رأى العلامة السید علی فضل الله خلال صلاة الجمعة، أن "لبنان، الَّذی یستمرّ فیه الکباش السّیاسیّ على أشدّه، حیث لا یبدو فی الأفق أی حلول لأزماته السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة، وصولاً إلى الملفات الحیاتیة التی تمسّ یومیات المواطن من ماء وکهرباء"، لافتاً الى ان "الواقع السّیاسیّ أوصل الإنسان إلى حدّ من الإحباط، جعله یرى أن لا فائدة حتى من التعبیر عن وجعه، ویکفی دلیلاً على ذلک، قلّة عدد الناس الّذین یخرجون للتعبیر عن آلامهم وهواجسهم، وهذا ما نشهده فی کل دعوات الاحتجاج على أداء الواقع السّیاسیّ، أو الفساد، أو غیاب أبسط المقومات الحیاتیة من ماء وکهرباء، وتفاقم أزمة النّفایات الّتی تکاد تتحوّل إلى کارثة وطنیّة"..
وشدد فضل الله على "ضرورة أن یستعید الشعب فی هذا البلد قراره، وأن یرفع صوته، وأن یخرج من سیاسة التوکیل التی کان یتبعها، إلى لعب دور الأصیل، حتى یشعر من هم فی مواقع المسؤولیة بأنهم أمام إنسان وشعب لم یعهدوه، إنسان وشعب لا یملکون القدرة على اللعب علیه من خلال إثارة غرائزه المذهبیة والطائفیة، أو تخویفه من الطوائف والمذاهب الأخرى، أو التنصّل من المسؤولیات وإلقائها على عاتق الآخرین، أو إطلاق الخطابات الرنانة التی لا تُسمن ولا تغنی من جوع"، مشیراً الى انه "وسط کلّ هذه المعاناة، تبقى هناک نقطة ضوء تتمثّل فی الدّور الّذی تقوم به الأجهزة الأمنیة، التی باتت هی التعبیر الوحید عن وجود دولة فی نظر المواطنین، حیث لم تتوقّف عن أداء واجبها بحفظ الأمن فی هذا البلد، وشلّ أیدی العابثین باستقراره ووحدته".
کما نوّه فضل الله "بالإنجاز الأمنی الذی تمثَّل بالقبض على واحد من الرموز التی لعبت فی مرحلة سابقة وإلى لحظة توقیفها، دوراً محرضاً على إشعال الفتنة المذهبیّة، ودق إسفین بین صیدا ومحیطها، والاعتداء على الجیش اللبنانی، والعبث بأمن البلد واستقراره، مستفیدةً من أجواء هیّأت لها الحضن وأمّنت لها التمویل"، معتبراً ان "هذا الإنجاز أکد الدور الکبیر الذی یمکن أن تلعبه الأجهزة الأمنیة وتقوم به، إن أُعطِیَت لها الصلاحیات، وتأمّن لها الغطاء السیاسی، ولم تخضع لتدخّلات من هنا وهناک"، موضحاً ان "هذا الإنجاز قد قدّم دلیلاً إضافیاً وواضحاً على رفض اللبنانیین جمیعاً، والمسلمین بالخصوص، لدعوات الفتنة ولرموزها، وأکّد أنه لا یوجد مکان آمن لهؤلاء ولا حاضنة لهم".
ودعا السید فضل الله إلى "إبقاء هذا الإنجاز الکبیر فی إطاره القضائی، وعدم إخضاعه لأی تدخلات سیاسیة، وإلى متابعة کل القضایا الأمنیة الملحّة التی تهدّد أمن اللبنانیین وتشوِّه صورتهم، سواء فی عملیات الخطف التی جرت وتجری، أو فی ملاحقة المجرمین الفارّین من وجه العدالة".
وأشار السید فضل الله الى "مسألة النفایات التی صارت عنوان هذا البلد، بعدما بات واضحاً عدم وجود حلول قریبة لها، ما یهدّد بکارثة وطنیة إن لم تُعالج"، داعیاً إلى "استنفار کلّ الجهود لمعالجتها على قاعدة صحیحة"، مجدداً الدعوة التی أطلقناها سابقاً إلى ضرورة التّعاون بین البلدیات والمجتمع الأهلیّ والمدنیّ وکلّ المؤسَّسات المعنیَّة بالصحّة والبیئة، لإیجاد الحلول لها، ولخروج من هذا النفق المظلم والدامس الذی بات یدخل إلى کل بیت، فلا خیار أمام الجمیع إلا المزید من هذا التعاون.
