"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نحذر مما حذرنا منه رسول الله حين تحدث عما جرى للنبي موسى مع إبليس، فقال: "أخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه"، فقال: "إذا أعجبته نفسه، واستكثر عمله، وصغر في نفسه ذنبه". لقد أفصح الشَيطان عن خططه، فلنحذر الوقوع في فخه، ولنحذر من أن نرى في أنفسنا الكمال، وأننا بلغنا القمة في ما بلغناه، ولا حاجة لنا في أن نعمل، فأمامنا الكثير حتى نصل، ولا يزال الطريق أمامنا طويلا، حتى نبلغ من هم أعلى درجة منا، مما بلغه الأنبياء والأولياء والصالحون والمقربون. ولنتق الله في أن نرى ذنبنا صغيرا، فيما هو كبير، لأننا لا ينبغي أن ننظر إلى حجم الذنب، بل أن ننظر مع من أذنبنا. بالطبع، سيكون ذنبنا كبيرا إن أذنبنا مع من خلقنا وأوجدنا، ومع من لم يبخل علينا بشيء. ومتى اتقينا الله في ذلك، سنكون في أمان ممن حذرنا الله من عدوانه، وممن يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير. وبذلك، نصبح أكثر وعيا ومسؤولية، ونواجه التحديات".
وقال: "البداية من لبنان، الذي دخل في حمى الانتخابات النيابية، بعدما حسم الجدل حول حصولها في وقتها، رغم أن العديد من التفاصيل التي تتعلق بآليتها وشروطها لم تحسم بعد، ولا يبدو أن الخلاف حولها سيكون عقبة أمام إجرائها. وهذا ما يجعل القوى السياسية تنشغل بالاستحقاق الانتخابي، وتستنفر جهودها وطاقاتها لبناء تحالفاتها، التي لن تكون سهلة في ظل القانون الانتخابي الجديد والمعقد الذي لم تعتد عليه بعد، والذي سيفرض عليها أسلوبا جديدا من التحالفات".
أضاف: "يجري كل ذلك في الوقت الذي يستمر البلد في أزماته، من الأزمات القديمة المستجدة في قضية النفايات، ومعضلة الكهرباء الشائكة، وتلوث الأنهار، وموضوع المعلمين في التعليم الخاص والمتعاقدين في الدولة، إلى أزمة المرسوم العالق، وهو مرسوم أقدمية ضباط دورة 1994، والخلافات التي نشأت بسببه، وملف الفساد والدين العام الذي يتوقع أن يتجاوز ستة وثمانين مليار دولار".
وتابع: "إننا لا نريد في إشارتنا إلى هذه الأزمات أن نخلق في نفوس اللبنانيين اليأس والإحباط الذي قد يؤدي إلى القول: هذا لبنان، وسيبقى هكذا، و"فالج ما تعالج"، بل لنشير إلى أن كل ما نعانيه يعود إلى تأزم وتفكك في الواقع السياسي الداخلي، الذي بطبيعته ينتج أزمات ليس من السهل إيجاد الحلول لها، وإلى عدم وجود محاسبة، فلا يشعر المسؤولون في لبنان بأن عليهم أن يقدموا حساباتهم في نهاية المطاف عندما يأتي أي استحقاق، ليقال لهم: ماذا قدمتم؟ وإذا لم يقدموا: لماذا لم يحصل ذلك؟ هم محميون سلفا من طوائفهم أو مواقعهم السياسية أو من جهات خارجية مؤمنة لهم. ويكفيهم حتى يبلغوا قلوب الناس، وتصل إليهم أصواتهم، أن يدغدغوا عواطفهم ومشاعرهم المذهبية والطائفية، أو أن يجاملوهم، أو يقدموا لهم خدمات فردية، أو يفتحوا خزائنهم لهم، ليبقى البلد على حاله".
