"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به أمير المؤمنين عندما قال: "أوصيكم بتقوى الله، فإنها خير ما تواصى العباد به، وخير عواقب الأمور عند الله، ألا وإن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها، وأصبحت تغضبكم وترضيكم، ليست بداركم، ولا منزلكم الذي خلقتم له، ولا الذي دعيتم إليه، ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها، وهي وإن غرتكم منها، فقد حذرتكم شرها، فدعوا غرورها لتحذيرها، وأطماعها لتخويفها، وسابقوا فيها إلى الدار التي دعيتم إليها، وانصرفوا بقلوبكم عنها، ألا وإنه لا يضركم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم، ألا وإنه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شيء حافظتم عليه من أمر دنياكم. أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق، وألهمنا وإياكم الصبر. لقد أراد أمير المؤمنين أن يوضح لنا صورة الدنيا حتى لا تغرنا بزخارفها وزينتها، وننسى لماذا قدمنا إليها وإلى أين نحن ذاهبون بعد أن نغادرها. إن الواعين هم الذين جعلوا الدنيا وسيلتهم إلى الآخرة، وتزودوا فيها ليرتقوا إلى أعلى المراتب.. هؤلاء هم الذين تنعم بهم الحياة، ويقفون ثابتين في مواجهة التحديات".
وأضاف: "البداية من لبنان، الذي شهد هذا الأسبوع حركة باتجاه الخارج، قام بها رئيس الجمهورية إلى السعودية وقطر، كجزء من زيارات ستشمل بلدانا أخرى، بهدف تعزيز علاقة لبنان بهذين البلدين، وإزالة توترات حكمت هذه العلاقة في مراحل سابقة، ونأمل أن يكون ذلك قد حصل. وفي هذا المجال، فإنَّنا مع كل ما يعزز انفتاح البلد على محيطه العربي والإسلامي، ما دام ذلك يؤمن مصلحة لبنان واللبنانيين، ويساهم في تعزيز الاستقرار الذي حصل، نظرا إلى الدور المؤثر لهذين البلدين في الساحة اللبنانية".
وتابع: "في هذا الوقت، يستمر الجدل حول القانون الانتخابي، في ظل المشاريع الكثيرة المطروحة، والتجاذب بين القوى السياسية حولها، حيث يريد كل فريق القانون الذي يناسبه ويؤمن له عدم خسارة المكتسبات التي حصل عليها. ونحن في الوقت الذي نؤكد أهمية الخروج بقانون يضمن سلامة التمثيل، ويساهم في تجديد الحياة السياسية، ويبعدها عن الاستئثار، نرى أن المرحلة لن تشهد هكذا قانون، في ظل استمرار منطق التسويات بين القوى السياسية، الذي سيفضي في النهاية إلى قانون، إن لم يكن الستين، سيكون قريبا منه. ونحن نعتقد أن هذا ما تم التوافق عليه، وما يجري الآن هو عملية إخراج له إلى العلن، مع إخفاء عيوبه وتزيينه حتى يكون مقبولا. ولذلك، نقول للبنانيين الذين يحلمون بالتغيير، ويريدون أن يروا لبنان بمستوى طموحاتهم وأحلامهم: لا تنتظروا هذا التغيير من هذه الطبقة السياسية، فلن يقر أحد قانونا يلغي به نفسه، أو يفقده مكاسب سبق وحصل عليها. لذلك، كان التغيير وسيبقى بيد الشعب الذي ندعو دائما إلى أن يكون حاضرا، وأن يرفع صوته، وأن يراقب ويحاسب حتى يحسب له حساب".
ونوه "بالحملة التي حصلت يوم الأحد الماضي في مواجهة شركتي الخلوي والغبن الَّذي يتعرض له المواطن منهما، ونراها خطوة إيجابية نأمل أن تواكبها خطوات على أكثر من صعيد".
