ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين، في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الرضا تلميذه السيد عبد العظيم الحسني الذي يزار في طهران، عندما سأله بما يوصي به شيعته، فقال: "أبلغ عني أوليائي السلام، وقل لهم ألا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلا، ومرهم بالصدق في الحديث وأداء الأمانة، ومرهم بالسكوت، وترك الجدال فيما لا يعنيهم، وإقبال بعضهم على بعض، والمزاورة، فإن ذلك قربة إلي. ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضا، فإني آليت على نفسي أنه من فعل ذلك وأسخط وليا من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب، وكان في الآخرة من الخاسرين. وعرفهم أن الله قد غفر لمحسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، إلا من أشرك به أو آذى وليا من أوليائي أو أضمر له سوءا، فإن الله لا يغفر له حتى يرجع عنه، فإن رجع وإلا نزع روح الإيمان عن قلبه، وخرج عن ولايتي".
وتابع: "لقد أراد الإمام من خلال ذلك أن يظهر الصورة الحقيقية لمحبيه ومواليه، وللمجتمع الموالي لأهل البيت. ومن دونها يفقد المجتمع هذه الصفة، فمجتمع أهل البيت هو مجتمع الصادقين والأمناء والمطيعين لله والواعين الذين يقوي بعضهم بعضا، ويشد بعضهم أزر البعض الآخر، لا أن يسقط بعضهم بعضا، أو يهمش بعضهم بعضا، أو يشغلوا أنفسهم بالمناكفات والصراعات والهوامش. فلنستوص بهذه الوصية، لنكون بذلك أكثر قوة وحضورا ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات، وما أكثرها!"
واضاف فضل الله: " في البداية من لبنان، حيث لا تزال تداعيات حادثة الجبل تلقي بثقلها على الواقع السياسي، ولا زال الخلاف مستمرا حول آلية علاج ما حدث، وإلى من يتم الاحتكام، إلى المجلس العدلي أو إلى القضاء العادي! والذي وصل إلى حد تعطيل عمل الحكومة وعدم اجتماع مجلس الوزراء. ونحن في هذا المجال، نأمل أن تؤدي المساعي الجارية إلى الخروج بصيغة حل نريدها أن تعالج الأسباب التي أدت إلى ما حصل، والذيول التي أنتجتها، وأن لا يعود الشارع ليكون هو الوسيلة التي تعتمد لتوجيه الرسائل أو لعلاج التوترات وحل المشكلات، ليكون الحل دائما عبر الحوار ومن داخل المؤسسات التي تنضوي كل القوى السياسية الفاعلة تحتها".
وقال: "إن من المعيب أن نصل إلى المرحلة التي يقال فيها إنه يخشى أن تتفجر مؤسسة مجلس الوزراء ويتعطل دورها عند مناقشة الأزمات، وهي المؤسسة المنوط بها إدارة شؤون البلد ومعالجة مشاكله. ومع الأسف، يأتي هذا الأمر في وقت يعاني البلد أزمة الضغوط التي تمارسها أميركا والغرب، والتي وصلت إلى مفاصل الدولة اللبنانية، من خلال فرض عقوبات على نائبين لبنانيين، في وقت يحذر الاقتصاديون من أن عدم اجتماع مجلس الوزراء يترك آثارا سلبية على المناخ العام للبلاد، ويوجه رسالة سلبية إلى وكالات التصنيف الدولية التي تأخذ في الاعتبار الأداء الحكومي في معالجة الوضع الاقتصادي، ويؤدي إلى توقف العمليات الإصلاحية المطلوبة في هذا البلد، ويؤخر استحقاقات داهمة في الأشهر المقبلة، كملف النفط وسيدر، ويؤخر إقرار موازنة العام 2019".
واردف فضل الله: "في هذا الوقت، تعود إلى الواجهة أزمة النفايات، بعد الحديث عن عدم قدرة المطامر المستجدة على استيعاب كميات إضافية، وقد استمعنا أخيرا إلى التحذير الذي صدر عن رئيس اتحاد بلديات الضاحية بقوله إن مطمر كوستا برافا لن يعود قادرا بعد عشرة أيام على استقبال نفايات جديدة، ما يعني عودة النفايات إلى الشارع إن لم تعالج الأمور سريعا، والأمر نفسه في مطمر برج حمود وفي مطامر أخرى. ومع الأسف، لم يحرك أحد ساكنا، ولم يتعاط أحد بالجدية المطلوبة. وهذا يضاف إلى الأزمات الأخرى المستعصية التي يعانيها المواطنون، من أزمات الماء والانقطاع المتزايد للكهرباء والتلوث في الماء والهواء، فأي واقع هو هذا الواقع الذي يعيشه اللبنانيون، وأي دولة هي التي لا تلتفت إلى مواطنيها إلا عندما تحتاج قواها السياسية إليهم، لاستنفار غرائزهم لإدارة صراعاتهم أو لكسب أصواتهم!"
لذلك، نقولها للبنانيين: مزيدا من الوعي، ومزيدا من حس المسؤولية تجاه وطنكم ووطن أولادكم وأحفادكم، ومزيدا من المحاسبة لمن يسيئون إلى كراماتكم وإنسانتيكم.
ونبقى في لبنان، حيث نستعيد اليوم ذكرى بداية حرب تموز في العام 2006م؛ هذه الحرب التي كانت تستهدف القضاء على كل عناصر القوة في البلد، من إنهاء مقاومته، وإنهاك شعبه وجيشه، وتدمير بنيته التحتية، وإعادته عشرات السنين إلى الوراء، كما صرح بذلك مسؤولو العدو آنذاك. وقد استطاع لبنان من خلال هذا التكامل الذي حصل بين المقاومة والشعب والجيش، أن يكسر هجمة العدو، ويسقط الأهداف السياسية لإسرائيل التي كانت تريد صياغة شرق أوسط جديد، بدءا بإخضاع لبنان الذي يمثل أحد أبرز مواقع الصمود في المنطقة، وصولا إلى استكمال إسقاط المواقع الأخرى.
وقال فضل الله: "إننا في هذا اليوم الذي نستعيد فيه كل معاني الصبر والصمود والثبات وروح المقاومة، وأمام ما يواجه لبنان من تحديات من هذا العدو، الذي لن يكف عن العمل للثأر لهزيمته وإخضاع هذا البلد، بالتهديدات المستمرة وتدريباته ومناوراته التي تمهد لشن حرب جديدة، والمحاولات المستمرة لتعطيل أي حل يحفظ حقوق لبنان في أرضه وبحره، ندعو إلى الحذر من أي عدوان جديد، ونشدد على تعزيز الوحدة الداخلية وتحصينها للوقوف في وجه غطرسة هذا العدو ومؤامراته.
وأخيرا، هنأ الاهالي والطلاب على النجاح في الشهادات الرسمية الذي ما كان ليحصل لولا تعب الأهالي وسهر الطلاب وجهدهم، متمنيا لهم "الاستمرار صعودا في النجاح"، داعيا إلى "معالجة جادة لظاهرة إطلاق الرصاص "الابتهاجي" التي لا تزال تتسبب بسقوط المزيد من الضحايا، فإن الإنسان قد يكتب قاتلا أو جارحا أو مشاركا في سفك دماء الناس، في الوقت الذي يعتقد أن ليس في ذمته شيء لهم".
المصدر: الوکالة الوطنیة