إعتبر العلامة السید علی فضل الله أنه "لا یمکن أن نواجه الإرهاب الذی بات یهدد قیمنا ومبادئنا وتاریخنا وحضارتنا بمجتمع مترهل، أو مجتمع یعیش الصراعات، صراعات المحاور والدول والمذاهب والطوائف والأعراق والقومیات .إن علینا أن نلتفت إلى أن التطرف والظلم هنا، هو من یولد تطرفا وظلما هناک ، ویولد احتقانا فی هذه الساحة، وتوترا فی تلک، فإذا کنا جادین فی مواجهة الإرهاب، فلنعمل على دولة العدالة والمواطنة والحریات، ونعمل على أن نبرد الساحات، أن نعلمها کیف تلتقی، وکیف تتعامل عند الخلاف، أن نجعلها تعی ضرورة أن تأخذ بمنهج الإمام علی عندما قال: "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمین". وبذلک، نتفرغ جمیعا لمواجهة إرهاب إن ترکناه، فسیکون مشکلة لدیننا ولقیمنا ولوحدتنا ولمستقبلنا ومستقبل أولادنا وللعالم من حولنا. إرهاب یشوه صورة الإسلام الذی نتمثله رحمة للعالمین، وأن الأمة الإسلامیة هی خیر أمة أخرجت للناس".
کلامه جاء فی خلال افتتاح المؤتمر الدولی الذی یعقد بعنوان "دور الوسطیة فی مواجهة الإرهاب وتحقیق الاستقرار والسلم العالمی"، والذی ینظمه المنتدى العالمی للوسطیة فی العاصمة الأردنیة عمان. وقال شاکرا "للأخوة فی المنتدى العالمی للوسطیة، ولا سیما الأمین العام المهندس مروان الفاعوری والأخوة المشارکین فی هذا المؤتمر، وکل التقدیر للدور الذی یقوم به الأردن بقیادته وشعبه، فی سعیه لتعمیق خط الوسطیة فی مواجهة الإرهاب، آملین أن یوفق الله هذا المؤتمر للخروج بنتائج کبیرة وعملیة على هذا الصعید".
وقال: "إننا بحاجة إلى أن نستعید وسطیة الإسلام، وهو بمد جسور التواصل مع الآخر، لیقول لأهل الکتاب: {تعالوا إلى کلمة سواء بیننا وبینکم ألا نعبد إلا الله ولا نشرک به شیئا}، وللمشرکین: {وإنا أو إیاکم لعلى هدى أو فی ضلال مبین}... وهو بمد ید البر للجمیع: {لا ینهاکم الله عن الذین لم یقاتلوکم فی الدین ولم یخرجوکم من دیارکم أن تبروهم وتقسطوا إلیهم}... وهو لا یقف عند ذلک، بل یحتضن من داخله کل هذا التنوع ویحمیه. بهذا، جاءت وثیقة التعایش فی المدینة، وکل التاریخ الإسلامی، الذی لم یفرط فی هذا التنوع".
وتابع: "أن نستعید وسطیة الإسلام، عندما یعلن أن دم الإنسان على الإنسان حرام، ما لم یقتل أو یفسد، {من قتل نفسا بغیر نفس أو فساد فی الأرض فکأنما قتل الناس جمیعا}، فالإنسان دمه محترم، لأنه إنسان".
واضاف: "أن نستعید وسطیة الإسلام حین یعلن: {وقل لعبادی یقولوا التی هی أحسن}، {وقولوا للناس حسنا}، {ولا تستوی الحسنة ولا السیئة ادفع بالتی هی أحسن}. فلا ینبغی للمسلم أن یکون سبابا أو لعانا أو فحاشا بذیء اللسان. أو مثیرا لأحقاد التاریخ وضغائنه . {تلک أمة قد خلت لها ما کسبت ولکم ما کسبتم ولا تسألون عما کانوا یعملون}.أن نستعید الوسطیة فی تلقی الأفکار، فلا تبنى القناعات على أساس الشبهة والاحتمال والظن . ولا تلقى التهم بالضلال والکفر والفسق جزافا. إن الوسطیة تقوم على الموضوعیة والدلیل والرجوع إلى المصادر الصحیحة والثابتة، وعنوانها: {یا أیها الذین آمنوا اجتنبوا کثیرا من الظن إن بعض الظن إثم}. {ولا تقف ما لیس لک به علم إن السمع والبصر والفؤاد کل أولئک کان عنه مسؤولا}. {یا أیها الذین آمنوا إن جاءکم فاسق بنبأ فتبینوا أن تصیبوا قوما بجهالة}".
