ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين، في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله ليرغبنا بالاستقامة، فقال: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم". هو عطاء كبير وثمين لا يفوقه ثمن مقابل أن يكون الله وجهتنا، أن يكون الله هو الهدف والغاية والوسيلة، ولأجله حياتنا وموتنا، والنتائج لن تكون في الآخرة، وإن كان يكفي أن تكون في الآخرة، ولكنها ستكون في الدنيا أيضا، فلا يظنن أحد أن نخلد إلى الكريم الودود العطوف، وأن لا نحظى بعطائه وكرمه حين نعيش في أرضه وفي ظل سمائه، ولا يخدعنا أحد بأن نستجيب له حين يدعونا إليه، مهما كان يملك من القوة أو المال والعطاء، فمن هو هذا الشخص أمام الله في قوته وعطائه وكرمه وما عنده؟ ومتى وعينا ذلك، سنكون أقوى وأقدر على مواجهة التحديات".
وتابع: "والبداية من الاستفتاء الذي جرى أخيرا في إقليم كردستان بالانفصال عن العراق، حيث أصبح من الواضح مدى الخطر الذي قد يتركه انفصال هذا الإقليم، لا على الداخل العراقي فقط، بل على المنطقة العربية والإسلامية، وخصوصا في هذه المرحلة بالذات، فلا تزال هذه المنطقة تضج بالتوترات والصراعات بين العديد من مكوناتها، وإن لم يعمل على منع نتائجها، فستفتح شهية الانفصال لأي من المكونات، وسيأخذ بعدا دينيا أو مذهبيا أو قوميا، وهو بداية التقسيم للمنطقة".
ورأى "ان هذا التقسيم، إن حصل، فسيؤدي إلى إضعاف المنطقة وخلق كيانات متصارعة في ما بينها، وهو ما يصب في خدمة المشروع الصهيوني، فهذا الكيان لا يستطيع أن يستمر ويثبت إلا حين يحاط بدول صغيرة متناحرة في ما بينها. ولهذا، وجدنا التأييد الصهيوني لهذا الاستفتاء والاستعداد لمد يد العون، والذي أشرنا في الأسبوع الماضي إلى أنه ليس لسواد عيون الأكراد ولأجيالهم، بل تنفيذا لمشروعه الدائم والقائم على تفتيت المنطقة".
اضاف :"ولهذا، فإننا في الوقت الذي نرى الحق لكل قومية أو دين أو مذهب في الحصول على حقوقه في إطار بلده، وأن لا يغبن في حقه، لأن الغبن ظلم لإنسانيته، ومشروع حرب وفتنة وسبب للتدخلات الخارجية، ولا بد من الكف عنه. فإننا لا نرى في انفصال الأكراد أية مصلحة لهم، بل هو إضعاف لدورهم وقدراتهم، وسيجعلهم في دائرة الاستتباع للآخرين.
ودعا "الأكراد إلى إعادة النظر في هذه الخطوة، والإنصات جيدا إلى دعوات الحوار، ولا سيما العرض الذي قدم لهم من الحكومة العراقية، حتى لا يكونوا أداة لتفجير العراق من الداخل أو لتفجير المنطقة كلها، في وقت يحتاج العراق إلى كل أبنائه والمنطقة العربية، وإلى مد الجسور بين جميع المكونات، ووأد الفتن".
وتابع :"من المؤسف جدا أنه لا يزال هناك من يفكر في الانفصال، في حين يتجه العالم إلى جمع قواه، لمواجهة التحديات التي تواجه دوله. ومن المستغرب في هذه المرحلة أن لا يرتفع صوت أو يحصل تحرك من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لرفض هذا الاستفتاء والتنادي لمواجهته، في ظل عظيم أثره فيهم، فالتقسيم، إن بدأ، سيطاول الجميع، وستكون نتائجه وخيمة على الجميع، ونحن في هذا المجال، ندعو إلى مزيد من التحرك لمعالجة هذا الوضع المستجد، ونرى إيجابية في التنسيق الذي جرى بين إيران وتركيا، والذي نأمل أن يساهم في الوصول إلى حل يضمن وحدة العراق ووحدة المنطقة، ولا يضيف إليها توترا جديدا.
