ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، أشار فيها إلى قول الامام علي بن ابي طالب "فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية. فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها، عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على إذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء. وإذا غلبت الرعية واليها، أو أجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور".
وقال:"إن ما عناه أمير المؤمنين علي هو أن الرعية لا تصلح إلا بصلاح الوالي، ولا يصلح الوالي إلا باستقامة الرعية؛ وتبادل الحقوق في ما بينهم يعز الحق وينشر العدل ويقيم الدولة التي تيئس الأعداء، أي الدولة القوية بدستورها وبقوانينها وبالتزاماتها حيال مطالب الناس وشؤونهم، وليست الدولة الفاسدة، دولة العناوين والشعارات الفارغة وتضارب المصالح. أما إذا غلبت الرعية واليها أو أجحف الوالي برعيته، وقع الخلاف، وظهرت معالم الظلم والاستبداد، حينئذ لا يستغربن أحد مما قد يحدث من تعطيل لحق، وتفعيل لباطل ومن إعزاز لأشرار وإذلال لأبرار".
ولفت المفتي قبلان إلى "أن ما نعيشه في هذا البلد يتطابق تماما مع ما ورد في قول أمير المؤمنين، فحالنا نحن اللبنانيين جميعا حال عوز وإهمال وفقر وقلق دائم على المصير، فلا استقرار أمنيا، ولا أمان اجتماعيا، ولا رؤى سياسية يؤمن إليها، لا اقتصاديا ولا اجتماعيا، بل نعيش الفوضى وغياب الدولة، فيما السلطة ومن معها وضدها في حلبة صراع، صراع المصالح، صراع الصفقات والحصص الوزارية، والحقائب السيادية والخدماتية، كأن البلد مجموعة هدايا ينبغي توزيعها على هذا وذاك من المتنفذين في هذه الطائفة أو تلك. أما الناس فلا حول لهم ولا قوة إلا الجوع والبطالة والانتظار على قارعة اللانهاية، حيث كلما استبشرنا خيرا بأن الحكومة ستولد، والوعود سيتم الوفاء بها، نفاجأ بالعقد والقطب المخفية والإملاءات الخارجية، ويبدأ كل فريق باتهام الآخر والتلميح إليه دون أن يسميه، الأمر الذي يجعلنا كمواطنين نعيش في نفق من الألغاز والرموز المشفرة التي يستعصى حلها، ويصعب فهمها ومعرفة ما الذي يجري؟ ولصالح من كل هذا التعطيل والتأخير في ولادة حكومة؟".
وتابع: "يقولون بأنها ستكون حكومة الوحدة والإنقاذ والإنتاج، فيما الحقيقة والواقعية السياسية تشيران إلى أن الآتي أعظم، وأن الخلافات والاختلافات، وعوامل التسيب والفساد والإفساد، ستكون أبشع مما هي عليه، طالما أن هذه الطبقة السياسية التي خربت البلد، وأفلسته، وهجرت شبابه، ونغصت عيش أبنائه، لا تزال على نهجها في نهب الدولة، وتخريب مؤسساتها، ولا تعترف بقيامها، لأن الدولة إذا ما قامت كما ينبغي وكما يجب أن تكون، فهناك العديد من الأقنعة ستسقط، والكثير من المكاسب والمكتسبات ستزول".
وأكد "أن الخلاف على التأليف ليس خلافا على البرامج، ولا على الإنتاج، ولا على كيفية تحسين ظروف الناس الحياتية والاجتماعية، ولا على حل مشكلة النفايات وعقدة الكهرباء، بل الخلاف على حصة هذا الفريق وذاك، ما يعني أن الخروج من أزماتنا لن يكون قريبا طالما أن مفهوم السلطة بات ينطلق من الاعتبارات الطائفية والمذهبية، وعلى قاعدة المغانم وتقسيم الحصص التي علقت العمل بالدستور وعطلت القوانين، وحولت العمل السياسي إلى مسرحية من النفاق والتكاذب وخداع الناس".
وقال: "إن ما وصلت إليه البلاد والعباد من واقع مأزوم ينذر بانفجار كبير، بدأت دلالاته تظهر بوضوح من خلال معاناة الناس وفقرهم وجوعهم ووجعهم، خصوصا ذوي الدخل المحدود، وأصحاب الحقوق المغتصبة، إننا مع صرختهم وإلى جانبهم في مواجهة السياسات الاقتصادية الفاشلة والمشاريع المتهورة، ولكن ندعوهم إلى حراك سلمي، وتعبير حضاري، بعيدا عن أي استفزاز أو تخريب أو تكسير".
وتابع: "ولمن يريد أن يسمع، فان الفرص ضاقت والخيارات قلت، فإما أن تسارعوا إلى التوافق والتفاهم، ليس على تأليف حكومة إنقاذ فحسب، بل على إعادة بناء وطن اللاطوائف، ودولة المواطنة، دولة الكفاءة والإنسان في لبنان، لا دولة الأديان، وإلا فإننا ذاهبون إلى فتن قد لا تبقي ولا تذر".
وعن القمة الاقتصادية المزمع عقدها في لبنان، فقد دعا قبلان المعنيين إلى "أن يكونوا لبنانيين بمقدار مصالح لبنان، التي تفترض بشكل جازم وحازم دعوة سوريا لحضور القمة، والتنسيق معها لتأكيد المصالح المشتركة، وليس لطمر الرأس في الرمال، أو التعويل على رهانات مستقبلية، يظن البعض أن بمقدوره المساومة من خلالها، لأن لبنان اليوم غير لبنان الأمس، وزمن بيعه واسترهانه قد انتهى".