وقال السيد رسول الياسري من على منبر جامع الرحمن في المنصور ببغداد "لقد ابْتُلِيَت الأمة بنَكبات كثيرة على مَرِّ الدهور والأزمان حتى يومنا هذا كالحروب والحصار الاقتصادي وتوالي الحكام الظلمة وغير المنصفين وانتشار الأمراض المميتة وغير ذلك ولكن أشد أنواع النكبات التي قد تُبتلى بها الأمة هو أن يتسرَّب اليأس إلى القلوب وتتفرغ القلوب من الأمل واليقين فيكون من أحد نتائج ذلك أن يتخلص المرء من حياته عن طريق الانتحار والعياذ بالله ولقد ظهرت في الآونة الأخيرة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية جريمة تُعَد من الجرائم البشعة وهي جريمة الانتحار".
واضاف الياسري بحسب وکالة شفقنا أن "هناك علامات تظهر على الشخص الذي يُقدِم على الانتحار من أهمها الاكتئاب او التغيرات المفاجئة في السلوك كالتغير في نمط النوم أو نمط الطعام والإهمال في الدراسة أو العمل وإهمال الشخص لعلاقاته الاجتماعية ولمظهره الخارجي والتحدث عن الانتحار والموت بصورة غريبة وفقْد الاهتمام بالأنشطة المعتادة والتحدث عن فقْد الأمل والشعور بالذنب أو اليأس ونقد الذات والقلق النفسي والخمول والسوداوية والانعزال والانطواء والحقد على المجتمع وتعاطي المخدرات وغير ذلك والذي نرجوه من المختصين في الأمور الاجتماعية او الدينية شرحها ببرامج خاصة لإفادة المجتمع ولتفادي خطر الانتحار وليساهموا في تحصين المجتمع".
وتابع الياسري ان "أهم الأسباب والعوامل المساعدة على الانتحار تسعة، اولها ضعف الوازع الديني وعدم إدراك خطورة هذا الفعل الشنيع والعامل الثاني هو عدم اكتمال المعنى الايماني في النفس البشرية والعامل الثالث هو الجهل والجزع وعدم الصبر والاستسلام لليأس والقنوط واما العامل الرابع هو المشاكل الاقتصادية كالفقر والبطالة وعدم الحصول على المهن اللازمة على الرغم من الشهادات والمؤهلات والعامل الخامس هو الانفتاح الإعلامي والثقافي غير المنضبط الذي نعيشه في مجتمعنا المعاصر وهذا الأمر قد دعا إلى تقليد الآخرين والتأثر بهم".
واضاف الياسري "اما العامل السادس هو المشاكل الأُسرية واحترام الذات والعامل السابع هو الفشل حيث يُعد الفشل المالي أحد الأسباب الرئيسية المؤدية للانتحار كالفشل في سداد الالتزامات المالية أو التعرض للخسائر أو الفشل العاطفي أو الفشل الدراسي أو الفشل الاجتماعي أو الفشل المهني كتأمين وظيفة كريمة والمحافظة عليها واما السبب الثامن للانتحار هو الشعور بالذنب أو الوَحدة واخير السبب التاسع للانتحار هو الحال السياسي السيء الذي يمر بها أي بلد وانسداد أفق الحل يكون ايضا باعثا على القلق ومدعاة لليأس والإحباط وقد عرضت وسائل الإعلام ونشرات الأخبار حالات انتحار لا يستهان بها بسبب الوضع السياسي وفي أكثر من بلد".
وشدد الياسري "نحن ومن موقع المسؤولية نوجه لومنا الشديد للساسة سواء في العراق أو البلدان الأخرى التي تشاطرنا المعاناة من تقصير ساستهم ونذكرهم بأن أي شيء يتحقق على الأرض فأنتم المسؤول الأول عنه فاتقوا الله في أنفسكم".