وهنأ الجيش العراقي، ومعه الحشد الشعبي، على إنجاز تحرير منطقة الحويجة، الذي مهد السبيل لإنهاء ظاهرة داعش من الداخل العراقي، تمهيدا لتحقيق الاستقرار فيه.
وقال:" أما فلسطين، فتبرز فيها أهمية المصالحة التي جرت بين السلطة الفلسطينية و"حماس"، والتي تعيد اللحمة إلى الشعب الفلسطيني بعد معاناة مرارة الانقسام، وتساهم في حل الأزمات المعيشية المستعصية، ولا سيما في غزة، وتقوي الجهود في مواجهة المشروع الاستيطاني والتهويدي للقدس والضفة الغربية وكل فلسطين.
وامل فضل الله "أن لا تكون هذه المصالحة مرحلية فرضتها ضغوط إقليمية أملت حصولها، أو أن تكون نتيجة ما يعانيه هذا الفريق أو ذاك، بل أن تكون ناتجة من قناعة تامة وراسخة وإيمان بعبثية الصراع الداخلي، وبالخسارة الكبيرة التي تلحق بالجميع إن استمر. ويبقى عمل الجميع ضروريا لإزالة رواسب الماضي، ومنع شياطين الجن والإنس من أن يدخلوا مجددا على الخط، والتطلع دائما إلى مصلحة الشعب الفلسطيني، فمن حقه أن يحظى بحياة كريمة في الداخل، ليكون أقوى على استحقاقات الخارج".
اضاف:" اما في لبنان، "الذي يستمر الجدل فيه حول تحديد السبل الكفيلة بتأمين موارد سلسلة الرتب والرواتب، في ظل خلافات حول طبيعة الفئات التي تستهدفها الضرائب، ما بين الفئات الشعبية والقطاعات المالية والإنتاجية والأملاك البحرية وغير ذلك، حيث تتفاوت مواقف القادة السياسيين وتتناقض على وقع المصالح الانتخابية. أمام ذلك، وبدلا من كل هذا الجو الذي يخلق في البلد، والمواربة في التعامل مع هذه القضية، فإننا ندعو إلى أن تكون الدولة واضحة مع مواطنيها في موضوع الضرائب، وأن تبين لهم أي ثمن سيدفعونه، وسوف يدفعه البلد، حتى يتدبر الناس أمرهم، ويعرفوا كيفية التعامل مع واقعهم ويتقبلوه، أو يصبروا على مرارته".
وختم فضل الله :"نبقى على قناعتنا بأن موضوع السلسلة قابل للتنفيذ، بعيدا عن أية ضرائب على اللبنانيين نصر على تجنبها، وبعيدا عن أي تداعيات قد تصيب الخزينة والمواطن، إن قررت الدولة أن تحزم أمرها في مواجهة الفساد والهدر والمحسوبيات، لتوفر المال المطلوب للسلسلة. ويبقى أخيرا الهاجس الأمني الذي يهدد اللبناني، وهو إن انكفأ على مستوى الحالات التكفيرية بعد تحرير الجرود، ولكنه ما زال ماثلا على مستوى العدو الصهيوني، الذي ربما يقدم على مغامرة جديدة لا يزال يعد نفسه لها ويهدد بالقيام بها. ونحن إن كنا نستبعد ذلك، فهذا لا يعني أن ننام على حرير، وينبغي أن يكون الهاجس الأمني هو هاجس اللبنانيين، لا الجيش أو المقاومة فقط، وإن كان هذا الفريق يبذل جهده في الليل والنهار لردع العدو ومنعه من العبث بالساحة اللبنانية".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)