وكانت هناك كلمةٌ توجيهيّة وإرشاديّة لوكيل المرجعيّة الدينيّة العُليا في النجف الأشرف سماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)، هذه أبرز مضامينها:
- الإمام الحسين(عليه السلام) هو شخصيّةٌ من طرازٍ خاصّ، وكلّ المؤشّرات التي اكتملت بشخصيّته (عليه السلام) كانت تشير الى أنّ حدثاً كبيراً سيقوم به (عليه السلام)، وأوّل من تنبّأ بذلك هو النبيّ المصطفى(صلّى الله عليه وآله)، وقد تعامل معه (عليه السلام) معاملةً خاصّة.
- هذه الإشارات من النبيّ(صلّى الله عليه وآله) ستبقى حجّةً على جميع من وصلها خطابُه (صلّى الله عليه وآله)، الحجّة تكمن أنّ النبيّ عرّف بالحسن وعرّف بالحسين لما لا مزيد عليه من التوضيح أكثر ممّا هم عليه.
- الأنبياء ليس دائماً ينتصرون بالمعاجز، المعجز موجود لإثبات كونه نبيّ وأصبح حجّةً على الذي سمع والذي رأى، إذا كان هناك من يشكّك فهو غنيّ عنه، بعد ذلك يبقى التكليف خارج إطار هذا الجانب.
- البعض لم يكن يؤمن بالإمام علي(عليه السلام) كأميرٍ للمؤمنين وكإمام، وإنّما يؤمن به كخليفةٍ وقتيّ والمشكّكون كانوا كثر، ولذلك انشقّ من جيشه مجموعةٌ كبيرة نُعِتوا بالخوارج.
- الإنسان يجب أن يقاتل تحت رايةٍ يعرفها حقّ المعرفة، لأنّ فيها موتاً والموت عبارة عن إزهاق النفس، والإنسان ليست له إلّا نفسٌ واحدة، وهذا من العجيب في سلوكيّات هؤلاء، في الوقت الذي كان يقاتل معهم (عليه السلام) قاتلوا ضدّه بل رفعوا شعارات كفّرت أمير المؤمنين(عليه السلام)، وبعض هؤلاء كان مع الإمام الحسن(عليه السلام) من قبيل شبث بن ربعي، هذا كان مع الإمام الحسن(عليه السلام) وأمثاله مجموعة كبيرة، فالوثوق بهؤلاء لم يكن عند الإمام الحسن(عليه السلام)، وهذه الحالة الخاصّة لم تكن عند سيّد الشهداء(سلام الله عليه).
- إنّ النبوّة شيءٌ خاصّ والإمامة شيءٌ خاصّ آخر، نحن لا نتحدّث على ما أعطى النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وإنّما نتحدّث ما كان من أتباعٍ لنبيٍّ محدّد أو لإمامٍ محدّد أو لعالمٍ أو لوليّ من الأولياء، هؤلاء الأتباع لهم دورٌ كبير في بقاء هذه الفكرة.
- الإمام الحسين(عليه السلام) بعض الذين اتّبعوه كانت عندهم فكرة أو تصوّر أنّ الأمور الظاهريّة ستكون للإمام الحسين(عليه السلام)، ولذلك عندما جاءه نعي مسلم(عليه السلام) أعلن ذلك لأصحابه والبعض رجع، لم يبقَ معه إلّا ثلّة وهذه الثلّة التي سترسم التاريخ، هذه الثلّة هي التي ستكتب ما كان للإمام الحسين(عليه السلام) من دورٍ خاصّ.
- الإمام الحسين(عليه السلام) كان عنده مشروع إصلاحيّ كبير، قال: (إنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي)، لا يُمكن لسيّد الشهداء أن يطلب الإصلاح بمعيّة مَنْ يكون من الضعفاء، لا يُمكن لأنّ هذا يكون نقض الغرض، بل يكون الإمام لا حاجة له بهم أصلاً، بل هؤلاء سيُزلزلون عقيدة، إذا انهزم البعضُ سيُزلزل عقيدته إذا كان معه أحد يكون على هذه الشاكلة، فلا يكون شخصٌ عاقلٌ فضلاً عن سيّد الشهداء أن يأتي بمشروعٍ كبير وضخم جدّاً ويعتمد على رجالٍ ضعفاء.
- الفرق بين الإمام الحسن والإمام الحسين(عليهما السلام) -هذا حديثٌ جدّاً مهم-، أنّ الإمام الحسن لم يختر أصحابه أمّا الإمام الحسين(عليه السلام) اختار أصحابه، فقد جاءت معه الثلّة الباقية من معارك أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام).