وبین : "أن نستعید الوسطیة فی الانتماء إلى الإسلام، حیث وسع الإسلام دائرة الانتماء إلیه، ولم یضیقها، فاکتفى بأن من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، هو مسلم . وحرم ماله ودمه وعرضه . ألا نعتبر من خرج عما نسمیه ضرورة من ضرورات الدین کافرا، ما لم یکشف عن عدم إیمانه بالله ورسوله. أن نستعید الوسطیة فی الالتزام بقوله: {ولا تقولوا لمن ألقى إلیکم السلام لست مؤمنا}".
وقال: "إن القضاء على الإرهاب، لا یتم إلا عندما تستنفر جهود العلماء والمفکرین والواعین فی مواجهته . فلن تعالج المشکلة ما لم یستأصل التطرف من العقول ومن النفوس . وما لم نعد النظر فی النصوص التی تخالف وسطیة الإسلام . لا سبیل لمواجهة الإرهاب بالأمن فقط، بل إن ذلک قد یقویه، لأنه سیجعله یبدو مظلوما. ولذلک، أکدنا ونؤکد ضرورة وجود استراتیجیة عربیة وإسلامیة فی مواجهة هذا الإرهاب، تحدده وتعرفه، فلا یبقى ضبابیا، وتعالج الأسس الفکریة والثقافیة لمنطلقاته والأسباب السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة والمعیشیة لتنامیه ".
وتابع: "إننا نرى أن کل هذا الحشد الکبیر لمواجهة الإرهاب، لن یحسم المعرکة بالأمن فحسب، فقد جرب هذا فی الماضی، فازداد الإرهاب إرهابا، بقدر ما نحتاج إلى حشد فکری وتربوی وثقافی واجتماعی وروحی، ومعالجة کل الأسباب".
وقال: "المطلوب هو معالجة التوتر على تنوعاته، التوتر المذهبی، التوتر القومی والعرقی والدینی والسیاسی وتصحیح العلاقات بین الدول العربیة - الإسلامیة، لأن بقاء کل عناصر التوتر هذه، یستفید منها التطرف والإرهاب ".
وأضاف: "إننا بحاجة إلى کل ألوان الوحدة، الوحدة الوطنیة والعربیة والإسلامیة، وإلى أن نسعى إلى تکامل عربی وإسلامی، ولو فی الحد الأدنى، لنواجه التقسیم النفسی الذی یراد لنا أن نعیشه، بحیث یشعر کل دین بعدم قدرته على أن یعیش مع الدین الآخر، ویشعر کل مذهب بأنه لا یستطیع أن یتعایش مع المذهب الآخر أو یلتقی معه، وتشعر کل قومیة وعرق بأنها تحتاج إلى أن تضع حدودا بینها وبین القومیات والأعراق الأخرى . إننا نحتاج إلى أن نقف فی مواجهة حرب تستنزف کل مظاهر وجودنا وقیمنا"
وختم: "إننا أحوج ما نکون فی هذه المرحلة إلى استعادة الصورة التی حرص رسول الله على أن یرسمها للمجتمع المسلم، عندما قال: "مثل المؤمنین فی توادهم وتراحمهم کمثل الجسد الواحد، إن اشتکى منه عضو، تداعت سائر الأعضاء بالسهر والحمى". وقوله سبحانه: {محمد رسول الله والذین معه أشداء على الکفار رحماء بینهم}".