وقال المفتي دريان في الجلسة الافتتاحية: "إن المصطلح الرئيس في ما نحن بصدده، من حديث عن العيش المشترك وتجاربه ومبادراته، هو مصطلح أو مبدأ المواطنة. وله ثلاثة شروط: وجود الدولة، ووجود الحريات الأساسية في الدستور والواقع، ووجود حكم القانون. إن هذه الأمور الثلاثة، على خطورتها، ما عادت بديهية في عالمنا العربي. فالدول تتصدع وتسقط، والحريات الأساسية لا تجد موطنا تحل فيه، فكيف بحكم القانون في الدول القائمة؟".
اضاف: "ما المطلوب الآن، ومن أين نبدأ؟ إن الذي أراه، أنه يجب البدء من العيش المشترك، القائم على التعدد والاعتراف المتبادل، والإرادة الحرة، من أجل استنقاذ الدولة الوطنية، وإقامة الحكم الصالح والرشيد فيها. وهذا هو الأمر الذي فوتناه في العقود الماضية، فتهددت الدولة، ثم تهدد العيش المشترك. ولذلك لا بد من العودة إلى المنطلقين المتوازيين: العيش المشترك، والدولة الوطنية. أما المواطنة وإحقاقها، فيتطلبان إرادة ونضالا لدى النخب الواعية والمسؤولة، والساعية من طريق الانتخابات الحرة والمؤسسات، لإقامة الحكم الصالح".
وتابع: "كيف نستطيع، نحن أهل العلم والدين، الإسهام في إقامة دولة المواطنة، أو الحكم الصالح؟ إن أول ما ينبغي على كل منا القيام به، إخراج الدين من حماة الصراع السياسي، ومن مواريث التاريخ، وأوهام المستقبل. فلكي نصون الدين، ونعمل مع العاملين على بناء دولة المواطنة، ينبغي أن نربي ونعلم، ونحيل الوظائف الأخلاقية والقيمية للدين، والتي عبر عنها علماؤنا بالضرورات الخمس: حق النفس، وحق العقل، وحق الدين، وحق العرض أو النسل، وحق الملك. فنحن معنيون بحكم تكليفنا الديني، بقضايا الإنسان، وضرورات عيشه وحرياته، وأمنه واستقراره. أو لم يمن الله على قريش في سورة الإيلاف، بأنه أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف؟!".
وقال: "لا ينبغي أن تكون عندنا أوهام في إمكانيات العمل، وإمكانيات التحقق. إذ يتطلب ذلك نشاطا ونضالا من جانب فئات المثقفين والسياسيين، وأهل العلم والدين، والقوى الشابة. وحصول التضامن النضالي بين هذه الفئات عسر، لكنه ليس مستحيلا بالنظر للأهداف الوطنية، والأخطار الفادحة. بيد أن العسر الآخر أو الثاني، آت من انكفاء أهل الأديان ومخاوفهم، وهذا يصدق على السواد الأعظم من المسلمين والمسيحيين. هناك بالطبع عنيفون، وضد العيش المشترك، وهم يستخدمون يافطات دينية. لكن الشكوى الأخرى، هي في الانكفاء، وبتعبير الإمام علي رضي الله عنه: إعراض أهل الحق عن المطالبة بحقهم".
اضاف: "نعم، هناك انكسار لدى أهل الدين، ينبغي العمل على الخروج منه، لمواجهة المتطرفين من جهة، ولتربية الأجيال على المواطنة والسلام، والعيش المشترك. وهذان واجبان، نتأهل في السنوات الأخيرة للقيام بهما. ونريد من أتباع الديانات والمذاهب، كما نريد من المثقفين والإعلاميين، أن نعمل كجماعة واحدة، متضامنين، لإيقاف هذا التصدع المهلك في الدول والمجتمعات، ولدعم الواعين من السياسيين، في عمليات إقامة الحكم الصالح، وهو أهم شروط تحقق المواطنة".
وتابع قائلا: "إن أمامنا جميعا (مسلمين ومسيحيين) مسؤوليات جساما، للعمل معا في مواجهة ثنائية التطرف والإرهاب، وثنائية الظلم والاستبداد. نحن أمام ظاهرة سلبية مدمرة، لا تستهدف المسيحيين وحدهم، ولكنها تستهدف المسلمين والمسيحيين معا. وذلك من خلال استهدافها الإنسان في حقوقه المقدسة، والمواطن في كرامته الإنسانية. إن هذه الظاهرة الطارئة على مجتمعنا، وعلى ثقافتنا وأدياننا، لا تطعن العلاقات الإسلامية - المسيحية فقط، ولكنها تطعن صميم الإسلام، الذي ترتكب باسمه جرائمها ضد الإنسانية. الإسلام دين الرحمة والمحبة، دين الدعوة إلى احترام الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان وحرية العبادة لله الواحد. وهو الدين الذي يعتبر المسيحيين تخصيصا، أقرب مودة للذين آمنوا، ذلك بأن {منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون}، كما ورد في القرآن الكريم".
واعلن "ان للشرق الأوسط تاريخا طويلا وغنيا، عشنا فيه نحن المسلمين والمسيحيين، شعب واحد، ولنا تاريخ واحد، وهو بكل واقعية تاريخ طويل وهو مستمر في المستقبل أيضا. علينا أن نواجه معا الفتنة الحالية، وسوف نتجاوزها معا وسوف نعيد بناء مجتمعاتنا معا أيضا على أساس الحرية والمواطنة والتنوع والتكامل، لأننا في الحسابات الأخيرة، نكون معا أو لا نكون".
وألقيت في الجلسة الافتتاحية كلمات لكل من شيخ الأزهر والبطريرك الراعي والبابا تواضروس والمفتي قبلان وأبو الغيط.
وشارك المفتي دريان في العشاء التكريمي الذي اقامه القائم بأعمال السفارة اللبنانية في مصر أنطوان عزام على شرف الوفد اللبناني المشارك في مؤتمر الأزهر وحكماء المسلمين.(۹۸۶۳/ع۹۴۰)