- عند المشهد الحسينيّ الإمام الحسين اختار أصحابه لماذا؟ لأنّ الإمام الحسين(عليه السلام) عنده قضيّة كبيرة، والقضيّة الكبيرة ينهض بها أُناسٌ كبراء في العقل والفهم.
- ورد عندنا مصطلحٌ في بعض الآيات وورد في بعض الروايات أيضاً، وهو مصطلح (البصيرة)، في أواخر سورة يوسف بعض الآيات تبيّن أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) يدعو على بصيرة (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) معنى البصيرة هنا أنّ البصيرة عبارة عن إدراكٍ مميّز، البصيرة عبارة عن فهمٍ وعلمٍ لا يقبل التزلزل، هؤلاء في كلّ زمانٍ ليسوا كثر، ولذلك الجيش المقابل لجيش الحسين(عليه السلام) عندما وصلت أخبار شجاعة هؤلاء -أنصار الحسين-، قيل لهم: إنّكم تقاتلون أناساً أصحاب بصائر.
- صاحبُ البصيرة يختلف عن البقيّة، فقد يكون الإنسان شجاعاً لكن ليست لديه بصيرة.
- الإمام الحسين(عليه السلام) كان لديه مشروع، فكان يتحرّى من يمكن أن يدخل فيه، كان يبحث عن هؤلاء لأنّ هؤلاء يمكن أن يتوفّقوا ويدخلوا في هذا المشروع الضخم الذي سيخلّد الدين، وقطعاً هذا المشروع ليس مشروعاً شخصيّاً ولا ينهض به إلّا من يتّصف بالعلاقة المباشرة بينه وبين السماء.
- إصلاح الإسلام لا ينهض به إلّا من كانت له صلة مباشرة مع السماء.
- من المفارقات أن لا يتّبع الإنسان علمه بل يتّبع جهله.
- نحن أمام مفردة تسمّى (البصيرة)، هذه البصيرة كانت مفقودة عند بعض جيش أمير المؤمنين(عليه السلام) ولذلك أجبروه على التحكيم.
- عند سيّد الشهداء الوضع اختلف، فترة شهادة الإمام الحسن (51 أو 52) للهجرة الى (61) للهجرة، عشر من السنين مضت انكشفت بعض الأوراق التي كانت غائبة عن البعض، وعلم الإمام الحسين(عليه السلام) من الآخرين أنّه أُرِسل اليه البعض لغرض قتله، وهو (سلام الله عليه) القائل -معنى الرواية- (...حتى تخرج العلق من جوفي، فلئن أُقتل خارج الحرم بشبر أحبّ إليّ من أن أُقتل داخل الحرم).
- هذه هامش صغير بعد سيّد الشهداء، الأئمّة قاطبةً قُتلوا سواءً في أعمارٍ كبيرة مثل الإمام الصادق أو صغيرة مثل الإمام الجواد، لماذا؟ لأنّه ما دام الإمام موجوداً ولا ينظمّ الى سلكهم معنى ذلك أنّ هناك نقصاً عندهم.
- أمامنا التاريخ الآن، ما دام الإمام لم يكن معهم إذن لديهم عيب، وقطعاً العيوب الدنيويّة الإمام ليس بصددها، لابُدّ من وجود عيبٍ دينيّ ولابُد من وجود مناقضةٍ دينيّة.
- المناقضة والعداوة الدينيّة غير قابلة للمصالحة، والإمام الحسين قال: (ومثلي لا يُبايع مثلك).
- الإمام الحسين(عليه السلام) لا يُمكن أن يقبل بقضيّة دينيّة يراها باطلة بعينه والأئمّة أيضاً، ولذلك ما دام الإمام موجوداً فمع ما أوتي الباطل من منعةٍ ظاهريّة ومن جيشٍ عرمرم ومن أموالٍ هو يشعر بالنقص، فهو أمام حالتين إمّا أن يأتي معه وإمّا أن يقتله.
- أقول إنّ كلّ ما في الأمر يكمن بقوّة وبصيرة وإدراك المؤمن، بعضٌ يرى هذه من أكاذيبهم، لا تنطلي عليهم وإن جاء بخمسين شاهد زور لا يعتقد، والبعض في قلبه مرض بمجرّد أن يتفوّه بالقصّة ويرتّبها، وهذه مسألة ستبقى قائمة الى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبقلّة الوعي تتفاوت المستويات في هذا المعنى.
- الفترة الكبيرة التي تزعّمت بها النجف الأشرف زعامة الطائفة، منذ أن حلّ الشيخ الطوسي(رحمه الله) الى يومنا هذا، هذا الزمان المرجعيّة تتميّز بالحكمة والبصيرة والقوّة على غرار التاريخ.
