: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى"، واجهنا تحديات الماضي، وبه نواجه تحديات الحاضر والمستقبل".
وتابع: "والبداية من لبنان، الذي لا يزال يعيش أجواء المراوحة في كل الملفات المطروحة، بفعل استمرار التجاذب السياسي بين أطرافه الداخلية، والتصعيد الجاري في المنطقة حوله، فقطار الحل لم تبدأ عجلاته بالتحرك، وبارقة الأمل التي تعلق بها اللبنانيون، للخروج من المأزق الذي يعيشونه في الملف الرئاسي، لا تزال تنتظر الإنعاش، الذي لا يبدو أنه سيأتي سريعا. والمسؤولية الأساس تبقى على عاتق القوى السياسية اللبنانية، التي من مسؤوليتها أن تنتج حلا، رأفة بالبلد وإنسانه".
وقال: "في ظل هذا الواقع، نرى أهمية الاستمرار في أجواء التبريد التي تشهدها الساحة السياسية الداخلية، والتي أدت إلى انكفاء الحديث الحاد عن التحرك في الشارع، مع ما يستتبع ذلك من مخاطر وردود فعل، ووفرت الفرصة لاستمرار جلسات مجلس الوزراء، وصدور قرارات كان من الصعب صدورها لو بقيت هذه الأجواء. ونأمل أن يواكب ذلك بالمبادرة إلى تفعيل عمل المجلس النيابي، بعدما بدأت دورته التشريعية، ما يؤدي إلى الإفراج عن القوانين النائمة في أدراجه؛ تلك القوانين التي تهم مصالح اللبنانيين، ولا سيما قانون الانتخاب، فلا ينبغي أن يكون إغلاق المجلس النيابي وسيلة ضغط لأحد".
واكد "ان اللبنانيين أحوج ما يكونون إلى استمرار أجواء التبريد، لتجاوز المرحلة الصعبة على المستوى الاقتصادي، حيث يزداد المأزق والفقر والحاجة والخوف الأمني المتزايد، والذي عبرت عنه تقارير التحقيقات الحالية مع الشبكات التي جرى توقيفها، والتي أنبأت عن خطط لتفجيرات تطال أماكن عامة، وإمكانية انعكاس الصراع الدامي الذي تعيشه المنطقة على الداخل اللبناني، ولا سيما في ما تنتجه من توتر طائفي ومذهبي، أو في تأثيرها في القوى السياسية المحسوبة على محاور الصراع الدولي والإقليمي".
وتابع: "وإلى سوريا، التي يستمر فيها نزيف الدم والدمار، ولا نرى أي أفق لتسوية تنهي معاناة إنسان هذا البلد، في ظل اشتداد الصراع الدولي والإقليمي، والحديث المتزايد عن السعي لتسليح المعارضة بأسلحة أكثر تطورا، وعن تدخلات عسكرية، رغم كل هذا الدمار الذي يظهر جفاف المشاعر الإنسانية والدينية، وانسداد الأفق أمام حسم الأمور لحساب السوريين، في ظل هذا الصراع الدامي. إننا نأمل، وإن لم يكن هذا الأمر سهلا، أن تؤدي الاجتماعات المرجوة المقبلة في جنيف ولوزان، إلى تحريك هذا الملف، وتبريد الصراع الذي نخشى نتائجه وارتداداته".
واضاف: "أما اليمن، فقد كنا ننتظر أن تؤدي المجزرة التي حصلت فيه، والتي هزت مشاعر الأمين العام للأمم المتحدة، إلى العمل من أجل إخراج هذا البلد من معاناته، منعا لحدوث مجازر جديدة، ولكن يبدو أن قرار التصعيد مستمر، وقد ازداد بفعل الغارات الأميركية، بعد الحديث غير الموثق عن تعرض إحدى بارجاتها لإطلاق نار، ما يزيد الأمور تعقيدا، ويترك هذا البلد يواجه مصيره لوحده، مع ما يستتبع ذلك من ازدياد معاناته. ونحن هنا، سنبقى نراهن على قدرة هذا الشعب على الخروج من آلامه ومعاناته، واستعادة حريته بيده".
واشار "إلى العراق، الذي يستعد بكل طوائفه ومذاهبه وعشائره لتحرير الموصل وإخراجها من دائرة الإرهاب. ولكن في المقابل، وعلى المستوى الإقليمي، هناك من يسعى إلى مذهبة هذا الصراع، وإلى حرفه عن مساره، أو جعله قوميا، بحيث صرنا نسمع حديثا عن ضرورة عدم مشاركة هذا المذهب أو هذه القومية في المواجهة، ما يسيء إلى صورة العراق الموحد على منطق مواجهة الإرهاب، والحريص على تنوع طوائفه ومذاهبه وقومياته، وعدم طغيان طائفة على أخرى، أو مذهب على آخر، أو قومية على أخرى".
وقال: "وأخيرا، نعود إلى فلسطين المنسية، التي يصر شعبها على الصمود، وعلى إظهار علامات القوة في مواجهة العدو الصهيوني، الذي يمعن قتلا واعتقالا واستيطانا. وقد كانت العملية الأخيرة في القدس، التي أصابت من العدو وجنوده مقتلا، تعبيرا عن إرادة هذا الشعب، الذي لن يستكين لإرهاب العدو، ولن يسكت على احتلال القدس وفلسطين وتدنيس المقدسات، ما دام فيه رمق من الحياة، وهو لن يأبه لكل اللاهثين وراء التطبيع مع هذا العدو".
وحيا "الشعب الفلسطيني الذي يثبت في كل مرحلة أنه قادر على ابتداع أساليب جديدة في مواجهة العدو والتصدي له، لإبقاء قضيته حية، من خلال الحركة المستمرة في الشارع، والمواجهات البطولية، وصولا إلى كل المواقف التي يطلقها هؤلاء الأحرار القابعون خلف القضبان، الذين تنبض قلوبهم بالحرية. وفي هذا المجال، لا بد من أن ننوه بالقرار الجريء الصادر عن منظمة الأونيسكو، التابعة للأمم المتحدة، في نفيها لمزاعم الصهاينة بوجود ارتباط بينهم وبين المسجد الأقصى، حيث يزعمون أنه بني على أنقاض هيكل سليمان، معتبرة أنه مكان مقدس للمسلمين، ولا حق للصهاينة فيه.. ونأمل أن يبنى على هذا الموقف ما يحفظ حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وبلاده ومقدساته".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)