و أضاف سماحته: أن فلسفة فقه النظام تتمحور حول، هل الفرد وحده المعني بالتكاليف الالهية، أمّ أن المجتمع مشمول بذلك ايضاً؟ وما هو واضح من آيات القرآن الكريم وروايات المعصومين (ع)، أن تكاليف الفرد تعتبر بمثابة مقدمة لاداء تكاليف المجتمع .
و أشار آية الله الاراكي الى ان آيات الذكر الحكيم تدل على أن تحقق وحدة المجتمع البشري لا يكون إلا في ظلال دين الله، موضحاً: من المحال تحقق وحدة المجتمع الانساني بمعزل عن الدين، كما أن ثمة تكاليف تترتب على هذه الوحدة ايضاً .
و لفت سماحته الى انه لا يتحدث عن ذلك بدوافع ذوقية و حدسية، و إنما بناء على كلام المعصومين (ع)، مضيفاً : أن المجتمع الرباني مجتمع واحد بنَفس واحد. ذلك ان الشهادة برسالة النبي محمد (ص) و قبول الاسلام، تعد بحد ذاتها دافعاً لتشكيل المجتمع الالهي الواحد .
و رأى آية الله الاراكي أن موضوع ارساء الوحدة يقف في طليعة موضوعات المجتمع الاسلامي، موضحاً : مع قبول الاسلام و اطاعة النبي الاكرم (ص) تبدأ الوحدة الاعتبارية، وفي ظل العمل بهذه الاطاعة تتشكل الوحدة الحقيقية .
وأضاف : عندما تتشكل الوحدة الحقيقية يصبح المؤمنون اخوة فيما بينهم . و بطبيعة الحال ان هذه الوحدة لا تقتصر على المجتمع الاسلامي وحده بل لكافة المجتمعات، ولكن عموماً يتشكل المجتمع الواحد في المجتمع الاسلامي من خلال اطاعة اوامر الحاكم الالهي الذي هو الرسول الاكرم (ص)، لأن الجميع يتبع توجيهات واحدة .
و اشار الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، الى ان ضرورة تشخيص طبيعة العلاقة بين الامام و المأموم، مضيفاً : الامامة مدعاة للوحدة، و ما يكن المأمول تابعاً للامام (ع) لن تتشكل هذه الوحدة .
و اعتبر آية الله الاراكي بيت الامام امير المؤمنين (ع) و فاطمة الزهراء (س) مركز المجتمع الايماني الواحدة ، قائلاً : اتباع القائد الواحد يوجد النفس الاجتماعي الواحد، الذي من اولى مسؤولياته ارساء العدالة. وأن الذي يأمر بالعدل يتصف بالصراط المستقيم ويعتبر حاكماً عادلاً .
ولفت آية الله الاراكي الى أن دور الجماهير في تشكيل الحكومة الاسلامية لا يتلخص في اضفاء المشروعية و المقبولية على الحكومة، موضحاً :الجماهير تضطلع بدور فاعل، أي اذا لم توافق الجماهير على الاطاعة و لا تستجيب لتوجهات القائد لن تتشكل الحكومة. ذلك ان وجود الحكومة قائم على ارادة الجماهير . و بعد الاطاعة ينبغي نصرة الحكومة و دعمها أيضاً .
و اضاف سماحته: أن الوحدة الاجتماعية تقع على عاتقها تكاليف و مهام ايضاً، لان الآمر بهذه التكاليف هو الامام (ع) بمعية المأموم . أي ان المجتمع يتشكل بوجود الإمام (ع) و مأموم ايضاً . و الامام (ع) ايضاً يجب أن يكون لديه بيت ، لأنه يريد أن يؤسس مجتمع . بيت الامام يعد منطلقاً لتشكيل بيوت المؤمنين ، و أن جميع هذه البيوت تعتبر فرعاً للبيت المركزي الذي هو بيت الامام (ع) .
و أشار آية الله الاراكي الى ارساء العدل باعتباره أحد واجبات المجتمع الواحد، مضيفاً: أن مثل هذه المواضيع ينبغي بحثها في فقه النظام . لانه اذا لم يتم بحثها في فقه النظام سوف تتعقد الامور بالنسبة لفقه الفرد، ذلك أن الاهتمام بالفقه الفردي وحده يقود المجتمع الى مواجهة مشاكل و اضطرابات اجتماعية .
وتساءل سماحته : هل يتسم مجتمعنا بالثقافة الدينية على الصعيد الثقافي؟ الفقه السائد في مجتمعنا الفقه الفردي، و قد نجحنا في هذا الفقه الى حد كبير ، و لكن المشكلة تكمن في أن الفقه الاجتماعي لم ينمو و يتكامل ، و لهذا نرى بروز مشكلات ثقافية و اقتصادية و اجتماعية في البلاد .
و ختم آية الله الاراكي قائلا : أن احد أهم اقسام الفقه لدينا - و ربما الأهم - فقه النظام . الفقه الذي يتناول المجتمع المؤلف من الامام و المأموم، و يحاول تسليط الضوء على التكاليف و الواجبات التي تقع على عاتقه في المجالات الثقافية و الاقتصادية و التربوية و السياسية ... الخ ، و التي ينبغي استخراجها و استنباطها من القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة.(۹۸۶۳/ع۹۴۰)