ورأى أن "السبيل لإنقاذ وطن يتهدده الفساد المستشري في مفاصله، والدين العام الذي تجاوز 74 مليارا، لا يتم إلا من خلال مسؤولين يتحسسون مسؤولياتهم، وشعب لا يستقيل من دوره، بعدما بات واضحا أن لا أفق من حلول تأتي من الخارج. وإذا كان هناك من يتحدث عن نفط وغاز، فهو مسار طويل، وإن بدأ العمل به الآن، فسيحتاج إلى سبع أو ثماني سنوات لتسويقه، وما يدرينا حينها كيف ستكون أسعار النفط والغاز".
وتابع: "إلى سوريا، التي دخل العدو فيها مجددا على الخط، من خلال القصف الَّذي حصل أمس على دمشق، والَّذي يهدف من خلاله إلى تأكيد دوره وحضوره في الميدان السوري، وتأثيره في الحلول التي لا يراها لمصلحته. ومن هنا، فإننا لا نزال نأمل، ورغم العدوان الصهيوني والخروقات التي حدثت وتحدث على أكثر من جهة، استمرار وقف إطلاق النار، الذي من شأنه تهيئة المجال لحل سياسيٍ منتظر ينهي نزيف الدم والدمار، ويقي سوريا ممن يراهنون على تدميرها وإعادتها إلى الوراء، كي لا تؤدي أي دور في هذه المنطقة من العالم".
وأمل من "كل الدول المؤثرة في الداخل السوري، أن تدعم هذا المسار، لكونه الممر المتاح لإيقاف هذه الحرب المدمرة، التي ستصل تداعياتها إلى خارج حدود هذا البلد، في حال استمرت، ولن ينجو منها أحد".
وأضاف: "إلى العراق، حيث يتابع جيشه وحشده العشائري والشعبي إنجازاته في مواجهة الإرهاب الجاثم على صدور العراقيين، لإعادة الموصل إلى حضن الوطن، وقد خطا في ذلك خطوات متقدمة، رغم صعوبة المعركة والتضحيات الجسيمة التي تقدم في هذا الطريق. ونحن نأمل أن تتكلل جهود القوى السياسية العراقية، بترتيب البيت العراقي، وتعزيز الوحدة بين كل مكوناته، في مواجهة اللاعبين على الوتر المذهبي والطائفي والعرقي، ممن لا يريدون للعراق الوحدة والاستقرار والقوة. إن رهاننا سيبقى على وعي الشعب العراقي واستعادة دوره في العالم العربي والإسلامي وفي العالم".
وتابع: "إلى فلسطين، حيث يستمر الشعب الفلسطيني بالتعبير عن رفضه لممارسات الكيان الصهيوني بحقه، سواء في الضفة الغربية أو القدس، وبالوسائل التي يمتلكها، والتي كان آخرها العملية التي قام بها أحد الشبان الفلسطينيين من القدس، وكانت تعبيرا عن روح المقاومة التي يعيشها هذا الشعب رغم كل محاولات الإخضاع والتهميش، وإن كان الكيان الصهيوني يحاول أن يضعها في خانة العمليات الإرهابية، وأن ينسبها إلى داعش، وهي بعيدة عنه".
وحيا "الشعب الفلسطيني على جرأته وإصراره على مقاومة هذا العدو"، مؤكدا "الوقوف معه في كل نضاله. ومن هنا، فإننا نعيد دعوة القوى الفلسطينية إلى التلاقي في مواجهة هذا العدوان، الذي بات واضحا أنه لن يعطي الشعب شيئا، بل سيأخذ منه".
وختم: "أخيرا، ودعت إيران واحدا من أركانها، وهو سماحة الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي ترك بصماته في الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها، وكان له دوره في تحويلها إلى دولة قوية ومؤثرة لها حضورها في هذا العالم، ومنفتحة على العالم العربي والإسلامي، وهو لم يخذلها في كل الظروف، حتى لو كان ذلك على حسابه. لقد ترك الشيخ هاشمي رفسنجاني برحيله فراغا كبيرا لم يقف عند حدود إيران، بل يمتد إلى العالم الإسلامي وإلى المستضعفين في هذا العالم، الذي حمل همومه وقضاياه، ومن بينها قضية الوحدة الإسلامية، ووحدة المستضعفين في مواجهة المستكبرين والظالمين، ولا سيما الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. رحم الله الشيخ رفسنجاني، وحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والأحرار".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)