- أدعو إخواني أن يتبحّروا ليس بمعنى التبحّر، ولكن أن يمرّوا على ما أنجبت وأحدثت النجف الأشرف من المراجع العظام، وهذه البصيرة كانت سبباً حقيقيّاً مباشراً الى أن يبقى معلوماً، والذي جعل الأمور تمشي على هوادة ولكن بقوّة أيضاً هو التمسّك الحقيقيّ الواعي، الذي يتمتّع بالبصيرة من إخوتنا أهل المواكب يؤمن بقضيّة سيّد الشهداء(عليه السلام).
- النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والإمام الحسن ثمّ الإمام الحسين وما بعده تسعةٌ من الأئمّة الأطهار(عليهم السلام)، كانوا يشجّعون المؤمنين على إحياء عاشوراء وإحياء زيارة سيّد الشهداء والاهتمام بقضيّة الإمام الحسين(عليه السلام).
- الاستجابة الواعية التي قام بها المؤمنون أمثال الحاضرين في إحياء ذكر أهل البيت، عن لسانهم (رحم الله من أحيا أمرنا)، هذه الاستجابة الواعية دليلٌ على هذه البصيرة التي نقول بها، نعم.. يُمكن للإنسان أن يكون ببصيرة ويُمكن أن يكون بأكثر بصيرة.
- الجنّة درجات، كلّها جنّة لكن هناك درجات تتفاوت، وهذا التفاوت لاشكّ بحسب العمل، كلّ مَنْ كان عمله لله تعالى وذا أثر كانت منزلته أكبر، هذا الطريق -طريق سيّد الشهداء(عليه السلام)- نحن الآن لم نرثه على طبقٍ من ذهب، كثيرٌ من الإخوة أصحاب المواكب يتذكّرون بعض المشاكل والصعاب ويتذكّرون بعض الهجمات العنيفة التي سبّبت قتلاً على مسيرةٍ سلميّة جاءت لإحياء أربعين سيّد الشهداء في سنة (1977)، وذهب بها كوكبةٌ من الشهداء واعتُقِل البعض، وهذه المسيرة كانت مسيرةً تؤدّي زيارة الأربعين، الشباب لابُدّ أنّهم سمعوا بها، وأنا أفضّل أن يبيّن الإخوةُ تلك الظروف التي أدركوها للشباب الذين لم يدركوها تاريخيّاً.
- قضيّة سيّد الشهداء دائماً كانت تمثّل حالةً من الغصّة في حلقوم الظالمين، يعني أنّ وجود الحسين معناه وجود حجر عثرة في طريق هؤلاء، والحسين ليس كذلك بل هو مصباحُ الهدى لكن الأعمى هكذا يرى ماذا نفعل؟!!.
- البصيرة التي امتدّت طول هذه السنين على تفاوتٍ منها جذّرت قضيّة سيّد الشهداء(عليه السلام)، اليوم في هذه الأيّام ممكن أن تعطونا شخصاً أقوى من الحسين(عليه السلام)؟! لا يوجد شخص أقوى من الحسين(عليه السلام).
- الملايين من المؤمنين يرون ما يحدث على شاشة التلفاز وهم يبكون حسرةً لأنّهم لم يتمكّنوا من أن يكونوا بين ظهرانينا، انتشى يزيد عندما قتل الإمام الحسين فقال: (ليت أشياخي ببدر شهدوا) هذا تمنّي، هؤلاء الذين قُتِلوا في بدر يتمنّى لو أنّهم كانوا حاضرين ليروا كيف تشفّى يزيد من النبيّ بقتل سبطه، لكن ما هي النتيجة؟ من الذي تشفّى بمن؟ لا نريد أن نقول تشفّى لأنّ هذه العبارة ليس لها وجود في قاموس أهل البيت، الإمام السجّاد قال: (إذا سمعتَ المؤذّن يؤذّن ستعلم من المنتصر).
- الحسين أقوى من أيّ أحد، فالكافر ممكن أن يكون عاقلاً، في بعض الحالات إذا كان عاقلاً عليه أن يتجنّب الحسين(عليه السلام)، الإمام الحسين لم يدَعْ أحداً، كلّ مَنْ واجَهَ الإمام الحسين جعل دولتَه في خراب.
- كلّ مَنْ حاول أن يواجه الحسين(عليه السلام) كان مصيره الى مزابل التاريخ وما أكثر المزابل، بخلاف من تمسّك وبخلاف من بقى، فالإصرار على إبقاء ذكر سيّد الشهداء أنتج ما أنتج. - المصدر: وكالة الكفيل