ألقى العلامة السید علی فضل الله، خطبتی صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامین الحسنین فی حارة حریک، فی حضور عدد من الشخصیات العلمائیة والسیاسیة والاجتماعیة، وحشد من المؤمنین، ومما جاء فی خطبته السیاسیة:"عباد الله، أوصیکم وأوصی نفسی بتقوى الله، وبما أوصانا الله به عندما قال: {واضرب لهم مثل الحیاة الدنیا کماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشیما تذروه الریاح وکان الله على کل شیء مقتدرا* المال والبنون زینة الحیاة الدنیا والباقیات الصالحات خیر عند ربک ثوابا وخیر أملا* ویوم نسیر الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا* وعرضوا على ربک صفا لقد جئتمونا کما خلقناکم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لکم موعدا* ووضع الکتاب فترى المجرمین مشفقین مما فیه ویقولون یا ویلتنا مال هذا الکتاب لا یغادر صغیرة ولا کبیرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا یظلم ربک أحدا}. أیها الأحبة، بین الله من خلال هذه الآیات حقیقة الحیاة وما یجری بعدها، حین یقف الناس جمیعا بین یدی ربهم، لیواجهوا الحقیقة التی غفلوا عنها، ولیجدوا ما عملوه حاضرا ومسجلا ومکتوبا فی کتاب لا یغادر صغیرة ولا کبیرة إلا أحصاها. ویبقى السؤال: ترى أی کتاب کتبناه ونکتبه؟! والکتابة لیست بالحبر، بل بالأقوال والأفعال، ومتى وعینا الجواب، سنحسن الاختیار، وسنستطیع أن نواجه مسؤولیة الحیاة".
واضاف: "انتهى الأسبوع الفائت على نقاط عدة سنشیر إلیها: النقطة الأولى هی الحوار الجاری بین حزب الله وتیار المستقبل، حیث أظهرت الأیام السابقة صلابته، ورغبة قیادات الطرفین فی متابعته واستمراره، رغم التباینات التی عبرت عنها هذه القیادات فی العدید من القضایا".
وثمن "عالیا هذا الحرص على الحوار، نظرا إلى دوره فی تجنیب لبنان تداعیات ما یجری من حوله، والذی یحمل أبعادا مذهبیة وطائفیة وقومیة، ویعد صراع محاور إقلیمیة ودولیة، رغم بقاء هذا الحوار عند حدود معینة لا یتجاوزها، کما رسم له، ونعید الدعوة إلى تعزیزه، بضبط الخطاب، حیث نجد، وتحت عنوان شد عصب الجمهور، أن الأسقف ترفع، وأن الحساسیات والغرائز والعصبیات التی تنتج التشنج، تثار.. وهناک فی الداخل والخارج من هو جاهز لإشعال فتیل الفتنة مجددا".
ورأى "اننا أحوج ما نکون إلى من یعقلن الجمهور ویستمیله بخطابه المقنع والهادئ، لا الموتر، لأننا إذا عودنا جمهورنا على التوتر، فلن یستجیب لنا عندما نریده هادئا، بل سیذهب إلى آخرین یستفیدون من تشنجه وتوتره. کما أننا بحاجة فی هذا البلد إلى العقلانیین، وإلى من یصغی إلى هواجس الآخر أو ما یطرحه، وأن لا نتسرع فی اتهام الآخر، ولا یکون همنا تسجیل النقاط ضد بعضنا البعض".
وقال: "على مستوى الحوار، فإننا نرید له أن یتوسع لیشمل مواقع أخرى فی هذا البلد، ونرید حوارا یساهم فی حل الملفات العالقة، بدءا من موقع رئاسة الجمهوریة، وتحریک عجلة المؤسسات الدستوریة، إلى مجلس النواب ومجلس الوزراء، وملء الشغور فی المواقع الأمنیة، فلا یمکن أن نواجه التحدیات التی تحیط بنا، سواء على حدودنا الجنوبیة أو الشرقیة، بالترهل، بل بتضافر الجهود والتعاون".
وتابع: "أما النقطة الثانیة التی نحب أن نشیر إلیها، فهی الدعوة التی أطلقت إلى إنشاء استراتیجیة وطنیة لمواجهة الإرهاب. ونحن هنا، نضم صوتنا إلى کل الأصوات الداعمة لها، فی ظل الخطر الداهم الذی یتهدد لبنان، سواء فی الداخل أو على حدوده الشرقیة فی هذه المرحلة، حیث تستمر الاعتداءات على الجیش اللبنانی، وتجری الاستعدادات لتصعیدها مع بدایة الربیع، ما یجعلنا نخشى تطور الأمور إلى ما هو أبعد من ذلک".
