هذا بحسب ما بيّنه خلال الرسالة الخطيّة التي أرسلها سماحتُه للقائمين على المؤتمر الدوليّ في التجديد حول المنبر الحسينيّ، الذي أقامته مؤخّراً العتبةُ العبّاسية المقدّسة بالتعاون مع مؤسّسة بحر العلوم الخيريّة.
وأضاف: "هذا وما اتّخذته من برامج لإحياء ذكرى أتباع هذه المدرسة لبيان ما قدّموه من عطاءٍ عبر أقلامهم -كالمؤلّفين والمؤرّخين والمحقّقين- أو من خلال محاضراتهم –كالخطباء- لدليلٌ واضحٌ وجليّ على اهتمام العتبتين بإحياء هذا الخطّ وتراثه، وما الموقف الجديد الذي أقدمت عليه العتبةُ العبّاسية المقدّسة بالتعاون مع مؤسّسة آل بحر العلوم الخيريّة في النجف الأشرف بإحياء ذكرى خطباء المنبر الحسينيّ ممّن ارتحل منهم الى رحمة الله ورضوانه وتكريم من بقي اليوم منهم لهو دليلٌ آخر على اهتمام المؤسّستين بهذه الشخصيّات الفذّة".
وتابع السيّد الكشميري قائلاً: "كان ودّي الحضور والمشاركة في هذا الملتقى في معهد العَلَمَيْن اليوم وفي كربلاء المقدّسة لكنّي حُرِمت من ذلك لظروفي التبليغيّة في الخارج، وليس عندي ما أقوله سوى ما خطر على بالي وهو أنّ سرّ بقاء التشيّع الى هذا اليوم وحتّى ظهور القائم الحجّة المنتظر(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) مردّه الى قوّتين مهمّتين:
1. نهضة الإمام الحسين(عليه السلام).
2. كيان المرجعيّة".
موضّحاً: "أمّا المرجعيّةُ فلا يسعني الحديثُ عنها في هذه العجالة ولكن لابُدّ من الإشارة اليها في هذا الجمع الكريم، فأقول: إنّ المرجعيّة بحمد الله تعالى كانت ولا تزال هي صمّام الأمان للعقيدة الحقّة منذ انتهاء الغيبة الصغرى وحتى يومنا هذا، وخيرُ دليلٍ وبرهانٍ ما حصل في الآونة الأخيرة من تحرّكٍ خطير كان يهدف للقضاء على التشيّع ورموزه ومقدّساته، فجاءت فتوى المرجعيّة العُليا كصاعقةٍ إلهيّة هدّمت وحطّمت كلّ ما سعى اليه المخرّبون، وبحمد الله أعادت للسلام هيبته وشموخه بالفتوى المباركة وسواعد الأبطال العراقيّين، ولولا موقفها الشريف حالاً وسابقاً لكان التشيّع أثراً بعد عين، فعلينا جميعاً أن نعرف قدر هذه القوّة وعناية الباري بها وأسأله تعالى أن يديم ظلّها الوارف على رؤوس الأنام إنّه سميع مجيب".
وأضاف قائلاً: "أمّا نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) فكانت ولا تزال هي الفارق بين الحقّ والباطل، ولم يختلف موقف الإمام الحسين(عليه السلام) عن مواقف جدّه وأبيه وأخيه(عليهم السلام)، فكما أنّ ضربة عليّ(عليه السلام) يوم الخندق كانت تعدل عبادة الثقلين وكانت حدّاً فاصلاً بين الإيمان والكفر، كذلك موقف سيّد الشهداء (عليه السلام) في يوم عاشوراء كان حدّاً فاصلاً بين الإيمان والكفر، فهو(عليه السلام) بموقفه هذا أعاد للإسلام جدّته ورونقه وقوّض أحلام أولئك الذين كانوا يريدون القضاء على الإسلام بقتلهم الحسين(عليه السلام)، وبقي (عليه السلام) وسيبقى رمزاً للمناضلين والمجاهدين والمدافعين عن الحقّ في كلّ زمانٍ ومكان.
وعلى الأُفق من دماء الشهيدَيْــــ **** ــــــن عليٍّ ونجـــلِهِ شــاهـــــــدانِ
فهُــــما فــي أواخـــــرِ اللّيلِ فـــجرا **** نِ وفـــــي أُولَيـاتِـــهِ شَــــــفَــقانِ
ثَــــبَـــــتَا في قـــــميصِهِ لــيَجيءَ الـــــ **** ــحشرُ مستعدياً الى الرّحمنِ
واستدرك: "لقد شاء الله أن يجعل هذه النهضة المباركة رمزاً للإسلام المحمّدي في كلّ عصر، ومهما اجتَهَدَ أئمّة الكفر وأتباع الضّلال على محو أثره فلا يزداد إلّا علوّاً وشموخاً ولا يزداد أعداؤه إلّا ذلّاً وانتكاسا (كذب الموتُ فالحسينُ مخلّد *** كلّما أخلق الزّمانُ تجدّد)".
