ألقى العلامة السید علی فضل الله، خطبتی صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامین الحسنین فی حارة حریک، فی حضور عدد من الشخصیات العلمائیة والسیاسیة والاجتماعیة، وحشد من المؤمنین، ومما جاء فی خطبته السیاسیة: "أقفل هذا الأسبوع على عدد من القضایا، والبدایة من لبنان، حیث یزداد التحدی لهذا البلد من حدوده الشرقیة، فی ظل ما تکشفه المعلومات الأمنیة من استعدادات یقوم بها المسلحون على هذه الحدود، لتهدید القرى اللبنانیة، والاستنزاف شبه الیومی للجیش اللبنانی هناک، والذی یأتی، مع الأسف، فی ظل الترهل الذی یعانیه الواقع السیاسی، والذی لا یقف عند حدود عدم وجود رئیس للجمهوریة، أو انتظام عمل المجلس النیابی، بل وصل إلى المؤسسة التی تدیر شؤون هذا البلد ومصالح الناس، حیث تغرق القوى السیاسیة فی السجال حول کیفیة اتخاذ القرارات فی الحکومة، وکأن البلد بألف خیر، وکأن أموره تسیر على ما یرام، فلا یوجد تهدید اقتصادی ولا أمنی ولا سیاسی ولا معیشی، ولا توجد أزمة وجود أعداد کبیرة من اللاجئین السوریین، ولا کل ما ینتظر هذا البلد من استحقاقات".
وتابع: "إننا أمام هذا الواقع، نعید دعوة القوى السیاسیة جمیعا إلى أن تکون على مستوى التحدیات التی تواجه هذا البلد، وآلام الناس ومعاناتهم، وإلى الإسراع فی الخروج بصیغة حکومیة تضمن سیر عمل هذه المؤسسة المتبقیة، لتقوم بدورها، وتؤمن مصالح الناس، بعیدا عن کل الحسابات الخاصة والضیقة والآنیة".
وقال: "وهنا، نقدر عمل کل القوى التی تسعى لتسهیل قیام الحکومة بهذا الدور، فی الوقت الذی نعید الدعوة إلى الإسراع فی تأمین متطلبات الدفاع للجیش اللبنانی، لمواجهة التحدی الخطیر الذی یواجهه، والذی عجزت عن مواجهته جیوش أخرى أکثر قدرة وتجهیزا".
واضاف: "وعلینا فی ظل کل هذه المتغیرات التی تشهدها المنطقة، أن لا نستکین لغطاء دولی أو إقلیمی لا یزال یظلل الساحة اللبنانیة، بقدر ما نسعى إلى تأمین غطاء داخلی وبناء قوانا الذاتیة، من خلال وحدتنا وتضامننا وحسن تخطیطنا، لإدارة هذه المرحلة الصعبة والمعقدة التی یمر بها لبنان والمنطقة".
وتابع: "إلى الیمن، حیث تزداد المخاوف على هذا البلد من تفاقم الصراع فیه واشتعال حرب أهلیة، جراء التجاذبات الداخلیة التی تتخذ طابعا مناطقیا بین الشمال والجنوب، أو طابعا قبلیا أو مذهبیا، والتدخلات الإقلیمیة فی هذه المنطقة ذات الطابع الحساس والاستراتیجی، ما بات یؤکد ضرورة العودة إلى طاولة الحوار لمعالجة کل القضایا، حتى لا یغرق الیمن فی أتون حرب أهلیة لا تبقی ولا تذر، ولا یکون فریسة التدخلات الخارجیة والمجموعات التکفیریة، التی تعتاش على الفتن الداخلیة، وتستفید منها".
واضاف: "إلى البحرین، الذی لا نزال ننتظر فیه مبادرة من السلطات تساهم فی تخفیف التوتر والاحتقان، من خلال إطلاق سراح الشیخ علی سلمان وبقیة المعتقلین، والعودة إلى حوار داخلی جاد یبعد هذا البلد عن صراع الداخل وتدخلات الخارج. إننا نرى أن الحل فی البحرین فی ید سلطاته، فالقوى المعارضة تطالب بحقوق طبیعیة، لکی یشعر إنسان هذا البلد بإنسانیته وکرامته وبحریته، ویکون الجمیع على قدر من المساواة".
وقال: "نعود إلى فلسطین، لنذکر مجددا بمعاناة الشعب الفلسطینی، الذی نخشى أن ینسى وسط کل ما یجری فی المنطقة، حیث یستمر العدو بممارساته ومخططاته المتمثلة فی الاستیطان والقتل والاعتداءات على المساجد والکنائس، کما حصل أخیرا، والاستهداف المستمر للمسجد الأقصى من قبل المستوطنین، فیما یشدد الحصار المالی على السلطة الفلسطینیة، والذی یهدد لقمة عیش الشعب الفلسطینی، کما یهدد مؤسساته، إضافة إلى الحصار الدائم لغزة".
ورأى ان "کل هذا الواقع بات یدعو إلى وحدة الموقف فی الداخل، ووقفة للدول والشعوب العربیة والإسلامیة مع هذا الشعب، حتى لا یستفرد العدو به، ولا تستمر معاناته، وحتى لا تسقط قضیته التی ینبغی أن تبقى القضیة الأساس فی وجدان کل العرب والمسلمین، مهما تعقدت أزماتهم، وکثرت معاناتهم".
وقال: "أخیرا، تکثر فی هذه الأیام المؤتمرات التی تعقد فی مواجهة الإرهاب، الذی بات یعبث بوحدة العالم العربی والإسلامی، ویهدد مکونات هذا العالم من مسلمین ومسیحیین وأیزیدیین، إضافة إلى الآشوریین مؤخرا. إننا فی الوقت الذی نؤکد أهمیة هذه المؤتمرات، ولا سیما عندما تنطلق من قیادات لها وزنها وحضورها فی الساحة الدینیة أو الثقافیة أو السیاسیة، نعتبر أن الأمر بات بحاجة إلى أکثر من مؤتمرات، فثمة حاجة إلى النزول إلى أرض الواقع، لمعالجة الأسباب التی تدعو شبابا وفتیات إلى ترک أماکن استقرارهم، والانخراط فی تلک المجموعات، وهو الأمر الذی یستدعی دراسة وافیة وعمیقة للدوافع التی تکمن وراء ما یقوم به هؤلاء".
وسأل "هل هذه الدوافع تتصل بشعور حاد بالتهمیش الذی یتعرض له المسلمون فی العالم، أو هی دوافع مذهبیة، ورد على ظلم أو إجحاف یشعر به هذا المذهب أو ذاک؟ وهل هی رد فعل على ظلم موجود فی هذه الدولة أو تلک، أو تعبیر عن احتجاجات کبیرة على عدم قدرة القیادات المدنیة والسیاسیة على تحقیق الطموحات، أو أن الأمر یتعلق بفهم هش للاسلام أخذ یسود بفعل ضعف البنى الفکریة والفقهیة للعاملین فی المؤسسات الدینیة؟"
وختم: "إن الأمر فی ید أصحاب القرار الدینی والسیاسی، الذین ندعوهم إلى عدم إبقاء المواجهة فی دائرة البیانات والإعلام والمؤتمرات، بل إلى معالجة جذریة لهذه الظاهرة الخطیرة، التی لن تستطیع الأسالیب العسکریة أو الحصار الاقتصادی أن یلغیها، بل قد تزیدها هذه الإجراءات قوة وامتدادا، إن لم نبادر إلى معالجتها معالجة جذریة وعمیقة".