جاء هذا الحديث عند زيارته للعتبات المقدسة أيام ولادة النبي المصطفى (ص)، وحفيده الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) وإزاحة الستار عن القبة العلوية بعد تذهيبها وزيارته لسماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني، فكان يستمع إلى توصياته وتوجيهاته القيمة للزائرين الذين كانوا يتوافدون على مكتبه في النجف الأشرف مصبحين وممسين من مختلف الدول العربية والأروبية و الخليجية والأفريقية والآسيوية.
وكان سماحته يستقبل زائريه مجموعة مجموعة رجالا و نساء وشيبا شبابا ويتحدث إليهم بكل لطف ومحبة محيياً أولاً زواره و مرحباً بهم و داعياً لهم بالتوفيق و التسديد لما فيه خير الدنيا و الآخرة ومخاطباً اياهم: إني لا أنساكم من الدعاء أبداً لأنكم تعيشون في قلبي و مشاعري و حبي لكم أكثر من حبكم لي.
ومن أهم الوصايا التي ذكرها سماحته لهم هي ما يلي:
١- أن لا تقتصر زيارتكم لمراقد الأئمة الأطهار( ع) على المراسيم الظاهرية المتعارف عليها، بل على الزائر الكريم أن يستجلي العظات والعبر والدروس والأخلاق من حياة المزور له، كأن يتعلم من صبره وعدله وصدقه وإيمانه وغيرها من صفات الكمال التي يتصف بها الإمام المعصوم (ع)، لأننا نعتقد بأن الأئمة ( ع) كما هم قدوة لنا في حياتهم كذلك هم قدوتنا بعد استشهادهم، لما تركوه من تراث ضخم في مختلف المناهج التربوية والأخلاقية والتثقيفية التي لو عمل بها المسلمون لما تسلط عليهم الأشرار والطغاة والجبابرة، وأكد سماحته على الزائرين ثانيةً: المهم أن يرجع الزائر بحصيلة مثمرة من أخلاق الأئمة (ع) عند رجوعه من الزيارة بحيث تبدو آثارها على أهله وإخوانه متحلين بما اكتسبه من آثار الزيارة.
٢- أوصاهم بالتعاون فيما بينهم في مختلف شؤون حياتهم الدينية والدنيوية مستشهداً بقول الإمام الصادق (ع): ( للمؤمن على أخيه المؤمن أربعين حق أيسره أن تحب له ما تحب لنفسك) بمعنى أن كل ما تريده من خير لنفسك و لأولادك و لأهل بيتك تريده لغيرك، فَلَو أنك تحب أن يكون ولدك عالماً أو طبيبا، أو متفوقاً في العلوم والمعارف فليكن نظرك هذا إلى أخيك بمثل ما تراه لنفسك، ولو افترضنا أن كان هو بهذا الموقع بدلاً عنك فلا تحسده على ذلك ولا تنظر إليه بنظرة غير مريحة كونه حصل على ما يريد ولم تحصل على ذلك، وكأن سماحة المرجع (مد ظله ) بكلامه هذا يريد رفع الحاجز بينك وبين إخوانك فيما تحب و تكره، وفي الحقيقة هذا ميزان دقيق وامتحان عسير قد يسقط فيه البعض إلا من عصم الله قلبه من الهوى وحب النفس.
٣- حث الآباء والأمهات على الاهتمام بتربية أبنائهم الدينية منذ الصغر جرياً على تعاليم السنة النبوية الشريفة التي تقول إذا ولد المولود يؤذن في أذنه اليمنى و يقام في اليسرى، وقال سماحته أن هذا المعنى سيبقى مخزوناً في عالم اللاشعور، كما أكد على الأبوين بأن يصحبا أبناءهما وقت صلاتهما لله (عز وجل) إلى المصلى ليروهم كيفية الركوع والسجود وكيف يكبرون ويهللون، ويلقنونهم معرفة الله وأسماء النبي (ص) والأئمة (ع) ويعلمونهم أصول دينهم وفروعه عملاً بتوصيات الأئمة (ع) في مجال التربية الدينية، كما يؤكد سماحته على الاهتمام بحفظ القرآن الكريم والمحافظة على اللغة الأم للطفل إلى جانب اللغات الأخرى التي يتعلمونها في بلدانهم، لأن بالمحافظة على اللغة الأم سوف لا تنفصل الصِّلة بينهم وبين عقيدتهم لأنها هي الرابطة الوثيقة بين بقائها و انسلاخها.
٤- أكد على استثمار الوقت و الاستفادة من كل دقيقة تمر على الإنسان لأن الوقت كما يقال أغلى من الذهب فالذهب يستعاض ولكن الوقت لا يستعاض وقد قال الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة إن الحياة دقائق وثواني
فاحرصوا كل الحرص أن لا تضيع أوقاتكم سدى واستفيدوا منها لدنياكم وآخرتكم، وقال سماحته: نرى اليوم أبناء الأمم الراقية لا يضيعون أوقاتهم حتى في رحلاتهم وأسفارهم فتجدهم دائماً يصحبون الكتاب والصحيفة ووسائل التواصل التي يستفاد منها هذا اليوم وقديماً قد قيل: (كن عالما أو متعلما ولا تكن الثالث فتهلك)، وقال إن الأمم بلغت سلالم الرقي في العلوم والمعرفة من خلال الاستفادة من الوقت و استشهد على ذلك بالصينيين واليابانيين ممن ساهموا في ازدهار الحياة و تطورها.
٥- احترامه وتبجيله للعلماء أصحاب الكفاءات العلمية والسياسية والعسكرية والصناعية والاجتماعية وغيرهم ويعتبرهم أهلاً للإحترام والتقدير لما يحملونه من علم ومعرفة كل حسب اختصاصه، وبمعنى أوضح لا يقتصر تجليله لرجال الدين فقط مع احترامه وتقديره الفائق لهم بل يحترم كل من ينفع المجتمع بعلمه و قدراته و خدماته.
٦- كما أوصى سماحته الزائرين بالتعايش والتحاب مع المجتمعات التي يعيشون فيها بغض النظر عن دينهم وعقيدتهم وعرقهم ولونهم لقوله تبارك تعالى: ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)).(۹۸۶۳/ع۹۴۰)