مضيفاً: "تتجلّى بعضُ هذه العظمة الربّانية بمجالس الحسين(عليه السلام) وزياراته كزيارة الأربعين وغيرها، ولسان حال هذه النهضة اليوم والأمس هم خطباءُ المنبر الحسينيّ الذين أثروا الساحة بعلومهم ومعارفهم وتوجيهاتهم ونصائحهم على مختلف لغاتهم وقوميّاتهم في كلّ زمانٍ ومكان، وما أن يهلّ المحرّمُ الحرام إلّا وجدتهم كالأسود الضارية يهبّون لإيصال صوت الحسين(عليه السلام) ورسالته".
وقدّم السيّد الكشميري جملةً من الوصايا للخطباء حيث بيّن قائلاً: "أنا كأحد أفراد خَدَمَة هذه المؤسّسة أنصح نفسي وإخواني بما أُشير به اليهم، وأنا كناقل التمر الى هجر:
أوّلاً: أن يكون الخطيب متحلّياً بالفضائل والكمالات، ومنها معرفته باللّغات المتعدّدة خصوصاً أولئك الخطباء الذين يذهبون للتبليغ في البلدان الأوربيّة، فاللّغة المحلّية تمكّنهم من إيصال فكر الحسين(عليه السلام) وأهداف نهضته الى الجيل الذي نشأ في تلك البلاد الإسلاميّة.
ثانياً: أن يكون الخطيب واعياً لما يدور حوله في الساحة من أفكار ورؤى مضلّلة ونظريّات ينشرها دعاة الضلال والفساد عبر مواقع التواصل التي أفسدت عقيدة الكثير من شبابنا وأفلاذ أكبادنا، فعلى الخطيب أن يكون هو الرّقيب الآخر بعد الأبوين على دحض مثل هذه الأفكار المنحرفة ومعالجتها بما يملكه من خبرةٍ علميّة وعقائديّة وفكريّة، لأنّ مهمّة الخطيب هي كمهمّة الطبيب في تشخيص الأمراض ومن ثمّ معالجتها.
ثالثاً: على الخطباء أن يعلموا بأنّهم حَمَلَةُ رسالةِ (124) ألف نبيّ، أوّلهم آدم(عليه السلام) وآخرهم الخاتم(صلّى الله عليه وآله) وخلاصة رسالتهم تزكيتهم وتعليمهم ورفع المستوى الأخلاقيّ والتربويّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو شعار الإمام الحسين(عليه السلام).
رابعاً: على الخطباء أن يتحيّنوا الفرصة لسامعيهم ومتابعيهم لاسيّما الشباب بالسؤال والاستفسار عمّا يدور في أذهانهم أو ما يُطرح في المحاضرة من أفكار ورؤى قد تكون جديدة عليهم، أو ما يصلهم من أفكار مغلوطة أو مضلّلة عن العقيدة والدين فيُجيبُ الخطيب عنها ويقوم بتوضيحها لهم حتّى لا يضلّوا وينحرفوا.
كما نحبّذ أن يكون عقب كلّ محاضرةٍ أو برنامج حوارٌ مفتوحٌ مع الخطيب، وقد لمسنا لهذا أكبر الأثر من خلال برامجنا، وأخيراً أهيب بإخواني الحاضرين مراجعة توصيات المرجعيّة العُليا للمبلّغين ففيها ما يُغنيهم من توصيات".
واختتم السيّد الكشميري: "ختاماً فإنّ ما أتمنّاه لكم ولمؤتمركم هذا الموفّقية في إحياء هذا التراث العظيم الذي لو فصلناه عن جزئيّات حياتنا اليوميّة لكانت مليئة بالتهافت والاضمحلال، وهذا ما نراه حاصلاً من خلال ما تقوم به هذه الجماعات التكفيريّة وداعميها وغيرهم، وذلك لبُعْدهم عن منهج أهل البيت(عليهم السلام).
سائلاً المولى جلّت عظمتُهُ أن يحفظ العراق وشعبه وأن ينصر جيشه وقوّاته الأمنيّة وحشده الشعبيّ والمخلصين من أبنائه على أعدائهم إنّه سميعٌ مجيب.
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا)".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)