وشدد على ان "التوافق حول هذه الاستراتیجیة ضرورة وطنیة، فلا یمکن أن یواجه هذا الإرهاب بتلاوینه المختلفة، بفریق واحد، أو بمذهب واحد، أو بطائفة واحدة، بل المطلوب تضافر جهود کل الطوائف والمذاهب والمواقع السیاسیة، والمجتمع الأهلی، وتکاتفهم مع الجیش اللبنانی والقوى الأمنیة اللذین یبقى لهما الدور الأساس فی هذه المواجهة".
وقال: "نحن فی الوقت الذی نثمن جهود هذه القوى، نرى أن المطلوب هو الإسراع فی إقرار هذه الاستراتیجیة، والمبادرة إلى تنفیذها، حتى لا تضیع فی ظل التجاذبات والصراعات والحساسیات، بعدما بات واضحا أن الحلول فی المنطقة بعیدة المنال، وأن التخلص من الإرهاب یحتاج إلى سنوات وسنوات".
وتابع: "أما النقطة الثالثة، فهی تتعلق بالآثار السلبیة التی یترکها المناخ البارد فی المواطنین، ولا سیما فی المناطق الداخلیة، حیث تزداد الحاجة إلى المازوت، والتی تضاف إلى الأزمة المعیشیة الخانقة التی یعیشها إنسان هذا البلد، ما یستدعی تدخل الدولة لتأمین المازوت الذی یسعى البعض إلى احتکاره، أو تهریبه خارج الحدود، مع دعوتنا إلى تعزیز التکافل الاجتماعی بین الناس، لأن المؤسسات الاجتماعیة تنوء بحمل هذا العبء، إضافة إلى مد المیسورین ید العون إلى الفقراء. وهنا، لا بد من أن نلفت إلى معاناة النازحین السوریین، الذین یعانون أکثر من غیرهم فی هذه الظروف المناخیة الصعبة".
واضاف: "النقطة الرابعة، تتعلق بالإرهاب التکفیری الذی بات یتهدد أمن المنطقة العربیة والإسلامیة واستقرارها، وهذا ما یحصل فی لبنان وسوریا والعراق ولیبیا ومصر، والذی کان آخر جرائمه قتل عمال مستضعفین، جاؤوا إلى لیبیا لتحصیل لقمة عیش کریم، ولا ذنب لهم سوى کونهم مصریین، ومن دین معین، وفی الوقت الذی ندین هذه الجریمة بوحشیتها ودمویتها، فإننا نعتبر أنها بعیدة کل البعد عن أی منطق دینی أو إنسانی، ولا نراها إلا تشویها لصورة الإسلام، وزیادة فی الانقسام الطائفی والمذهبی، واستدراجا جدیدا للتدخل الأجنبی، ولا تخدم سوى الکیان الصهیونی".
وجدد "الدعوة إلى استراتیجیة عربیة وإسلامیة لمواجهة هذه الظاهرة ثقافیا واجتماعیا واقتصادیا وسیاسیا وأمنیا، بعد أن بات واضحا أن التحالف الدولی لیس جادا فی إنهاء هذا التحدی، أو لیس مستعجلا فی ذلک، ما دام یستنزف المنطقة، أو فاقدا للمصداقیة فی ما یتصل بالتمییز بین إرهاب وآخر، وهذا یحتاج منا إلى السعی لإزالة التشنجات والصراعات التی تشغل کل قوانا عن مواجهة هذه الظاهرة الخطیرة، سواء منها الصراعات ذات الطابع المذهبی أو الطائفی أو القومی، أو بین الدول العربیة والإسلامیة، لما تؤمنه هذه الخلافات من أجواء حاضنة للفئات التکفیریة، أو فرصة لتعزیز دور القوى الأجنبیة".
وختم: "فمزیدا من العمل وبذل الجهود لتوحید الصفوف وإزالة أسباب التوتر والانقسام، لمواجهة هذه الظاهرة التی بات خطرها لا یتوقف على الحجر والبشر، بل على القیم والمبادئ الإنسانیة، وعلى معانی المحبة والرحمة التی هی عنوان کل الأدیان".