کما طالب العلماء والمبلغين وساسة العالم والرياديين في المجتمع للحد من ظاهرة التطرف التي شوهت صورة الإسلام، والتأكيد على الوحدة والألفة والمحبة، ونبذ الحقد والكراهية، واحترام دم المسلم وعرضه وماله؛ لأن حرمته كحرمة الكعبة.
جاء حديثه هذا بمناسبة الولادتين الكريمتين: ولادة النبي الأكرم (ص) في السابع عشر من ربيع الأول عام الفيل، وولادة حفيده الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) عام ٨٣هـ. وقال سماحته إن مصادفة حصول الولادتين في يوم واحد دليل على وحدة الهدف والمنهج بين ولادة المؤسس والمجدد، الذي أوضح ملامح الرسالة الإسلامية وجلّاها بمناهجها التشريعية والتربوية والأخلاقية والثقافية والعلمية والسياسية وغيرها.
والواجب علينا -ونحن نعيش بعطر المناسبتين- أن نحتفل بهما؛ لأنهم القدوة لنا، {لقد كان لكم في رسول اللله أسوة حسنة} وإعظاماً للنبي والعترة الطاهرة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً؛ لأننا جزء منهم، للحديث الوارد عن أمير المؤمنين (ع): (إن الله اطلع على الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة ينصروننا، يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منا وإلينا).
وفي الاحتفال بالمولدين نصرة للنبي وأهل البيت (ع)، وفرح لفرحهم، ولكن لا يتأتى هذا إلا لمن سار على نهجهم، والتزم بخطهم.
وقد جاء في الخبر عن جابر عن أبي جعفر (ع): (يا حابر لا تذهبن بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاه، ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً؟ فلو قال: إني أحب رسول الله -ورسول الله (ص) خير من علي- ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه شيئاً. يا جابر من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو).
وفي خبر عن أبي زيد: كنت عند أبي عبد الله فدخل عيسى بن عبد الله القمي فرحب به وقربه من مجلسه، ثم قال: (يا عيسى بن عبد الله ليس منا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه).
هذا ومن أهم المظاهر في الاحتفال بهذه المناسبة الكريمة هو الحفاظ على الوحدة بين المسلمين، ونبذ الضغينة فيما بينهم، خصوصاً في هذا العصر الذي انتشرت فيه ظاهرة الإرهاب والتطرف الفكري المبني على استخدام العنف، وعدم القبول بالتعايش مع الآخرين، وما تبع ذلك من تصرفات شوهت سمعة الإسلام، وسببت إراقة الكثير من دماء المسلمين، وعدم الاستقرار في عدد من دول المنطقة.. ولا بد من الحذر من اتساع هذه الظاهرة واستمرارها إلى دول وشعوب أخرى.
إن الواجب على العلماء والمبلغين والساسة في العالم والرياديين مكافحة هذه الأفكار، واعتماد الفكر المعتدل الذي بني عليه الإسلام والديانات السماوية كأساس في التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع وأطيافه.
ومن هنا نرى التعاليم الإسلامية التي وردت على لسان نبينا الأكرم (ص) والأئمة الأطهار من عترته (ع) تأمرنا بالتعامل مع الناس بالإحسان والمودةو المحبة؛ وذلك لصحيحة عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق أنه سمعه يقول: (أوصيكم بتقوى الله ولا تحملوا الناس على أكتافكم فتذلوا، إن الله عز وجل يقول في كتابه: {وقولوا للناس حسناً}. عودوا مرضاهم، واحضروا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصلوا في مساجدهم).
وفي حديث مرازم أنه قال: (عليكم بالصلاة في المساجد، وحسن الجوار للناس، وإقامة الشهادة، وحضور الجنائز. إنه لا بد لكم من الناس، إن أحداً لا يستغني عن الناس حياته، والناس لا بد لبعضهم من بعض).
وفي صحيحة معاوية بن وهب: قلت له: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟ فقال: (تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون.. فوالله إنهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون لهم الشهادة لهم وعليهم، ويؤدون الأمانة إليهم).
وفي حديث كثير بن علقمة: (كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً، حببونا إلى الناس، ولا تبغضونا إليهم، فجروا إلينا كل مودة، وادفعوا عنا كل شر).
إلى غير ذلك من الأحاديث في هذا الباب التي لم تبق ذريعة لمسلم ولا لمسلمة بأن يرتكب ما يغضب الله ورسوله وأهل بيته (ع). وبناء على هذا فإن طبقنا ذلك والتزمنا بهذه الوصايا والتعاليم كنا قد احتفلنا بالمولودين الكريمين.
وأخيراً، أهاب سماحته بمن لهم شأن في المجتمع من علماء ومبلغين وغيرهم بأن يؤكدوا على وحدة المسلمين بعيداً عن الفتاوى التكفيرية والتفريقية والمذهبية؛ لأن الاختلاف في الفكر والعقيدة والمذهب لا يبيح للإنسان أن يستحل دم أخيه وعرضه وماله باسم الإسلام والتوحيد والرسالة. فالله الله يا علماء الإسلام ورجال الدنيا وقادتها في صون دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم؛ فإن التعدي عليها يغضب الله ورسوله والعترة والطاهرة، {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين}.
هذا ونسأل المولى سبحانه وتعالى أن يجعلنا من السائرين على نهج النبي والعترة الطاهرة، إنه سميع مجيب.