وإلى سوریا الّتی یستمرّ فیها نزیف البشر والحجر، ذکر السید فضل الله ان "الأیام الفائتة شهدت مجازر مروعة طالت المئات من الأبریاء فی أکثر من مدینة، والتی نخشى أن تکون سمة المرحلة القادمة، ما بات یستدعی من کلّ القوى المؤثّرة فی القرار السّوریّ، الإسراع لإخراج هذا البلد من أتون الصراع، بعدما أصبح واضحاً أن لا حلّ عسکریّاً فی سوریا، وأنَّ الاستمرار فی هذا المسار لن یجنی إلا القتل والدّمار لهذا الشّعب ولمسیرته ولإنجازاته، ولن یستفید منه إلا العدوّ الصهیونی، الذی لا یتوانى، عن الدخول على خطّ الصراع الداخلیّ، کلَّما سنحت له الفرصة، من خلال ممارسة عملیات عدوانیّة تحمل أکثر من رسالة، أهمّها الحرص على تسعیر الفتنة، وتوسیع دائرة النّار، لإضعاف موقع سوریا ودورها إلى أبعد الحدود".
أما فی العراق، لفت السید فضل الله الى "متابعة مسیرة الإصلاح بعین الارتیاح؛ هذه المسیرة التی أعلن عنها رئیس الحکومة العراقیة مؤخراً، والتی قد تکون المدخل الوحید لإخراج هذا البلد من الفساد المستشری، ولتقویة الجهة الداخلیة فی مواجهة الإرهاب، وفی الوقت نفسه، فإننا نعید الدعوة إلى ضرورة تلاحم الجهود الداخلیة، ووقوف الشّعب العراقیّ بکلّ مکوّناته صفاً واحداً فی مواجهة الإرهاب، وهنا نثمِّن أیة مبادرة جدیة تساهم فی تحقیق الاستقرار لهذا البلد، حتى لا یکون حاضنة للإرهاب".
وفی سیاق متصل، تطرق السید فضل الله إلى الوضع فی الیمن، والَّذی لا یزال یکتوی بتدخّلات الخارج وحروب الداخل، وبالمجاعة التی تهدّد الکثیر من أبنائه، وفقدان أبسط مقوِّمات الحیاة الکریمة. إنّنا أمام هذا الواقع، داعیاً إلى "الإسراع فی تحقیق مصالحة داخلیّة نرى أنّها السبیل لاستعادة الاستقرار والوحدة فی الیمن، حیث لا استقرار ووحدة مع الغلبة لأی فریق، لأنَّ الغلبة فی الداخل هی مشروع حرب وفتنة".
وعن الذکرى السادسة والأربعین لإحراق المسجد الأقصى، والتی أظهرت حقد العدو على هذا المسجد، ونیّته العمل على إزالة معالمه، أکد السید فضل الله إنّ "هذه الرغبة لم تتوقف، وإن کانت تأخذ أشکالاً مختلفة، والتی تتمثل بالاقتحامات المتکررة للمستوطنین للأقصى، وبالحفریات المستمرة التی تهدد أساسات هذا المسجد"، داعیاً "الدول والشعوب العربیة والإسلامیة إلى تحمّل مسؤولیاتها تجاه أولى القبلتین وثالث الحرمین، لمنع هذا العدو من تنفیذ مخطّطاته والاستفادة مما یجری فی البلاد العربیَّة من حروبٍ وفتن واقتتال داخلی"، لافتاً الى "معاناة الإنسان الفلسطینیّ، ولا سیما الأسرى، الَّذین أخذوا یواجهون ظلم العدو بالإضراب عن الطعام، واستعدادهم لتحمّل الموت بهدف فضح إجرامه وعنصریَّته، کما حصل مع الأسیر علان، لنکون بذلک الأمة الجدیرة بالحیاة؛ الأمة التی لا تسمح لأعدائها بأن یمسّوا مقدساتها أو أن یتعرضوا لإنسانها، من دون أن یدفعوا الثمن".