بهذا تحدث السيد مرتضى الكشميري في خطبة الجمعة، بمركز القائم في مقاطعة سلاو البريطانية، مبتدءا بحديث الامام ابي جعفر الباقر (ع) الذي قال “بني الإسلام على خمس دعائم، إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج بيت الله الحرام، والولاية لنا أهل البيت”.
وقال السيد الكشميري ان فريضة الحج من الفرائض العبادية السياسية وهي مدرسة مهمة لو وعى المسلمون فوائدها الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية والعبادية والسياسية لسادوا العالم، واليها الاشارة بقوله تعالى ((ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة)).
وتناول مدير مؤسسة الإمام علي عليه السلام في لندن، بعض اهداف فريضة الحج، السياسية الهامة التي غفل المسلمون او تغافلوا عنها واعتبروها من الفرائض الدينية.
وقال ان فريضة الحج تخلق الكيان الواحد عند المسلمين، فنجد الحاج وغير الحاج منهم في هذه الايام قلوبهم وضمائرهم مشدودة الى الكعبة المشرفة والى البقعة الطاهرة وتلك الاماكن المقدسة، وهذا التوجه الى بيت الله الحرام يخلق الكيان الواحد والروح الواحدة والهدف الواحد والخط الواحد والمركز الواحد والرسالة الواحدة والعقيدة الواحدة، فليست عندهم انتماءات ولا ولاءات الى الغير، وانما اتجاههم الى الواحد الدّيان.
وأضاف ممثل المرجعية العليا إن هذا اللون من الشعور عند المسلمين يخلق الروح الواحدة، وهو مبدأ سياسي مهم، فالحاج عندما يقول “لبيك اللهم لبيك” معنى هذه التلبية انها جواب لنداء الرحمن ((واذن للناس بالحج)).
وبين سماحته إن هذا معنى سياسي عميق لو ادركه المسلمون وفكروا بمضمونه، حيث الطواف حول البيت ملبين ومصلين باتجاه واحد وهو البيت الحرام، وساعين بين جبلين مقدسين الصفا والمروة، اذن فالطواف حيث ما امر الله، والصلاة حيث ما امر الله، والسعي حيث ما امر الله، وهكذا الاحرام هو المنسك الاخر الذي يمثّل ما امر الله.
وأوضح السيد الكشميري إن في ذلك درس بليغ عميق في تربية الامة بأن تسير حول خط واحد ومنهج واحد، وان تنبذ خلافاتها واحقادها وما فيها من ضغائن، وتسير على الخط الذي رسمه الله لها دون مبالاة واكتراث بكل القوى والايدلوجيات والتوجهات.
وأكد إن هذا اللون من التوجه لا يمكننا ان نستفيده من اي عبادة او طاعة سوى الحج، فترى الحاج على هيئة واحدة ولباس واحد متجردا من كل روتينيات الدنيا ولذائذها، ولا ننسى طقوس الاحرام الشاقة هي الاخرى في حد ذاتها تعطي للفرد ارادة قوية صلبة بحيث يسيطر على زمام النفس واهوائها ورغباتها وتوثق علاقة الانسان بالله سبحانه وتعالى.
وأضاف السيد مرتضى الكشميري إن الهدف السياسي الثاني الذي نستفيده من فريضة الحج هو ان الحج يخلق هيبة عند المسلمين بحيث لا يوجد هذا المظهر عندهم الا بهذه الصورة فهو يخلق عندهم جانب العزة والكرامة، وهذا ما نراه من خلال بعض تشريعاته، فنراه قد سنّ الجماعة في الفرائض اليومية لتظهر بذلك هيبة المسلمين، وهذا المظهر لا يستفاد منه اذا صلى المسلمون الصلاة فرادى، بينما نراه يظهر في حالة اقامة الصلاة جماعة، مضافا الى ما فيها من الاهداف الاجتماعية والاخلاقية والتربوية وغيرها، وهكذا نرى صلاة الجمعة والعيد تجمعهما اوسع من الجماعة والجمعة.
قائلا إن الحج هو ذلك المؤتمر السنوي الذي يجتمع فيه المسلمون من كل حدب وصوب على اختلاف الوانهم وجنسياتهم ولغاتهم وقومياتهم ومناصبهم، وبهذا تظهر هيبتهم وعزتهم وقوتهم وكرامتهم ومقامهم، وهذا التجمع يخيف الاعداء بأن يتحد المسلمون في مكان واحد وعلى ارض واحدة وعلى هيئة واحدة بالطواف والسعي ومنى وعرفات وفي المشعر الحرام وفي غيرها من المناسك المقدسة.
وتساءل السيد مرتضى الكشميري، هل استفاد المسلمون من هذا المؤتمر المليوني السنوي الضخم لنبذ خلافاتهم وجلوسهم في مكان واحد ليتذاكروا فيما يحتاجون اليه من خلال لقاءاتهم الثنائية؟ مبينا إن الجواب: كلا! وهذا مما يؤسف له. والله سبحانه وتعالى يقول ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)).
وأضاف ممثل المرجعية العليا في أوروبا، إن السؤال الثاني هو ان عدد المسلمين اليوم يقدر بقرابة مليار ونصف المليار مسلم على وجه الكرة الارضية يتحكمون بأهم ممرات العالم وعندهم ترسانات من الاسلحة والذهب الاسود وما وهبه الله لهم من الخير الكثير والنعمة العظيمة، غير اننا نرى بان الخلافات تمزقهم والصراعات الدامية قد فرقتهم والدول الطامعة قد لعبت بمقدراتهم وصارت تملي عليهم مطالبها، فصاروا يتذللون ويتوددون اليها ويطلبون النجدة والنصرة منها، فهم كيان هزيل ضعيف نتيجة عدم اتحادهم واتفاقهم، وحبهم الدنيا وكراهيتهم الموت.
وأكد السيد مرتضى الكشميري إن الامة اذا ماتت فيها روح الدفاع والتضحية والبذل والعطاء والفداء واصبحت تحب الخلود الى الراحة والدعة فيكون مصيرهم وحالهم هذا، بينما نرى الامة التي تتعطش للشهادة وترخص نفسها في سبيل العقيدة تبقى حية وخالدة كما فعل المسلمين الاوائل، حيث تعشقوا الشهادة في سبيل بقاء المبدء وخلوده، واعاد لنا التاريخ تلك الذكريات بموقف العراقيين هذا اليوم على اختلاف رتبهم ومناصبهم وتوجهاتهم، فدحروا الاعداء وحرروا الموصل وغيرها من الاماكن في العراق.
وشدد سماحته إنه لا يمكن ان تعود الينا قوتنا وهيبتنا الاّ عبر تمسكنا بمبادئ الاسلام وتطبيقه، وعدم الركون الى الكافرين والظالمين والى هذه الدنيا الفانية والالتجاء اليها، لان هذا التوجه يبقي عندنا حب البقاء والراحة وعندها ننسى الدفاع عن عقيدتنا ومقدساتنا.
وختم حديثه قائلا: علينا ان نعلم بأن الاعداء غير غافلين عنا فهم يخططون لازالة هيبة المسلمين وسلب كرامتهم وعزتهم وبكل وسيلة وبكل قوة، لانهم يعلمون باتحادنا وتمسكنا بمبادئنا تنهزم هذه القوى المعادية، ويبقى المسلمون مسيطرين على خيراتهم وثرواتهم الطبيعية وبالتالي حرمان هؤلاء من منافعهم التي جاؤوا الى نهبها وسلبها.(۹۸۶۳/ع۹۴۰)