واوضح الياسري موقف الاسلام من الانتحار "نحن نوضح موقف الإسلام من الانتحار ونتائج هذا الفعل الشنيع حيث إن هذا العمل قبل كل شيء مخالف لحقوق الإنسان ويبعث على القلق الإجتماعي كما يجلب لهم الألم ويعد الانتحار من منظور أسامي كبيرة من كبائر الذنوب كما ان قتل النفس ليس حلاًّ للخروج من المشاكل التي يبثها الشيطان والوساوس التي يُلقيها في النفوس ولو لم يكن بعد الموت بعث ولا حساب لهانت كثير من النفوس على أصحابها ولكن بعد الموت حساب وعقاب وقبر وظلمة وصراط ثم إما نار وإما جنة ولهذا جاء تحريم الانتحار بكل وسائله التي تقدم ذكرها".
ولعلاج ظاهرة الانتحار، بين الياسري "نحن نعيش اليوم ذكرى عزيزة على قلوب المؤمنين والأولياء وهي يوم عرفة وقد دعا الشيخ اليعقوبي قبل عدة أعوام أن يكون يوم عرفة يوما للتوبة العالمي وأن ينطلق المجتمع المؤمن بفعاليات تؤكد هذا المعنى لأن التوبة والأعمال الصالحة إنسانية كانت أم عبادية تجلب الراحة للنفس البشرية وتخلصها من الشقاء والضيق".
وكشف الياسري "لنعلم جميعا بان من أهم الحلول لمشاكل المجتمع هو إحياء الروح المعنوية عن طريق بث الأمل في النفوس فلقد حرَّم الله اليأس وندَّد باليائسين واعتبره قرين الكفر كما وندَّد بالقنوط واعتبره قرين الضلال كما ان اليأس فيه سوء أدبٍ مع الله سبحانه وتعالى واليأس سبب لفساد القلب والعياذ بالله والأمل توأم الإيمان".
وخاطب الياسري من يريد الانتحار بالقول "أوجه كلامي للذين دب في نفوسهم اليأس وأقول لهم من يدري ربما كانت هذه المصائب بابًا إلى خير مجهول ورُبَّ مِحنة في طيِّها مِنحة وإن محنة العوز تعطي فرصة لطاعة الله كي يستفد من ذلك أهل الخير ممن تفضل الله عليهم وإن المصائب تكشف معادن الناس فإن العاقل ينظر إلى المعنى الإيجابي في كل قضية كي يعيد الأمل ويتشجع على العمل لاجتياز الصعوبات".
وعلل الياسري ضيق الصدور عند المجتمع "أما ما نجده من ضيق لصدور كثير من العباد اليوم فهو بسبب كثرة الماديات ومشاهدة الفضائيات وما إلى ذلك، والإسراف في المحرمات والسيئات والاقتصاد في الطاعات والحسنات فحصلت تلك الآهات وكثُرت تلك الصرخات بل وحصل أدهى من ذلك وأمَرُّ فصارت الوسوسة حتى إن البعض يفكِّر كيف يتخلص من نفسه جراء الضيق والحسرة والوحشة التي يعيشها، فلا طعم للحياة عنده ولا هدف ولا غاية يرى أنه من أجْلها خُلِق".
وختم الياسري قوله، إن "الحل كما بينت في بداية الخطبة هو إحياء الروح المعنوية عن طريق بث الأمل في النفوس، فالأمل إذن هو إكسير الحياة ودافع نشاطها ومخفِّف وَيْلاتها وباعث البهجة والسرور فيها وكما قيل (ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل) والأمل قبل ذلك كله شيء حُلو المذاق جميل الْمُحَيَّا في ذاته تحقَّق المطلوب أو لم يتحقَّق، فالأمل دافع للتقدم والنجاح ولا بد من الأمل لتقدم العلوم وإذا أردنا مثالا من الواقع الذي عاشه المجتمع فإن هزائم داعش الذي هدد الجميع وقد أرعب الدول الكبرى كما يعبرون خير باعث على الأمل فعلينا ان نعلم أن كل شيء ممكن وليس هناك مستحيل وإن كان فهو مستحيل علينا ولا يستحيل على الله شيء وإننا مَن نصنع الظروف لا ان الظروف هي التي تصنعنا، فعلينا أن نكون متفائلين وإيجابيين".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)