ألقى العلامة السید علی فضل الله خطبتی صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامین الحسنین فی حارة حریک، فی حضور عدد من الشخصیات العلمائیة والسیاسیة والاجتماعیة، وحشد من المؤمنین، ومما جاء فی خطبته السیاسیة:
وقال"أقفل الأسبوع الماضی على عدد من الأحداث. أولا: تزداد الأعمال العسکریة فی سوریا فی العدید من مناطقها، ما یوحی بترجیح الکفة لصالح فریق على آخر. إننا وأمام ما یجری، ندعو کل أطراف الصراع فی هذا البلد المنکوب، إلى إجراء حسابات موضوعیة تأخذ فی الحسبان المعطیات الداخلیة والإقلیمیة والدولیة، وهی معطیات لا تسمح بأی حسم فی هذه المرحلة. ومن هنا، نعید دعوة الأطراف جمیعا إلى العودة مجددا إلى الحوار، والجلوس إلى طاولة واحدة، بعیدا عن الشروط والشروط المضادة. ولا ننسى هنا تدخل الکیان الصهیونی الذی یطل بین الفینة والأخرى، والذی یستفید من مجریات الحرب لحسابات مصالحه الاستراتیجیة، ویسعى إلى تسعیرها لإبقاء موازین الصراع على حالها" .
وتابع: "العراق الذی یستمر فیه نزیف الدم، سواء فی التفجیرات التی تحصد الضحایا، أو فی الحرب التی فرضت علیه، بسبب تنظیم داعش ومن یقف وراءه. ویبقى الخطر الأکبر الذی یتهدد هذا البلد فی هذه المرحلة، هو تکریس الانقسام الداخلی الحاد على أساس مذهبی أو قومی، والذی تجلى أخیرا بمشروع قرار فی الکونغرس، یدعو إلى دعم الکیانات العراقیة، بعیدا عن الحکومة المرکزیة، ما یوحی بالعودة إلى خطة سابقة لتقسیم العراق على أساس کیانات طائفیة. إننا أمام ما یجری، ندعو الجمیع فی العراق إلى الوقوف أمام هذا المشروع، لکونه مشروع حرب مستمرة، وبدیلا عن وحدة العراقیین، التی یجب أن یسعوا إلى ترسیخها، بحیث یشعرون بتوحدهم تحت عنوان "المواطنة العادلة"، بدلا من منطق الأکثریة والأقلیة، أو منطق المحاصصة الطائفیة والمذهبیة، ومنطق الغلبة. ولا یظنن أحد أن استقلال هذا الإقلیم أو ذاک، یؤدی إلى تأمین الحمایة لأبنائه من الآخرین، فتقسیم العراق استمرار لحرب لا یراد لها أن تنتهی".
واردف: "الیمن الذی دخل، وکما تشیر الوقائع المیدانیة، فی نفق سیاسی وعسکری لا نعرف نهایة له، مع استمرار الغارات التی تشن علیه، والصراع الجاری بین العدید من مکوناته، واستمرار الحصار علیه، ما یهدد بفقدان کل مقومات الحیاة، حسبما تعلن العدید من المؤسسات الإنسانیة الدولیة. إننا وسط کل هذا الجحیم، نعید التأکید أن الحل فی الیمن لن یکون بمزید من التدمیر، وإزهاق المزید من الأرواح البریئة، واستمرار المأساة الإنسانیة، بقدر ما یتم بالإسراع فی الحوار بین الأطراف المتصارعین، تحت رعایة إقلیمیة ودولیة حریصة على وحدة الیمن ومستقبل أبنائه، للوصول إلى حلول تزیل الهواجس، وتعید الثقة بینهم، بعیدا عن منطق الغلبة والاستئثار".
وقال: "ونصل إلى لبنان، الذی یعانی أداء سیاسیا لا یأخذ بالاعتبار حجم التحدیات التی تواجه هذا البلد على المستوى الأمنی أو السیاسی أو الاقتصادی أو الاجتماعی، بحیث یبدو من هذا الأداء، وکأن البلد بألف خیر. إن بإمکان کل فریق أو موقع سیاسی أن یأخذ راحته فی المطالب، ویضع شروطه لتسییر هذا المرفق الأساسی أو ذاک، لکن لا بد من أن یعلم أن ذلک یؤدی إلى معادلات تطیح برؤوس الجمیع".
وشدد على المسؤولین "أن یخرجوا من کل الحسابات الشخصیة والطائفیة والمذهبیة أو الإقلیمیة أو الدولیة، وأن یضعوا حسابات الوطن نصب أعینهم، لتسریع عجلة الدولة، إن لم یکن فی موقع رئاسة الجمهوریة، لتعقیدات هذا الملف داخلیا وخارجیا، فعلى الأقل، لتفعیل العمل التشریعی فی مجلس النواب، واعتبار کل تشریع ضرورة، إن لم یکن لکل المواطنین، فلبعضهم. إننا أحوج ما نکون فی هذه المرحلة، حیث تستعر الحرائق حولنا، ونخشى فی کل یوم أن تصل إلینا، إلى کل ما یساهم فی تثبیت الأرض، وتعزیز مناخات الاستقرار فی هذا البلد، سواء على مستوى الخطاب أو الأداء".
وقال: " من هنا، نرى أهمیة تفعیل الخطة الأمنیة فی الضاحیة فی هذه المرحلة، والتی تأتی ضمن سلسلة خطوات جرت فی مناطق أخرى. لقد انتظر أهل الضاحیة جمیعا هذه الخطوة ورحبوا بها، لأنهم کانوا ولا یزالون، لا یرون بدیلا عن الدولة لحفظ الأمن الداخلی وصیانة السلم الأهلی، علما أن القوى الأمنیة لم تکن فی أی وقت غریبة عنهم، ولم یکن هناک خوف منها. إننا نرحب بهذه الخطوة، ونراها ضروریة، لأنها تبعد عن الضاحیة الظلم الذی ألحقه البعض بها، عندما حاول تصویرها کمنطقة عصیة على الدولة، کما أنها تساهم فی تثبیت السلم الأهلی داخلها، ومعالجة العدید من المشکلات التی تسیء إلى صورتها، وتشوه تاریخها وجهادها وتضحیاتها.. وهی التی قدمت أغلى التضحیات فی مواجهة العدو الصهیونی، وکانت وستبقى خزانا للمقاومین وللجیش اللبنانی.. ولن تکون أبدا ساحة لمرتکبی الجرائم والفارین من العدالة وتجار الموت. إننا نشدد على ضرورة أن تواکب هذه الخطة الأمنیة بخطة إنمائیة، تراعی احتیاجات المناطق المستضعفة فی الضاحیة، والتی تحتاج إلى إنماء وتأهیل للعدید من مرافقها ولبنیتها التحتیة، لیشعر المواطنون بأنهم فی ظل دولة بکل ما لهذه الکلمة من معنى.
وأخیرا، وفی یوم العمل، نهنئ کل العمال بیومهم، ونثنی على جهدهم وعطائهم وتضحیاتهم التی تسهم فی ترسیخ قوة أی بلد وحضوره، فقوة البلد بعماله، کما بجیشه وقواه الأمنیة. ولعل أفضل تکریم لهم هو تکریم الله، فیدهم التی تعمل، هی ید یحبها الله، هی ید عابدة، بل فی أعلى مواقع العبادة، وهی ید مجاهدة، تحمی الحریة وتثبت دعائمها وتقویها، هی ید تستحق التقدیر والعطاء ما دامت تعمل بإخلاص وإتقان ومحبة".