ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله عندما قال لنا: {استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين}، فقد أوصانا عندما تواجهنا التحديات، وتشتد المصاعب، ونشعر بالأرض تكاد تهتز تحت أقدامنا، بأن نستعين بقيمتين؛ أن نستعين بالصبر الَّذي يجعلنا نعيش هدوء النفس والسكينة، ولا نجزع، ولا نيأس، ولا نفقد التفكير السليم والواعي. والقيمة الأخرى أن نستعين بالصلاة، فهي معراج روح الإنسان إلى الله، ووسيلته الأفضل للتواصل معه، فالإنسان حين يرى نفسه أمام عواصف قاسية، ويشعر بضعفه في مواجهتها، يحتاج إلى سند قوي، وأي سند هو أعز من سند الله الذي بيده الأمر والملك والتدبير. والصلاة تحقق الارتباط والتواصل والعروج إلى هذا السند، لتولد معها الطمأنينة والسكينة اللازمتان لمواجهة التحديات. ولذلك، يذكر أن عليا كان إذا هاله أمر، يفزع إلى الصلاة، مرددا هذه الآية: {استعينوا بالصبر والصلاة}".
وقال: "البداية من لبنان، الَّذي لا يزال تحت وقع الصَّدمة الَّتي نتجت من الاستقالة المفاجئة وغير المتوقعة لرئيس مجلس الوزراء، فرغم مرور أيام عدة على حدوثها، فإنها لا تزال محل تساؤل اللبنانيين على مختلف المستويات، عن حقيقتها وجديتها وإذا ما كان قد أجبر عليها، وعن الأسباب والخلفيات الكامنة وراءها، والطريق الذي قد تؤدي إليه. من حق اللبنانيين أن يطرحوا كل هذه التساؤلات، فالاستقالة حصلت، وبشكل غير مسبوق، من خارج حدود الوطن، وإلى الآن لم تقدم بطريقة دستورية تؤدي مفاعيلها، إن كان الهدف منها هو الاستقالة فعلا، وهي جاءت خارج السياق الذي كان عليه الواقع السياسي. ورغم الخلافات الموجودة الَّتي حكمت الوضع السياسي الداخلي، فإنها لم تكن تنذر بنشوب أزمة سياسية حادة تؤدي إلى الاستقالة، فباب التسويات الذي يحكم كل شيء في السياسة الداخلية، كان لا يزال مفتوحا، والكل في الداخل اللبناني حريص على هذا التوافق".
وأضاف: "لكن وإلى أن تنجلي الصورة وتتضح معالم المرحلة، تسيطر على اللبنانيين أجواء القلق والترقب مما ستحمله إليهم الأيام القادمة على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني، وهم يعيشون تحت وطأة الشائعات والأخبار المختلفة التي تسعى إلى تسعير حرارة الأزمة، أو التغريدات النارية التي تحمل في كل يوم تهديدا للبنانيين بالويل والثبور وعظائم الأمور وانتظار المفاجآت، في ظل الحديث المتزايد عن أن التوافق السياسي الداخلي الذي نعم به اللبنانيون في الفترة الماضية، والذي أدى إلى تفعيل حركة المؤسسات، قد انتهى، وأن لبنان عاد ودخل فعلا أو أدخل في عين العاصفة، بعد أن أفلت منها طوال السنوات السابقة، وأن حاله سيكون كحال بقية الدول، وأن طبول الحرب بكل عناوينها قد بدأت، وما على اللبنانيين سوى انتظار المستجدات".
وتابع: "أمام هذا الواقع، وفي الوقت الذي لا نريد أن نهون من خطورة هذه المرحلة وتداعياتها، ومن المطلوب أن لا نهون منها، فإننا ندعو إلى عدم الاستسلام للتهويلات والانجرار خلف الشائعات والتحليلات المعروفة الأهداف التي تريد أن تسعر الخوف لدى اللبنانيين، ونحن لا نزال على قناعة بأن لبنان لا يزال محكوما بتغطية دولية وإقليمية تضمن له الاستقرار، وتمنع أي انفلات أمني، سواء على الحدود أو في الداخل، وهذا الذي نقوله دائما، ليس لسواد عيون اللبنانيين، وإنما لوجود أعداد كبيرة من النازحين السوريين فيه، وهم في عهدة الأمم المتحدة، ويخشى البعض أن يشكلوا مشكلة للغرب، ولأن المرحلة هي مرحلة تسويات، وليست مرحلة حرب ودمار".
