اعتبر المفتی الجعفری الممتاز الشیخ أحمد قبلان فی خطبة الجمعة التی القاها فی مسجد الإمام الحسین فی برج البراجنة، "أننا نعیش لحظة وجع، وأزمة عیش، وفشل سلطة، وبطالة، وصراع انتماءات وخصومات عابرة، ومهاترات سخیفة، یعنی أننا فی بلد تتقاذفه شیاطین الفرقة، ولصوص الشرکات والمشاریع المرتبطة بمراکز النفوذ، لدرجة أن أکثریة أهل هذا البلد المقاوم یعیشون الجوع، والبطالة، والقلق الیومی والتعاسة الاجتماعیة والخوف والرزیة بمختلف أشکالها، وسط مؤشرات فقر وانهیار هی الأخطر على الإطلاق، ووفق ذهنیة استعباد الناس، وهذا ما لا یجوز ولا یمکن أن نرضاه أبدا".
وأکد أن "المطلوب کسر هذا الواقع، والخوض بحلول تبدأ بتکوین السلطة، وموقع المواطن منها، وذلک بخلفیة أن مشروعیة السلطة من مشروعیة العدالة الاجتماعیة، وهیکل القرار السیاسی، الذی لا یجوز أن یتحول حکرا ووکرا للصفقات المختلفة، وسط أزمة تکاد تأخذ لبنان واللبنانیین نحو الهاویة. وما نراه الیوم بموضوع النفایات هو نتاج فساد السلطة المتراکم، من خلال ذهنیة سیاسیة حولت البلد إلى جثة تتناهشها حیتان المال والسلطة، ووضعتنا أمام أزمات کبرى، أزمة رؤیة، أزمة مشروع، أزمة طریقة حکم، لیس ببعده الطائفی فقط، بل بأنانیة القوى المتسلطة، وطرق ابتزازها وهیمنتها على موارد الدولة وحقوق الناس. واللافت أننا مع کل صوت معارض نرمی بالمسؤولیة على مجهول، فضلا عن عشوائیة الاتهام والقتل السیاسی وتصنیف الناس والاعتماد على مؤشرات أقل قیمة على مستوى التدقیق بصوت الناس، مع أن صوت المظلومین مقدس".
وشدد على ضرورة "أن نلتفت إلى واقعنا وظروف بلدنا وحقیقة المؤثرات ولعبة الدول والشیاطین الذین یعیشون على إثارة الفتن، والقلاقل بین الناس لإخفاء الحقائق. لهذا أصر أمیر المؤمنین على معاقبة السلطة الفاسدة، مؤکدا حقیقة أن أمة تسکت عن الباطل لا یدوم فیها الحق، ولن تنعم بمشاریع العدل والأمان، مع أن العدل والحق ضرورة ماسة لمشروع الوطن والمواطن والإنسان، وهذا ما نعنیه جیدا بخصوص لبنان، لأننا لن نقبل بتضییع بلدنا، ولن نرضى بتحویل لبنان إلى جثة لا حیاة فیها، وخاصة أن هذا البلد رمز التضحیة والکرامة والعزة والنصر، فغیاب السلطة وتعطیل المؤسسات، وعشوائیة التحرک، وغوغائیة طرح الأولویات، یضعنا أمام حالة من الفوضى وعدم الاتزان، ویؤشر إلى أن الخطر على وحدة لبنان واللبنانیین بات فی شبه المؤکد، فی ظل هذه التجاذبات السیاسیة، والانقسامات الطائفیة والمذهبیة، التی بلغت الذروة".
ودعا المفتی قبلان الجمیع "إلى الهدوء والتعقل والإبقاء على خیط التواصل ولو کان رفیعا". وطالب "کل الأطراف بالمشارکة البناءة والمسؤولة فی الحوار الذی دعا إلیه الرئیس نبیه بری، واغتنام هذه الفرصة التی قد لا تتکرر، واعتبار التاسع من أیلول موعد انعقاد جلسة الحوار بدایة تحول سیاسی ینقذ المؤسسات الدستوریة، ویرسی منهجیة سیاسیة راشدة، عبر قانون انتخابی عصری، یمنع الاستبداد، ویلغی الصوت الطائفی فی عملیة انتاج الأحلاف السیاسیة، لأن الاستمرار فی النزاعات والکیدیات یعنی الإمعان فی تخریب المؤسسات، وتدمیر ما تبقى من البلد. کما ننصح بالعودة إلى المؤسسات، وتفعیل دورها، والحفاظ على هذه الحکومة التی تکاد تکون شرا لا بد منه، والعمل على مقاربة القضایا الملحة، والمشاکل المعقدة بوطنیة عالیة، بعیدا عن أی منطق طائفی أو استفزازی أو استئثاری أو تحریضی".
وختم بالقول:"إن عملیة طمر الرأس فی الرمال، والتغاضی عن تحقیق المطالب المحقة والمشروعة، وعدم التجاوب مع صرخات الناس یعنی مزیدا من الأزمات فی البلد. لذا نقول لهذه الطبقة السیاسیة: کفى جنونا وتعصبا وعصبیات، فالوطن بحاجة إلى الجمیع، وعلینا أن نکون معا متشارکین فی السراء والضراء، عاملین بصدق على قیام الدولة، وإعادة بناء مؤسساتها، بما یضمن لجمیع اللبنانیین الاستقرار، ویؤمن لهم العیش بحریة وکرامة".
وختم:"کفى فسادا وإفسادا، کفى صفقات ومحاصصات وتوزیع مغانم، کفى نفاقا وخداعا، کفى حرمانا وإهمالا، کفى إفقارا وتجویعا وإذلالا للناس، وما نشهده من مظاهرات واعتصامات مشروعة، ما هو إلا إشارات لزلزال آت أیها السیاسیون، فاحذروه، واعلموا أنه لا منجاة لأحد إذا ما استمرت نزاعاتکم وخلافاتکم وصار الأمر للشارع، فسارعوا إلى التلاقی والتحاور، وتجاوزوا سیاسة التهور والتدلیس والترقیع، واعتمدوا سیاسة العقلنة والرؤى الإصلاحیة والتطویریة، فی بلد یستحق منا أن نعمل على النهوض به واستنهاضه وصونه من کل ما یتهدده من مخاطر، لاسیما فی هذه المرحلة الصعبة التی تستوجب وعیا کاملا، وتنبها شدیدا للمخاطر المحدقة بنا، جراء ما یجری فی المنطقة من تحولات ومتغیرات وظواهر تکفیریة وإرهابیة، ینبغی أن نکون على استعداد تام لمواجهتها عبر تأمین التنسیق اللازم والشراکة الکاملة بین بیروت ودمشق والقاهرة وبغداد، لأن فقدان التنسیق والشراکة یعنی فشل القضاء على مشروع تدمیر المنطقة".