"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، وقد قال الله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}. هذه الروح الصابرة والثابتة، والمتوكلة على الله، والواثقة به، والمستعدة لبذل التضحيات من أجله، هي التي استهداها أصحاب رسول الله في مواجهتهم لطغيان قريش واستكبارها، بعد حالة الضعف التي عاشوها خلال معركة أحد، وحولت هزيمتهم إلى نصر. هذه الروح هي نفسها التي نستعيدها هذه الأيام، ونحن نتذكر مجريات حرب تموز، عندما وقف العدو الصهيوني بكل قدراته وإمكاناته، ومعه كل داعميه، وهم كثر، في مواجهة ثلة من المجاهدين، ليكسر إرادتهم وإرادة الأمة التي وقفت معهم. لقد أراد العدو من خلال حرب تموز، أن يثأر لهزيمته في ذكرى التحرير في العام 2000، بعدما أعد العدة، وأراد أن يمهد لشرق أوسط جديد لا توجد فيه أي قوة تشكل ندا له، أو تربك مشاريعه التوسعية، في ظل سعيه الدائم والمستمر ليبقى الأقوى في هذه المنطقة".
أضاف: "وعلى الرغم من الآلة العسكرية التي كان يمتلكها، والتغطية التي تأمنت له، لم يتمكن هذا العدو من تحقيق أهدافه، فلم يستطع الثأر لهزيمته، ولم يحقق مشروعه الشرق أوسطي الجديد، وبقي لبنان بجيشه ومقاومته، واحتضان شعبه لهما، يشكل قلقا دائما لهذا العدو، ويمنعه من تحقيق أهدافه، بحيث لم يعد الدخول إليه نزهة، ومنه يرسل رسائله إلى الآخرين، وسيبقى لبنان عصيا عليه، ما دام اللبنانيون حريصين على تعزيز عناصر القوة وتثبيتها وتحصينها بوحدتهم وتكاتفهم، فالعدو لا يقوى ولا يستمر إلا بالفتن. وعلى اللبنانيين أن لا يديروا آذانهم لكل الأصوات البعيدة عن الواقع، التي لا تزال ترى قوة لبنان في ضعفه في عالم لا يحترم إلا الأقوياء".
وقال: "إننا نريد لهذه المناسبة أن تساهم في ترميم جسور التواصل بين اللبنانيين، وأن تعزز وحدتهم بعدما عبثت بها أيادي الفتن من الداخل والخارج، ليمتنوا ساحتهم الداخلية في مواجهة عدو لم يتوقف عن تهديده للبنان، بضرب منشآته الحيوية، وبنيته التحتية، وقدراته، وإعادته عشرات السنوات إلى الوراء، وهو يعد العدة لذلك".
وتابع: "تبقى المسؤولية على عاتق كل القوى السياسية الحريصة على مناعة هذا البلد، بأن تسعى إلى تعزيز الواقع السياسي والاجتماعي والأمني. وعلى جميع الحريصين على مواجهة العدو عسكريا وأمنيا، أن يكون لديهم الحرص نفسه على تعزيز قوة البلد على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والحياتية، فالصمود الاجتماعي هو شرط أساسي من شروط القوة في مواجهة الأعداء، كما أننا لا نستطيع مواجهة كل التحديات، في ظل هذا الترهل الذي نعيشه، والفساد الذي نعانيه".
وكرر التشديد على أن "الحل في أيدي اللبنانيين، الذين عليهم أن يسارعوا إلى اجتراحه، رأفة ببلدهم وإنسانه، وحرصا عليه، ولا نحتاج من الوافدين إلى أن يذكرونا بذلك، فنحن نعرف أن إنهاء الفراغ الرئاسي في يد اللبنانيين لو أرادوا ذلك، ويبقى السؤال: هل يريدون ذلك؟ إن الأمة الواعية هي التي لا تستكين للهدوء الحاصل حولها، ما دام العدو الصهيوني يقبع على حدودها، ولا تستكين أيضا للعلاقات الدبلوماسية والقرارات الدولية التي يمكن أن تتبدل في أي لحظة، لتتوفر معها الظروف لحرب جديدة".
وقال:"ما نريده من قوة للبنان، هو ما نريده للمنطقة العربية والإسلامية، حيث يستعيد الكيان الصهيوني زمام المبادرة، من خلال الفتن التي تعصف بواقعنا، والتي وصلت امتداداتها إلى مواقع جديدة لم تصلها سابقا، ومن بينها أفريقيا، فضلا عن علاقاته غير المعلنة مع عدد من الدول العربية".
ودان "العمل الإجرامي الذي حصل في فرنسا، وأدى إلى سقوط العشرات من الضحايا، ونأسف لمسارعة البعض إلى وصفه بالإرهاب الإسلامي، فالإرهاب لا دين له، والإسلام هو أكثر المتضررين منه، وهو ضحيته الأولى. إننا في الوقت الذي نقف مع الشعب الفرنسي، ندعو إلى تضافر كل الجهود من أجل مواجهة الإرهاب، والتصدي لقواعده الفكرية والمالية والسياسية، ومعالجة الأسباب التي يستند إليها الإرهابيون لتبرير أعمالهم وجرائمهم، حيث تبقى الحاجة ماسة إلى معالجة جادة وفعالة لهذا المنطق، الذي لا يوفر أرضا ولا مذهبا ولا دينا".
وختم: "أخيرا، لا بد من أن نتوقف عند العزيمة والإرادة التي عبر عنها سماحة السيد والمصلون معه، عندما وقفوا في مثل هذا اليوم بالذات لأداء صلاة الجمعة، رغم قصف طائرات العدو الصهيوني التي كانت في الأجواء، للتشديد على الثبات والصمود، وعلى أهمية هذه الصلاة في وجدان السيد وفي وجدان المؤمنين معه. لقد أراد السيد لصلاة الجمعة أن تكون مظهرا من مظاهر العزة في مواجهة الأعداء، كما أراد المؤمنون لهذا المشهد الإيماني أن يكون رسالة قوية، وعنوانا من عناوين الوعي والتربية والبناء الممهدة للصمود والانتصار".