وأكد أن "القوى الأمنية أثبتت جدارتها في حفظ الأمن، وستبقى كذلك دائما، كما أنَّ الاستنفار الحاصل على المستوى الاقتصادي، على صعيد المصرف المركزي والمصارف اللبنانية، سيترك أثره الإيجابي، ويبقى الأساس في ذلك هو الموقف الوطني الموحد الذي برز في مواجهة تداعيات ما جرى. ورغم ما صدر من أصوات محرضة، فإن الجميع يتعاطى مع المستجدات بمسؤولية، ويحرص على عدم القيام بأية خطوة من شأنها زعزعة الاستقرار الداخلي، ويسعى إلى العمل على معالجة الأزمة القادمة بروح استيعابية".
وقال: "هنا، لا بد من أن نقدر الحكمة التي تجلَّت في القيادات والفعاليات السياسية والدينية، ومن المطلوب استمرارها. ونحن من باب حرصنا على تحصين الساحة الداخلية التي قد يعمل البعض على زعزعتها، بالعودة إلى إثارة القضايا الخلافية الكبرى التي حرص اللبنانيون طوال المرحلة السابقة على تجنبها وإبقائها بعيدا عن التداول الداخلي، فإننا ندعو القيادات الفاعلة إلى أن تواصل منهجها في إطلاق الكلمة المسؤولة الواعية، والمواقف والتصريحات التي تقرب ولا تبعد، وأن لا تفسح المجال للموترين ليجدوا مجالا رحبا لهم في هذه المرحلة، وأن تعمل لتفعيل الحوار الداخلي، الذي لا ينبغي أن يحصل تحت وقع الضغوط القائمة، بل بفعل إرادة داخلية حريصة على الوحدة وعلى معالجة كل القضايا بروح وطنية ومسؤولة. ومن الطبيعي أن هذا الحوار لن يكتب له النجاح إلا بعد اكتمال عقد القوى السياسية الرئيسية وعودة الرئيس الحريري".
وتابع: "تبقى الإشارة إلى كل الداعين إلى أن يقف اللبنانيون لمواجهة مكون من مكونات هذا البلد، كما يثار الآن، إلى أن يكونوا حريصين على هذا البلد وعلى استقراره، وأن يراعوا واقعه الداخلي والتوازنات التي تحكمه، وأن لا يكونوا سببا لفتنة لن تقف إن حصلت، لا سمح الله، عند حدود هذا البلد".
وأسف "للواقع العربي، حين نرى أن هناك في الغرب من هو أكثر حرصا على استقرار الوضع اللبناني، حيث يتحدث مسؤولون غربيون عن أن ما يحدث في المنطقة هو محض جنون، وأن المنطقة بحاجة إلى حلول، وليست بحاجة إلى أزمات، وأن الحوار هو الباب الوحيد للوصول إليها، لا الحروب والفتن".
وختم: "أخيرا، إننا نتطلع اليوم باعتزاز إلى مشهد زوار الحسين؛ هذا المشهد الَّذي تنطلق فيه جموع المحبين، لتعبر عن التزامها بالمبادئ والقيم التي عمل الحسين لأجل تثبيتها؛ قيم العدل والوقوف في وجه الظلم والفساد والانحراف. إنَّ هذه الروح التي تحكم كل هذه الجموع، لا تنطلق من أسس مذهبية تريد أن تعبر عن نفسها في مواجهة المذاهب الأخرى، بل من أسس إسلامية ورسالية عالية تنفتح على كل المظلومين وعلى كل الرسالات السماوية. إننا نحيي هذه الروح التي نريد لها أن تعيش في رحاب الأمة وقضاياها، بعيدا من كل الحسابات الضيقة، حتى نحفظ واقعنا الإسلامي كله، ونتوحد بالحسين الحريص على وحدتنا وقوتنا ومنعتنا في مواجهة كل الظلم وكل الفتن". (۹۸۶۳/ع۹۴۰)