ورأى أن "ذلك ليس قدرا على اللبنانيين، فاللبنانيون قادرون على أن يصنعوا قدرهم أو يبدأوا بصناعته. إن الحل دائما بأيدي اللبنانيين، فهم أصحاب القرار في تغيير واقعهم والنهوض به، والتغيير يحصل عندما تتغير النفوس، وتتغير العقلية، ويتغير أسلوب تعاطيهم مع من يتحمل المسؤولية، وعندما يصبح الاختيار على أساس من هو الصادق والأمين والنزيه، الذي لم تتلوث يداه بفساد. عندما يفكر الإنسان في هذا البلد بهذه الطريقة، ويعرف أصحاب القرار أن الإنسان أصبح أكثر وعيا ودقة في تعامله مع الشأن العام، كما الخاص، فسيعيد هؤلاء النظر في قراراتهم ومواقفهم، وسيصبح المواطنون أكثر حرصا لدى اختيارهم، بأن يختاروا الأكفاء والأمناء والصادقين والنزيهين".
وتابع: "وهنا، نقول للمواقع السياسية العليا التي وضع الناس ثقتهم عندها: إن هذه الثقة التي وضعت عندكم هي مسؤولية، وعليكم أن تكونوا أوفياء لمن يفي لكم".
وقال: "في مجال آخر، في ما يتعلق بالعملية الآثمة التي تعرض لها أحد كوادر حماس، فإننا لا بد لنا من أن ننوه بالدور الذي قامت به الأجهزة الأمنية في سرعة الكشف عن منفذي العملية، وإعادة أحد الذين نفذوها إلى لبنان بعد فراره. وفي الوقت نفسه، لا بد من أن ننبه إلى خطورة هذا الاختراق من العدو الصهيوني، بعدما أصبح واضحا ضلوع الموساد الإسرائيلي فيه، ما يستدعي عملا دؤوبا من الدولة اللبنانية، واستنفارا من الأجهزة الأمنية، وتعاونا من المواطنين، لمنع تكرار حصولها، بعدما أصبح واضحا أن هذا الكيان الصهيوني لن يكل ولن يمل عن العبث بالنسيج الداخلي اللبناني وباستقرار هذا البلد".
وتابع: "نبقى في لبنان، لنشير إلى ضرورة التنبيه إلى خطورة التقليل من أهمية القبول بأي عمل أو منتج له علاقة بالكيان الصهيوني بشكل مباشر، أو بداعميه، أو التسويق لتقبل هذا الكيان بعنوان فني أو ثقافي أو سياسي، مما يريده البعض أن يتحول إلى حالة طبيعية. إن السماح بهذا الانزلاق نحو التطبيع، يراد له أن يكون عنوانا لاستهداف المنطقة، وهو عندما يقدم لنا، فإنه يقدم على جرعات خفيفة. إن علينا أن لا نقلل أبدا من خطورة هذا الكيان على النسيج الداخلي اللبناني، وعلى العالم العربي والإسلامي، وهو لن يكون أبدا صديقا للبنانيين أو العرب أو المسلمين، وإن خيل لبعضهم ذلك".
وختم: "أخيرا، يبدو، ومن خلال الكثير من المواقف الغربية والعربية، أن محاولات تصفية القضية الفلسطينية سوف تتصاعد هذا العام، على خلفية القرار الأميركي بإعلان القدس عاصمة للكيان، ومن خلال المواقف الداعية إلى إعادة المفاوضات مع إبقاء الأوضاع على حالها، أو الخطوات المتصاعدة للإدارة الأميركية في العمل لإنهاء قضية اللاجئين، عبر الضغط على الأونروا تارة، أو من خلال المواقف التي أطلقها نائب الرئيس الأميركي في زيارته الأخيرة للكنيست الصهيوني، حيث بات واضحا أن الإدارة الأميركية والعدو الصهيوني يريدان القضاء على حق العودة وتوطين اللاجئين في بلدان الشتات. إننا نرى أن الخيار بيد العرب والمسلمين، وأن القدس وفلسطين ليستا عنوانا قابلا للشطب والإنهاء، حتى وإن غطى ذلك مسؤولون عرب. ولذلك، ندعو إلى إعادة تنظيم مسألة المواجهة مع العدو، وجمع كل الطاقات، ودعم الشعب الفلسطيني بكل الإمكانات، لنعيد القضية الفلسطينية إلى الصدارة، على الرغم من كل المشاكل التي تعصف بواقعنا العربي والإسلامي، ولتكون الكلمة في النهاية للشعوب العربية والإسلامية وللشعب الفلسطيني أولا وأخيرا". (۹۸۶/ع۹۴۰)