ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام علي، عندما قال لنا: "تعاهدوا أمر الصلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقربوا بها، فإنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا: ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين، وإنها لتحت الذنوب حت الورق (عن الشجرة)، وتطلقها إطلاق الربق، وشبهها رسول الله بالحمة (كل عين تنبع بالماء الحار يشفى بها من العلل)، تكون على باب الرجل، فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات، فما عسى أن يبقى عليه من الدرن. وقد عرف حقها رجال من المؤمنين الذين لا تشغلهم عنها زينة متاع، ولا قرة عين من ولد ولا مال، يقول الله سبحانه: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة}". كان رسول الله نصبا بالصلاة بعد التبشير له بالجنة، لقول الله سبحانه: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها}، فكان يصبر عليها نفسه، لكنها بالطبع ليست أي صلاة، هي الصلاة الواعية، الصلاة الخاشعة، الصلاة التي تنطق خشية وحبا وعشقا لخالقها. إننا أحوج ما نكون إلى أن نعزز قيمة هذه الصلاة في نفوسنا، فهي حصن نتحصن به من سطوات الشيطان في داخلنا؛ الشيطان الذي يعيش في عقولنا وقلوبنا وجوارحنا، وهي عوننا في الحياة، لقول الله سبحانه: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}. وبها نكون أقدر على مواجهة التحديات".
وقال: "البداية من لبنان، الذي تحركت فيه عجلة المشاورات التي أطلقها رئيس الجمهورية لحل العقدة الأخيرة من عقد تأليف الحكومة، لإخراج البلد من حال المراوحة في الملف الحكومي، بعدما لم يبد أي من الفرقاء المعنيين بحل هذه العقدة استعدادا للتنازل المطلوب، وبعدما وصل البلد إلى حال من الانحدار والتردي على كل الصعد، مما ينذر بكارثة، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، وهو ما حذرت منه مراجع دولية وسياسية واقتصادية، وكان آخرها تحذير رئيس الجمهورية".
وأكد أن "هذه التحذيرات جادة وموضوعية، وليست كما يصورها البعض، بأنها ذات غايات سياسية بهدف الضغط على الأفرقاء السياسيين لإنجاز الملف الحكومي، وتشهد بذلك الوقائع على الأرض، من إقفال شركات ومؤسسات وبطالة وهجرة، وما يطاول الهواء والماء والغذاء من تلوث وما إلى ذلك. إن من المؤسف أن لا نجد حتى الآن حرارة مطلوبة وإحساسا بالخطر الداهم في التعامل مع كل هذه المحاذير رغم جديتها، فلا تزال المواقف والتصريحات على حالها ولم تتبدل، ما يجعل اللبنانيين يتساءلون: على ماذا تراهن القوى السياسية وهي ترى البلد بهذه الصورة؟ وهل يوازي حجم ما تصبو إليه المحاذير التي قد تنتج من الكارثة إن حصلت؟ طبعا، هذا لا يعني أننا ندير ظهورنا لمطالب هذا الفريق أو ذاك، والتي قد تكون محقة ومبررة، أو الهواجس التي قد يشعر بها هذا أو ذاك. ولكن لا يمكن، وفي كل ذلك، أن لا نأخذ في الحسبان الواقع المزري الذي قد يصل إليه البلد، والذي إن حصل فيصيب الجميع ويهدد الوطن".
أضاف: "لقد كنا نراهن سابقا على تدخل دولي وإقليمي ومسكنات لأي انحدار اقتصادي، ولكن هذا لم يعد متاحا في ظل انشغال العالم بمشاكله، ويخشى أن يكون في هذا العالم من يريد للبنان أن يصل إلى حافة الانهيار، حتى يأتي ليقول: إننا نعطيكم، ولكن لا بد من أن تعطوا من حريتكم ومن أمنكم ومن استقرار بلدكم وقوته. إننا أمام ما يجري، نعيد دعوة القوى السياسية إلى اجتراح الحلول وإيجاد التسوية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب".
وتابع: "في موازاة ذلك، يستمر العدو الصهيوني بأعمال الحفر التي بدأها على السياج الحدودي بين لبنان وفلسطين، بحجة وجود أنفاق، مع ما يواكب ذلك من تهديدات للبنان واللبنانيين. وآخرها تهديد رئيس وزرائه، الذي يسعى من خلال ذلك إلى الضغط على لبنان من جهة، وعلى الأمم المتحدة من جهة أخرى، لتغيير قواعد التفويض المعطى للقوات الدولية، والدخول على خط القرار 1701، لعله يحقق من خلال التهديد والوعيد ما لم يستطع تحقيقه بالحرب المباشرة. ولكن هذا لن يحصل، فهذا العدو أضعف من أن يفرض شروطه، رغم كل القدرات التي يملكها، والتغطية التي تأمنت له، نظرا إلى الإرباك الذي يعانيه، والذي تشهد به غزة والضفة الغربية، وإلى جهوزية الجيش اللبناني والمقاومة، ووعي الشعب اللبناني الذي لم تعد تخيفه التهويلات".
وقال: "إلى فلسطين المحتلة والضفة الغربية، حيث تتوالى العمليات البطولية، وليس آخرها العملية التي جرت شرق مدينة رام الله، والتي أصابت مقتلا في العدو، وجاءت ردا طبيعيا على السياسة التي يتبعها لإذلال هذا الشعب وقهره، وهي تؤكد وحدة العمل المقاوم في الضفة الغربية وغزة. ونحن في الوقت الذي نحيي هذه النماذج من الشعب الفلسطيني الذي أثبت أن الاحتلال ليس قادرا على تطويعه، ندعو كل العرب والمسلمين إلى تحمل مسؤولياتهم للتضامن مع هذا الشعب ورفده بكل عناصر القوة والصمود".
وختم: "نصل إلى اليمن، حيث نأمل أن تساهم القرارات الناتجة من المفاوضات التي جرت أخيرا في السويد بين الأطراف اليمنيين، إلى فتح باب الحل لإنهاء هذه الحرب الكارثية بكل أبعادها".